فلا تجزع إن فرق الدهر بيننا فكل امرئ يوماً به الدهر فاجعُ الأحزان حينما تتوالى ضرباتها على مُهج القلوب فإنها تَهدُّ من كيان الإنسان وتضعفه..، وتجعله غير قادر على مقاومة ما يحلُّ بجسمه من أمراض ومتاعب متعددة الأسباب..، فيصعب كَبْحَ جماحها..، وهذا هو شأن نورة بنت إبراهيم بن عبدالله القضيب التي عانت في الآونة الأخيرة من الأمراض ما الله عالم بها..، من فشل كلوي وأمراض أخرى، وظل شقيقها الحبيب عبدالرحمن بن إبراهيم القضيب يتردد بها أكثر من عام إلى مراكز غسيل الكلى بمدينة الرياض يوماً بعد يوم -من غير تقصير من بقية إخوتها-، بل كلهم يتسابقون لخدمتها وإيناسها وإحضار ما تحتاج إليه من علاجات وخلافها علماً بأنها كانت تسكن معه، وبجانب عقيلته الوفية -أم عبدالله- أثابهم المولى وبارك في أعمارهم. ولقد ولدت نورة ونشأت في حريملاء بين أحضان والديها وإخوتها في أجواء فرح وتآلف وتراحم، وعند بلوغها السابعة من عمرها الحقت بالمرحلة الابتدائية، وكانت تتصف بالجد والحيوية، فاستمرت في نشاطها ودراستها حتى حصلت على الشهادة العالية من جامعة الملك سعود بتفوق عام 1416هـ ثم صدر قرار تعيينها في مكتب التربية والتعليم بمحافظة حريملاء وكانت محبوبة لدى زميلاتها والطالبات معاً، لما تتمتع به من صفات حميدة، وأخلاق فاضلة، وتفانيها في أداء عملها بكل جد وإخلاص، طيلة مكثها حتى غابت عن الوجود حميدة أيامها ولياليها -وذلك قبيل أذان ظهر يوم الأربعاء 6-10-1439هـ تغمدها المولى بواسع رحمته- وأدى صلاة الميت عليها بعد صلاة المغرب بجامع الحزم بمحافظة حريملاء جموع غفيرة رجالاً ونساءً، ثم ووري جثمانها الطاهر بمقبرة «صفية» بحريملاء. «مُجاورة» قوم لا تزاور بينهم ومن زارهم في دارهم زار هُمّدَا ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور حال والدها وأخوتها وهم يهيلون الترب على جدثها الطاهر بعد أن أخفته اللّبنات عن نواظرهم، ولوعات الفراق تعتصر مهجهم، وبداخلهم مابه من لواهب الحزن تشتعل أسفاً على رحيلها وغيابها عنهم الغياب الأبدي..، ولسان حالهم في تلك اللحظات الموجعة لقلوبهم يتمثلون بهذا البيت: كم راحل وليت عنه وميت رجعت يدي من تربه غبراء كان الله في عونهم.. وقد توالت الأحزان عليها -رحمها الله- بدءاً من رحيل جدها الشيخ الفاضل الراقي الشرعي عبدالله بن قضيب، ثم وفاة والدتها شقيقتي منيرة -أم عبدالعزيز- ثم لحقت بها اختها هيا -أم عبدالرحمن- وشقيقها لأستاذ الحبيب عبدالعزيز بن إبراهيم، وأخيراً عمها البار الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله صديق المرضى الراقي الشرعي الذي سبق أن خَلَفَ والده بعد وفاته، واستقبال الكثير من المرضى في مسجده الشهير لينفث عليهم في صدورهم تالياً بعض الآيات الكريمة، ومستحضراً شطراً من الأدعية الشرعية المأثورة، وفي الحديث أو الأثر (أطب مَطعمك تكن مستجاب الدعوة)، وقول الله سبحانه وتعالى: {وننزل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً} الآية82 سورة الإسراء، -رحم الله الجميع رحمة واسعة- وكأن لسان حالها قبل رحيلها تردد في خاطرها معنى هذا البيت: تتابع إخوتي ومضو لأمر عليه تتابع القوم الخيارُ وكانت بارة في أمها وأختها وإخواتها، فهي بمنزلة الأم لإخوتها وبنات أختها التي سبقتها إلى مضاجع الراحلين: فأرفع لنفسك بعد موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني تغمد الله الفقيدة بواسع رحمته ومغفرته، وألهم ذويها ووالدها وإخوتها، ومحبيها الصبر والسلوان.
مشاركة :