فيما يشبه أدب السيرة الذاتية، اختارت فريدا كاهلو التي ولدت في أحد ضواحي كويوكان، المكسيك في 6 يوليو، عام 1907 وتوفيت في 13 يوليو، عام 1954 في نفس المدينة، اختارت ان تكتب سيرتها بالألوان، ومن هنا جاء عدم استيعاب البعض للوحاتها خصوصا الطبقة الغنية بينما تواصل مع فنها الطبقة المتوسطة والفقيرة في المكسيك، فكل لوحة من لوحاتها تحكي قصة تعكس معاناة كاهلو.وهي تتأرجح دوما في لوحاتها بين الماضي والمستقبل، وفي أغلب لوحاتها صورت فريدا نفسها بشكل غير اعتيادي، حيث تعمدت رسم حاجبيها وقد التقيا بشكل لافت، بالإضافة للشارب أعلى فمها، وهو ما يخالف أصول الأناقة والجمال المتعارف عليها، أرادت فريدا ألا تخضع للقواعد وأن يكون لها أيقونتها الخاصة وقد نجحت في ذلك، إلا أن ذلك الأمر كان له تأثير معاكس، حيث لفظت الطبقة العليا فنونها من المجتمع واعتبروها متمردة كاسرة للقواعد، بينما الطبقة المتوسطة وما دونها اعتبروها جزءا منهم، فهموا مرادها وفنها وتقبلوه وتقبلوها. ومن أبرز ما تعرضت له من تجارب مؤلمة عدم صلاحية جسدها للحمل والإنجاب، فالتشوهات الجسدية والعمليات الجراحية المتتالية جعلت من جسدها مكانا غير آمن لأجنتها، أجهضت فريدا 3 مرات ليموت تماما حلمها في الأمومة، مما يصيبها بالكثير من الإحباط، كتبت قائلة: "لقد أردت أن أكتب إليك منذ فترة طويلة، طويلة جدا لدرجة حتى لا تستطيع تخيلها، لطالما تمنيت أن يكون لي دييجو صغير، وبكيت طويلا لأجل هذا الأمر، أما وأن الأمر قد أصبح ميؤوسا الآن، لا يوجد شيء يتوجب علينا فعله سوى أن نتحمل". ومن آلام الإجهاض المتكرر، وما خلفته على روح فريدا من ندوب، إلى تداعي أعضاء جسمها بسبب كثرة العمليات الجراحية، وفقدانها للشهية تمامًا، وبحلول عام 1945، كانت على موعد مع نظام غذائي إجباري موصوف من طبيبها المفضل دكتور إيلوسيير، لتسجل هذه الفترة من عمرها في لوحة بعنوان "بغير أمل" ترسم نفسها فيها، وهي مجبرة على الأكل، وقد كتبت على ظهر اللوحة "لم يتبق لي ولا حتى الحد الأدنى من الأمل، كل شيء يمضي في موعده، تماما كما تفرغ المعدة من محتوياتها".كان الرسم المتنفس الوحيد لآلامها وعذاباتها وقدرها التعس، وكان محور أعمالها الواقع والقدر، إذ نبع ذلك من تجربتها الخاصة في المعاناة، وجعلت المعاناة تجربتها الخاصة منبعا للخيال، ولم يكن ذلك إلغاء للواقع للوصول إلى مملكة الخيال، إذ إن لوحاتها كانت واقعية قابلة للفهم غير مستعصية الإدراك، وفيها الكثير من التوثيقية والتقريرية وواضحة حتى للمشاهد البسيط.وصفها البعض بالمريضة نفسيا نظرا للموضوعات التي كانت تتناولها، فلم ترسم فريدا بورتريهات الجمال الأنثوي الناعم ولا مناظر طبيعية، إذ غالبا ما حوت لوحاتها أجسادا مشوهة وأجزاء من الأشياء والأماكن والأجساد، وكانت ترفض وبشدة وصف أعمالها بالسيريالية، وتبرهن دائما على انتمائها للمدرسة الواقعية.فرغم أن النقاد يصنفون أعمالها ضمن الاتجاه السريالي، فإنها تقول في سيرتها الذاتية: "لم أرسم أبدا أحلاما، بل أرسم واقعي الحقيقي فقط "، هذا الواقع الذي تراه مجسدا في ملامح وجهها، وفي جسدها المثخن بالجراح الذي حاولت أن تنقل تفاصيله التي تعكس ظاهرها الباطن، وحاجباها المقرونان كأنهما غراب ينعى تلك النظرات، وشفتاها المنقبضتان تعبير عن مأساتها وتحملها لآلام شديدة تمزق جسدها.قامت المخرجة جوليا تيمور بعد سنين من وفاتها بإخراج، فيلم سينمائي عنها وعن حياتها وسيرتها الذاتية بعنوان "فريدا الحياة المتنافسة" عن حياتها وأيضا كيف جعلت نفسها امرأة تعيش في الخيال السعيد والغير الواقعي وتنسى حياتها الصعبة الواقعية.
مشاركة :