متابعة:جيهان شعيب الأداء المهني والأكاديمي المتمكن في العمل القانوني؛ هو الركيزة الأساسية؛ لتحقيق النتائج المطلوبة من استرجاع الحقوق، وإقرار الأحكام المنشودة والمستهدفة، وحول هذا المضمون تحدث المستشار د. عبد الوهاب عبدول، رئيس المحكمة الاتحادية العليا السابق، في المؤتمر القانوني، الذي عقد خلال الأيام الماضية، برعاية «جمعية الإمارات للمحاميين والقانونيين»، ونظمته مؤسسة «I low» للاستشارات القانونية والتدريب تحت شعار: «مهارات القرن 21 في الثقافة والأداء القانوني»، فيما تضمنت كلمة د. عبدول ثلاثة محاور مهمة تستحق النقاش، حول اثنين منهما قال الآتي: مخرجات التعليم القانوني الجامعي لا تساعد على أداء متميز في العمل القانوني؛ حيث إنه في خضم التوسع في عدد المؤسسات الأكاديمية المتخصصة في تدريس وتعليم القانون في الدولة، التي تزيد على ستين مؤسسة موزعة بين كليات، ومعاهد عربية وأجنبية، يصل عدد الخريجين إلى الآلاف، إلا أن مخرجات التعليم القانوني ليست على المستوى المطلوب، فقد لاحظت أن كمية المعرفة القانونية متدنية، فضلاً عن قلة أو سطحية الثقافة العامة ذات الصلة بالعلوم المساعدة للقانون؛ حيث تصل إلى ما دون الصفر بدرجة أو درجتين، إضافة إلى أن المقررات الدراسية في كليات القانون، وأساليب تعليمها، لا تزال في معظمها تقليدية؛ حيث لا تزال كلياتنا القانونية تدرس علم القانون بالمناهج والأساليب ذاتها، والمواضيع التقليدية، والنمطية التي درستها قبل 45 عاماً. المحور الثاني تناول فيه المستشار د. عبد الوهاب عبدول التدريب القانوني العملي في الإمارات، لافتاً إلى أن القائمين على العمل القانوني في الدولة، أدركوا مبكراً ضرورة وأهمية التدريب العملي في مجال القانون والقضاء؛ لكن الاهتمام انصب بشكل أساسي على القضاء أي على العمل القضائي، وظهر هذا الاهتمام واضحاً في القضاء الاتحادي؛ حيث أرسلت الدولة في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي عدداً من المواطنين إلى المعهد القضائي الفرنسي؛ للتدريب على العمل القضائي، وتلتها بعثات أخرى إلى المعهد القضائي في المغرب، ثم أنشئ نظام خاص للتدريب القضائي في وزارة العدل حتى أنشئ معهد التدريب والدراسات القضائية، الذي حمل على عاتقه تدريب رجال القضاء والمحامين، وعقد دورات تدريبية ثم أنشئت معاهد تدريب حكومية في دبي وأبوظبي.وتقييمي الشخصي لهذه المعاهد أنها تؤدي وظيفتها الأساسية في تدريب رجال القانون والقضاء، وربطهم بالواقع العملي؛ عبر برامجها التطبيقية والعملية، عن طرق محاكاة الواقع في المحاكم الصورية، أو من خلال احتكاكهم اليومي بزملائهم في أماكن العمل، فساهمت تلك المعاهد في تأهيل، وتخريج قانونيين متسلحين بالعلم النظري، والتدريب العملي.لكن ما لاحظته أن تدريب القانونيين من غير رجال القضاء يتم كذلك عبر مؤسسات رسمية تابعة للحكومة، وأرى أنه من المناسب لو تم فتح هذا الباب للمؤسسات الخاصة كمكاتب المحاماة، أو معاهد تدريب خاصة؛ وذلك وفق ضوابط، وأُطر عامة تضعها الدولة، وتترك لهذه المؤسسات والشركات الخاصة، حرية واسعه في اختيار أساليب، وأدوات، وطرق التدريب، على أن تعتمد شهاداتها التدريبية.حول كيفية تطوير التعليم الأكاديمي القانوني، وإيجابية فتح أبواب المؤسسات الخاصة - وفق ضوابط محددة-؛ لتدريب القانونيين من غير رجال القضاء، تأتي مجموعة من الآراء: مساقات مواكبة قال المستشار د. يوسف الشريف: بالنسبة لمخرجات التعليم القانوني، أتفق كثيراً مع الزميل والأخ العزيز المستشار عبد الوهاب عبدول؛ حيث إننا ومن خلال عملنا في مجال المحاماة، وتردد المحامين المتدربين للعمل لدينا، نجد أن هناك فجوة كبيرة بين متطلبات المحاماة الحالية، وما يُدرس في جامعاتنا ومعاهدنا.ومن خلال عملي كعضو في لجان تقييم المساقات، والخطة الدراسية لتخصص القانون في بعض الجامعات، وجدت فعلاً أن المساقات جميعها تتناول الجانب القانوني البحت، وكثيراً ما طالبت أن يتم إدراج مساقات من تخصصات أخرى؛ مثل: المحاسبة، والإدارة والتكنولوجيا، وغيرها الكثير من التخصصات؛ لأن المحامي يجب عليه أن يكون على دراية بها، وعليه أن يكون ملماً بالكثير من جوانب الحياة، فالعمل في مجال المحاماة اليوم أصبح متداخلاً بشكل كبير مع بيئات المال والأعمال، وعلى جامعاتنا أن تواكب هذا الطارئ، وتستحدث خطة شاملة تُخرج لنا محامين مثقفين، لديهم اطلاع على تخصصات أخرى ستعمل جنباً إلى جنب معهم.وما نلاحظه أن جامعاتنا ومعاهدنا لا تطور من مناهجها القديمة الموروثة، ولا تواكبها بما يستحدث من قوانين محلية أو حتى دولية، فدولتنا وقيادتنا الحكيمة ومن يعملون في السلك التشريعي يستحدثون الكثير من التعديلات، أو الإضافات، أو حتى إصدار قوانين جديدة، وهذه القوانين يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار؛ ليتم تناولها، وتدريسها ضمن مساقات محددة، لا أن يقتصر الأمر على ورش عمل، أو مشاركات جانبية، تبحث هذه القوانين بشكل سطحي وعابر، وأيضاً يجب أن تواكب المساقات التدريسية التطورات التكنولوجية، وما استحدث من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وكيف ستغير هذه التقنيات إن بدأت فعلياً، بتغيير أساسيات ممارسة مهنة المحاماة، وفي بعض الدول أصبح المحامي الإلكتروني متاحاً، وبإمكان الأشخاص الاستعانة بهم، وهذه التقنيات ليست ببعيدة عن دولتنا، التي تستحدث كل ما هو جديد في هذا المجال؛ ولذا وجب أن تواكب المساقات تطورات الحاضر والمستقبل.ويقول المستشار د. يوسف الشريف: النجاح في مهنة المحاماة يحتاج أن يضع الشخص بصمته الخاصة في هذا المجال، وأن يفرض شخصيته ومكانته سواء في قاعة المحكمة أو خارجها في المجتمع، فما نلاحظه أن بعض الخريجين مهزوزو الثقة بأنفسهم، وبقدراتهم، ما يضعف دفاعهم ومرافعتهم أمام القضاة؛ لذا يجب أن يتم استحداث آليات تدريسية وتعليمية تساهم في بناء شخصية المحامي الواثق من نفسه، القادر على مواجهة هيئة المحكمة، بدلاً من ترك المحامين كل محامٍ حسب طبيعته الخاصة.اليوم ومع تطور التكنولوجيا ودخول تقنيات العوالم الافتراضية، أو الواقع الافتراضي المعزز، يجب على معاهدنا وجامعاتنا إدخال هذه التقنيات، واستخدامها ضمن أساليب التعليم، عوضاً عن التدريس التقليدي؛ حيث إن هذه التقنيات بإمكانها أن تخلق واقعاً افتراضياً، لما يحدث في المحاكم من مرافعات وغيرها من الإجراءات، وتتيح هذه الأساليب أن تشكل لنا المحامي الذي يمتلك تجربة لا بأس بها من خلال هذه المحاكاة، بدلاً من التدريس النظري، الذي يبقى محدود التطبيق، والإنزال على أرض الواقع، وهذه التقنيات بإمكاننا برمجتها لتتناول سيناريوهات غير محدودة، يمكن أن يتعرض لها المحامي خلال مسيرته العملية، ومثل هذه التكنولوجيا تساهم في بناء تجربة حقيقية للمحامي ولو كانت افتراضية.ويضيف: من واجب جامعاتنا ومعاهدنا أن تستفيد من خبرات المحامين والقضاة العاملين في الدولة، الذين لديهم تجارب عملية كبيرة لينقلوا تجربتهم وخبراتهم من ميدان العمل، أو مقاعد الدراسة، ليتسنى لطلاب القانون أن يكوّنوا تصوراً واقعياً عن مستقبلهم، ومستقبل أعمالهم ومتطلباته. التعليم التفاعلي وحدد المحامي د. إبراهيم الحوسني المدير التنفيذي لمؤسسة «I low» للاستشارات القانونية والتدريب، ثلاث ركائز للارتقاء بالتعليم الأكاديمي القانوني، الأولى تتمثل في إقرار التدريس القانوني في المرحلة الأساسية والثانوية؛ حيث يحقق ذلك وجود أرضية معرفية يتم البناء عليها في التعليم القانوني بالمستوى الجامعي، ويساهم برفع مستوى المحتوى الأكاديمي الجامعي، وإتاحة الفرصة للتركيز على الجوانب العملية أكثر.أما الركيزة الثانية فتعتمد على مؤهلات هيئات التدريس؛ حيث يلزم الاهتمام باستقطاب أعضاء هيئات تدريس على مستوى عالٍ من الكفاءة، إلى جانب العمل على إعداد كوادر وطنية أكاديمية تساهم في دفع عجلة الأداء الأكاديمي القانوني نحو الأفضل، والركيزة الثالثة تتمثل في توسيع مساحة التعليم التفاعلي العملي، ضمن ساعات اعتماد الشهادة الأكاديمية الجامعية، فيما أظهر المشاركون في مؤتمر تطوير الأداء المهني والأكاديمي في العمل القانوني من الطلاب والأكاديميين أسباباً موضوعية لتقييم مخرجات التعليم القانوني ب«الضعيفة»، تلخصت في حاجة المتخرج للتدريب بعد التخرج؛ كي يُلمّ بمتطلبات العمل المهني، وعدم كفاية المخرجات التعليمية؛ لضمان ممارسة مهنية جيدةأما بخصوص إمكانية تطوير التدريب القانوني، فذلك يعد حاجة أساسية في زمن يشهد تسارعاً محموماً بالتطور التكنولوجي، والتقني، وتغيرات كبيرة على المستوى الثقافي والاجتماعي، وبالتالي الاقتصادي، وهذا التطوير يجب أن يراعى فيه ضرورة ضبط المؤسسات، التي تقدم خدمات التدريب القانوني، ومعالجة فوضى التدريب الذي يقدم من قبل مؤسسات أو مراكز غير قانونية، مرجعياتها بعيدة كل البعد عن المؤهلات القانونية، إلى جانب لفت نظر الجهات الحكومية، والخاصة، للفجوة القانونية في التدريب عموماً؛ حيث يتم إغفال البعد القانوني في التدريبات الإدارية والمالية، وحتى دورات التنمية الذاتية، وتطوير الموارد البشرية.وبشأن التدريب القانوني فيمكن تسريع تطويره؛ من خلال اعتماد نماذج تدريب مطورة، والعمل على إنجاز محتوى تدريبي، يراعي مهارات استشراف المستقبل، ومواكبة متطلبات وجود الذكاء الاصطناعي في بيئة الأعمال، كما لا يجب إغفال أهمية تكليف المؤهلين قانونياً، الذين يمتلكون مهارات التدريب، بتقديم خدمات التدريب، وفق منظومة قادرة على قياس أثر العائد على التدريب القانوني، وبما يضمن القدرة على التحسين المستمر لمخرجات التدريب القانوني. دراسة المشكلة وقال اللواء متقاعد المحامي د. عبد الله ساحوه: لدينا مؤسسات قانونية متعددة في الدولة من الجامعات والمعاهد، ولدينا دكاترة أكاديميون، وأساتذة مواطنون متخصصون، ودائماً المشكلة لابد من دراسة أبعادها، وعدم حصرها في جانب واحد من الجوانب؛ حيث من الممكن أن من نقوم بتدريبهم غير مهيئين منذ صغرهم لتلقي أي نوع من العلم.وبالنسبة لرجال القانون فهناك خصائص معينة لابد أن يتمتعوا بها؛ منها: المقدرة على الحفظ؛ لأن غالب الوقائع القانونية، والمواد، والأحكام، والقواعد تصورية، بمعنى أنه لابد أن يكون لدى رجل القانون مقدرة على التخيل، وتصور أبعاد الوقائع، عدا ذلك لابد من التساؤل عما إذا كنا اليوم نعطي مجالاً متسعاً للتدريب الميداني التطبيقي خلال الدراسة، الحقيقة أرى أن معهد التدريب والدراسات القضائية، يطبق هذا الفكر المتطور، إذاً يجب ألّا نأخذ الأمور على علتها، وإنما يجب أن ندرس كل حالة على حدة، وننظر إلى مفهوم التدني، وموقعه، وأسبابه؛ لنستطيع وضع الحلول، سواء بتطوير المناهج قليلاً، أو زيادة الجرعات الميدانية، أو رفع مستوى المدربين أو المحاضرين، أو استخدام التقنية في التعليم، أو بالرجوع إلى مراحل التعليم المختلفة؛ للنظر في المقومات المفترض إكسابها لأبناء الجيل، ليكون لدينا، مستقبلاً، رجال وأساتذة متميزون ومتخصصون.ولابد من الوقوف بدءاً على نسبة البرامج والمواد القانونية المتخصصة في مختلف مراحل التعليم؛ بحيث يجب تضمين المناهج بعض المبادئ القانونية البسيطة والمرتبة؛ لرفع مستوى الوعي القانوني لدى الطلبة، وتزويدهم بالأساسيات، وبالتالي في مرحلة اختيار التخصص سيكون لدى الواحد منهم المبادئ الأولى التي تمكنه من الالتحاق بالدراسة القانونية، والتميز فيها، فيما التطوير بشكل عام سنة الحياة، وتفيدنا فيه المقارنات المعيارية؛ بحيث تقوم نخبة من القانونيين بزيارات خارجية للدول المتطورة في القانون، وننهل منهم الإيجابيات التي لديهم؛ بحيث يكون لدينا في النهاية أفضل ما في العالم في كل المجالات.والتعليم القانوني من الضرورة بمكان أن يظل تحت إشراف الجهات الحكومية؛ لأنها تحدد الاتجاه الذي تسير فيه الدولة، وهي الأعلم بالاستراتيجيات؛ لكن ليس هناك ما يمنع أن يشارك المحامون في القطاع الخاص في تطوير التعليم القانوني، وهذا موجود في المعهد القضائي؛ لأن هناك من المحامين من يشاركون في إعطاء المحاضرات في دورات المعهد، وبالتالي ينقلون خبراتهم الميدانية، ووجهة النظر. الجاسم: على المؤسسات التعليمية مواكبة التطور والتقنيات أكد د. سليمان الجاسم الباحث والأكاديمي أن التعليم يلعب دوراً رئيسياً، ومؤثراً، وفاعلاً في خلق التنمية، وإدارتها في أي دولة، قائلاً: دراسات الحقوق من الأهمية بمكان؛ لأنها تؤطر العمل، والنظام التجاري، والمجتمعي، والمعرفي، والإنساني، فيما يجب أن يكون هناك النظام القانوني القوي جداً، الذي يوفر العدل، والأمن، والآمان لكل المتقاضين، وهنا يأتي دور المؤسسات التعليمية في أن تسلك مسلكاً متطوراً جديداً؛ بتطوير مناهجها التعليمية، بما يتماشى مع التطور العالمي، والتقنيات الحديثة.والحقيقة برامج تدريس القانون في الكليات القانونية العليا بحاجة إلى إعادة نظر، وتطوير، حتى لا تبقى على النهج ذاته القديم في التدريس، لاسيما لتعلقها بمستقبل وحياة الإنسان، وأمنه وأمانه، واستقرار المجتمع؛ لذلك يجب أن يعمل الجهاز القانوني بطريقة احترافية، ومهنية وليست وظيفية؛ حيث الكثير من خريجي بعض الكليات القانونية أصبحوا شبه موظفين وليسوا مهنيين، في حين مكاتب المحاماة بحاجة لاحترافيين، ومهنيين في العمل القانوني.كما نأمل إدخال التقنيات الحديثة في التدريس الأكاديمي للعلوم القانونية، في ضوء تطور الدولة تكنولوجياً وتقنياً.
مشاركة :