عمالقة التكنولوجيا في العالم يحمون أولادهم مما صنعت أياديهم لندن -جريدة العرب: قبل أسبوعين أرسل مكتب بيل جيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، إلى الأصدقاء والأقارب والصحفيين هدية تمثلت في بعض الكتب مصحوبة بمذكرة مفادها أن جيتس اختار هذه المجلدات لتكون قراءاته هذا الصيف. تقول الكاتبة جيليان تيت، إحدى المحظوظات بهدية جيتس في مقال في صحيفة فايننشنال تايمز البريطانية: «وددت لو أهتف قائلة: يا للروعة. ويرجع ذلك جزئيا إلى أني أنا نفسي مؤلفة ولي كتب منشورة، وبالتالي متحيزة تماما لمصلحة دعم صناعة الكتب. يعلم الله كم أن هذه الصناعة تحتاج إلى المساعدة في وقت يواصل فيه سعر الكتب الهبوط على المواقع الإلكترونية، مثل أمازون». وفي وصفها للكتب قالت إن هناك بعض الكتب غير الروائية التي من المتوقع أن تولّد شعورا جيدا عند قراءتها تدور حول التقدم والعبقرية التكنولوجية، مثل كتاب هانس روزلينج «الحقيقة استنادا إلى بيانات ملموسة» وكتاب «ليوناردو دافينشي» لمؤلفه وولتر إيزاكسون، لكن مجموعة الكتب كانت تشمل التحفة الأدبية الغريبة، بعنوان «لينكولن في سهرة بين الموت والبعث» من تأليف جورج سوندرز، وتأمل قوي حول الإيمان والحياة بقلم كيت باولر، وهي أستاذة جامعية أُصيبت بسرطان من المرحلة الرابعة في سن الـ35، بعنوان «كل شيء يحصل لسبب وغير ذلك من الأكاذيب التي أحببتها». وتضيف تيت: «كان هناك سبب آخر جعلني سعيدة بهدية الكتب المذكورة: يبدو أنها علامة صغيرة على اتجاه أكبر معاكس للثقافة يجري تبنيه الآن على قدم وساق في عالم التكنولوجيا». وهذه الأيام هناك قلق متزايد من أنه يجري تدمير الحياة العصرية بسبب الانزلاق المستمر في عالم الفضاء الإلكتروني المنفصل: لقد أصبح الناس مدمنين بشكل كبير جدا على استخدام الأجهزة اللوحية والهواتف وغير ذلك من الأجهزة الرقمية، حيث أصبحت التعاملات الاجتماعية مع الناس ضحلة ومختصرة، وأصبحت عقولنا مشتتة للغاية وغير قادرة على التركيز. وبدا أن بعض خبراء التكنولوجيا الكبار أنفسهم الذين ساعدوا على إيجاد هذا العالم الذي يبعث على التشتت الآن يشجعون الناس علنا على اتباع نهج أكثر تأملا، والاحتفال بالبديل القائم على التواصل بين البشر، والمحادثات الطويلة وتجارب «العالم الحقيقي» الملموسة ذات الطراز القديم. لنأخذ مثلا تلك الكتب؛ لو كان جيتس يريد الشروع في نقاش فكري لاقتصر على التغريد عبر تويتر حول مقالة أو اثنتين، لكنه اختار إرسال مجموعة ضخمة من الكتب الورقية التي تتطلب ساعات لقراءتها واستيعابها، وليس من السهل حملها كلها في آن واحد. وفي العام الماضي أنشأ مارك زوكربيرج، رئيس شركة فيسبوك، ناديا غير رسمي للكتاب، بعد أن نشر قائمة من الكتب المفضلة لديه عبر الإنترنت (شملت كتبا مثل «الإنسان العاقل» لمؤلفه يوفال هاراري وكتاب «المتفائل العقلاني» لمؤلفه مات ريدلي)، في حين لا يبدو أن زوكربيرغ مولع تماما مثل جيتس بالكتب الورقية الحقيقية، إلا أن الرسالة هي نفسها: في عالم من التشتت المحموم، نحن بحاجة إلى أن نأخذ وقتنا من أجل التدبر. من جانبه يروج فيليب شيندلر، رئيس قسم الأعمال في جوجل، لمفهوم مماثل؛ عندما عقدت شركة جوجلل مؤتمر «روح العصر» في أوروبا هذا العام، تم تسليم أعضاء الوفود المشاركة كتاب «الصمت في عصر الضوضاء» لمؤلفه إيرلينج كاجي، وهو مستكشف نرويجي أمضى 50 يوما مسافرا إلى القطب المتجمد الجنوبي في عزلة تامة. يجادل هذا الكتاب بأننا يمكن أن نكون عقلاء فقط عندما نزيل بشكل متقطع ومتعمد جميع الضوضاء وكل ما يمكن أن يشتت انتباهنا، بما في ذلك الأجهزة الرقمية المنتشرة في كل مكان. في الوقت نفسه هناك آخرون في عالم التكنولوجيا يحاولون الآن التخلص من التسمم الرقمي سعيا منهم لـ«إعادة التركيز»، أو تجربة الصمت الإلكتروني. وفي نفس السياق، اعترف الكثير من «حيتان» التكنولوجيا بأنهم يمنعون أولادهم من استخدام ما تصنعه شركاتهم من أجهزة ذكية. فجيتس نفسه كان قد منع هو وزوجته أطفالهما من أن يكون لهم هاتف خاص بهم قبل سن الرابعة عشرة، كما لا يسمح جيتس بتناول الطعام بجوار أي جهاز إلكتروني حتى بعدما نضج أطفاله وتجاوزوا سن الرابعة عشرة. أما صاحب شركة أبل ومديرها التنفيذي السابق ستيف جوبز فقد اتفق مع جيتس على منع الأطفال من استخدام التكنولوجيا. وفي حديث مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قبل وفاته سأله المراسل الصحفي عن مدى حب أطفاله لجهاز الآيباد الذي أنتجته أبل، فأجاب جوبز بأن أطفاله لم يستخدموا الجهاز بعد، وذلك لأنه يفضل أن يعيش الأطفال في بيئة تخلو من الاختراعات التكنولوجية. من جانبه، يقول تيم كوك المدير التنفيذي لشركة أبل، لصحيفة الغارديان إنه لم ينجب أطفالًا، ومع ذلك فهو يضع حواجز أمام أطفال عائلته مثل ابن أخته الذي يحاول أن يمنعه من الاستخدام المتواصل لمواقع التواصل الاجتماعي، بل يؤكد كوك ان أجهزة أبل لم تُصنع من أجل الاستخدام الدائم.
مشاركة :