القاهرة – تشهد سوق الحديد المصرية هزة جديدة نتيجة طرح منتجات الصلب السعودية في القاهرة بأسعار منافسة يصعب على الشركات المصرية مسايرتها، وتنذر بتعكير صفو الشراكة الاقتصادية المتنامية بين البلدين. ووافقت الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات مؤخرا على تسجيل شركتي “سابك” و“الراجحي” السعوديتين، بما يسمح لهما بتصدير إنتاجهما من الحديد لمصر، وفق الضوابط التي وضعتها القاهرة بداية العام الحالي، بإلزام المصدرين بتسجيل شركاتهم لدى الهيئة. ودخلت السوق المصرية شحنات تصل إلى 45 ألف طن من حديد التسليح السعودي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهي تباع بنحو 684 دولارا للطن مقابل نحو 706 دولارات للحديد المصري، أي أقل بنحو 22 دولارا للطن. ووفقا لاتفاقية التجارة الحرة العربية، فإن جميع المنتجات ذات المنشأ السعودي تدخل السوق المصرية بإعفاء تام من الرسوم الجمركية. وقالت مصادر لـ”العرب” إن كمية نحو 50 ألف طن حديد سعودي أخرى في طريقها للقاهرة وسيتم طرحها في الأسواق خلال أيام، ما يعكس خطورة هذا الزحف على السوق المصرية. وتواجه القاهرة الأزمة بحكمة، في ظل التقارب السياسي مع الرياض، والدعم المالي السعـودي الذي لم ينقطع منذ انتهاء فترة حكم الإخـوان المسلمـين في أواخر يونيو 2013. وما قد يزيد الأمور تعقيدا، المخاوف المتزايدة من احتمال القاهرة فرض رسوم على واردات الحديد السعودي، وهو ما قد يدفع الرياض في نهاية المطاف إلى المعاملة بالمثل وفرض رسوم على دخول المنتجات المصرية. ويصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو خمسة مليارات دولار، كما تتجاوز الاستثمارات السعودية بمصر حاجز 6.2 مليار دولار من خلال 4443 شركات، بحسب المؤشرات الرسمية. وتكمن مشكلة صناعة الحديد المصرية في أنها من الصناعات القائمة على الحماية، حيث تفرض القاهرة رسوم إغراق على منتجات الصلب المنافسة حتى لا تتضرر المصانع المحلية، وأدت تلك السياسات إلى منع دخول منتجات الصلب ذات المنشأ التركي والأوكراني والصيني حتى يونيو 2022. وبفضل هذا القرار لم تدخل السوق المحلية كميات تذكر من الحديد المستورد، لكن دخول المصانع السعودية على خط المنافسة أثار مخاوف لدى بعض الشركات في مصر. رفيق الضو: نواجه أزمة طاحنة ونطالب بالمنافسة العادلة فقط للحفاظ على الاستثماراترفيق الضو: نواجه أزمة طاحنة ونطالب بالمنافسة العادلة فقط للحفاظ على الاستثمارات وتسببت تلك الحماية في خروج جهاز حماية المستهلك عن صمته، وتقديم شكوى رسمية لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية ويتهم فيها شركات الحديد المصرية، بممارسات احتكارية أدت إلى تسعير المنتج بشكل يضر بمصلحة المستهلكين. واستند جهاز حماية المستهلك في شكواه إلى قفزات أسعار حديد التسليح بالأسواق من مستويات 695 دولارا، إلى نحو 725 دولاراً، دون أسباب منطقية خلال شهري فبراير ومارس الماضيين، قبل أن تنخفض في الوقت الحاضر لمستويات 706 دولارات، ولم يتم البت في الشكوى حتى الآن، خاصة مع إقالة رئيس الجهاز الذي رفع الدعوى. وأكد محمد حنفي، المتحدث باسم جماعة شركات الحديد المصرية والمدير التنفيذي لغرفة الصناعات المعدنية، أن شركات الحديد المصرية لا تقوى على منافسة الحديد السعودي على الإطلاق. وأضاف في تصريحات لـ“العرب” أن الحكومة المصرية تبيع الغاز بنحو 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية لمصانع الحديد، بينما تصل تلك الأسعار في السعودية لحوالي 1.7 دولار لكل مليون وحدة حرارية. وأوضح أن الحل الوحيد لتلك الأزمة، تخفيض سعر الطاقة لمصانع الحديد عند مستوى 4 دولارات بدلا من 7 دولارات، وهي الأطروحة التي عرضتها المصانع على مجلس الوزراء قبل عام ونصف. ووعد شريف إسماعيل رئيس الوزراء السابق، شركات صناعة الحديد في بداية مارس العام الماضي، في اجتماع رسمي أمام وزراء الصناعة والاستثمار والتخطيط، بحل كافة المعوقات التي تواجهه مصانع الحديد، بما في ذلك تخفيض أسعار الطاقة. ولكن الحكومة تحللت من وعودها، وقالت للمنتجين إنها تبحث ملف تخفيض الأسعار للمصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة مع دخول حقل “ظهر” للغاز في البحر المتوسط حيّز الإنتاج بطاقته القصوى. ورغم بدء الإنتاج في حقل “ظهر” للغاز نهاية العام الماضي، وتوقع وصول طاقته الإنتاجية القصوى مع حلول 2019، إلا أنه لم تظهر في الأفق تطمينات رسمية لمصانع الحديد حول تخفيض أسعار الطاقة، التي تستحوذ صناعة الحديد على نحو 59 بالمئة من الاستهلاك. وأشار رفيق الضو، العضو المنتدب لشركة السويس للصلب، في تصريحات لـ”العرب” إلى أن مصانع الحديد المصرية تواجه أزمة طاحنة بسبب الحديد السعودي، مؤكدا أن الشركات المحلية طلبت بمنافسة عادلة للحافظ على الاستثمارات القائمة. وتزامن دخول الحديد السعودي للسوق المصرية مع تخفيض الحكومة الدعم على الكهرباء والوقود، مما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج. وقال تجار لـ“العرب” إن “نولون” شحن طن الحديد من المصنع إلى مخازن البيع ارتفع بنحو 100 جنيه (5.6 دولار) للطن، مما يقلل من تنافسية الحديد المصري. ويصل عدد مصانع إنتاج حديد التسليح في مصر إلى نحو 26 مصنعا تنتج كافة أنواع حديد التسليح بطاقة إنتاجية تبلغ ثمانية ملايين طن سنويًا، وتستهدف زيادة معدلات إنتاجها إلى نحو 12 مليون طن خلال عام 2020. ويرى طارق الجيوشي، رئيس مجلس إدارة مجموعة الجيوشي للصلب، أن قوى العرض والطلب تحدد مستويات الأسعار، ونحن لا نملك منع دخول الحديد السعودي للسوق المصرية. وقال في تصريح لـ“العرب” إن “المنافسة تصب في صالح المستهلك، وعلى شركات الحديد المصرية البحث عن حلول لمواجهة الوافد الجديد”. وكشفت دراسات غرفة الصناعات المعدنية عن سيناريوهين لصناعة الحديد، الأول، استيراد الحديد الخردة وإعادة صهره للدخول في الصناعة هذا الاتجاه يحمل الدولة نحو ملياري دولار. أما السيناريو الثاني، فهو صهر الحديد الإسفنجي من خلال استيراد خام الحديد، ويكلف هذا الاتجاه الدولة نحو 700 مليون دولار، وبالتالي فإن تشغيل مصانع الحديد الإسفنجي يوفر على الدولة نحو 1.3 مليار دولار. ووفق الإحصائيات الرسمية، يبلغ عدد خطوط إنتاج الحديد الإسفنجي نحو ثمانية خطوط داخل مصانع الحديد وتنتج نحو 70 بالمئة من إجمالي الحديد بالسوق، باستثمارات تقدر بحوالي 3.4 مليار دولار.
مشاركة :