بعبارة «وداعاً نيمار»، اختصرت صحيفة «لانس» الرياضية البرازيلية خروج منتخب بلادها من الدور ربع النهائي لكأس العالم في كرة القدم أمام بلجيكا (1 - 2)، وسط انتقادات إعلامية لـ«العرض المخيب» في الشوط الأول. في المقابل، لم تخفِ الصحف البلجيكية فرحتها بالمنتخب الذي بلغ الدور نصف النهائي للمرة الثانية في تاريخه، بعد أولى في مونديال 1986. واختار أهم المواقع الرياضية البرازيلية «غلوبوسبورت» عنوان «يا له من شيطان» للحديث عن الخسارة، الجمعة، أمام المنتخب البلجيكي في كازان، وهو تعبير يعني «يا للأسف» بالبرتغالية، إلا أنه أيضاً يحمل إشارة لمنتخب «الشياطين الحمر» البلجيكي الذي حرم البرازيل من سعيها إلى تعزيز رقمها القياسي في عدد الألقاب، والتتويج للمرة السادسة والأولى منذ 2002. وأضاف الموقع أن «الثلاثي (كيفن) دي بروين و(إدين) هازارد و(روميلو) لوكاكو دمر المنتخب البرازيلي في 45 دقيقة»، مذكراً بأنها المرة الأولى في عهد المدرب تيتي التي تستقبل فيها شباك البرازيل أكثر من هدف في مباراة واحدة. وأعرب المهاجم الدولي السابق رونالدو، صانع اللقب الخامس للبرازيل عام 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، خلال تعليقه على المباراة لقناة «غلوبو تي في»، عن أسفه كون لاعبي تيتي بدوا عاجزين بعد الهدفين البلجيكيين. وقال رونالدو الملقب بالـ«فينومينو» (الظاهرة): «في الوقت الذي كنا متخلفين فيه 0 - 2، كان يجب علينا أن نواصل اللعب كما لو أن شيئاً لم يحدث. لقد كانوا يائسين. تحسنوا قليلاً بعد الاستراحة، ولكن ذلك لم يكن كافياً». وعلى الرغم من خروج ألمانيا (حاملة اللقب) من الدور الأول لمونديال روسيا 2018، فإن الخسارة التي كبدتها للبرازيل على أرضها في 2014 لا تزال حاضرة. وقد علق الكثير من مستخدمي مواقع التواصل على التشابه بين ألوان العلمين البلجيكي والألماني (الأسود والأحمر والأصفر، مع اختلاف في ترتيبها وشكل العلم بين أفقي وعمودي). وكتب أحد مستخدمي موقع «تويتر» قائلاً: «العدو لم يغادر، كان متنكراً». وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية في بروكسل، احتفى البلجيكيون بالإنجاز الذي حققه منتخبهم، بدءاً من رئيس الوزراء شارل ميشال، الذي غرد عبر حسابه على «تويتر» متوجهاً إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في إشارة إلى لقاء المنتخبين في الدور نصف النهائي الثلاثاء. وقال ميشال: «في الطريق لنصف النهائي (...) إلى الأمام أيها الشياطين». واحتفل كثير من المشجعين في شوارع العاصمة بروكسل وخارج المقاهي والحانات التي تابعوا فيها المباراة. وقالت فيرونيك ديفيلد، التي لونت وجهها بألوان العلم البلجيكي (الأسود والأصفر والأحمر): «كنا قد توقفنا عن الإيمان بقدرتنا على هزيمة الفرق الكبرى!». ومزجت بلجيكا بين الشجاعة والذكاء والمرونة والقليل من الحظ، لتضع وصفة الفوز (2 - 1) على البرازيل، في مواجهة ستبقى بالذاكرة في دور الثمانية بكأس العالم لكرة القدم، وكانت جديرة بأن تكون المباراة النهائية. فبعد الخروج بخيبة أمل من دور الثمانية في آخر بطولتين كبيرتين، وضع المدرب روبرتو مارتينيز ثقته في هذا الجيل الموهوب، وبدا أنه وجد ما كان ينقص الفريق. وغير مارتينيز خطة بلجيكا، وبدأ بالتشكيلة التي أنهت لقاء اليابان، عندما فاز (3 - 2) في اللحظات الأخيرة في دور الـ16، ليعوض تأخره بهدفين. وانتقل كيفن دي بروين إلى مركز غير مألوف في البطولة، ليلعب خلف المهاجمين، مع تحرك روميلو لوكاكو لليمين، وإيدن هازارد لليسار. وبشكل مفاجئ، تحول دفاع البرازيل المنيع، الذي استقبل 6 أهداف في 25 مباراة، تحت قيادة المدرب تيتي، إلى دفاع يسهل اختراقه، وتعرض لتهديدات مستمرة في أول نصف ساعة. وترك الظهير الأيسر مارسيلو مساحات شاسعة خلفه مع تقدمه للهجوم. وجاء الهدف الثاني من هجمة مرتدة نموذجية. فبعد تشتيت بلجيكا لركلة ركنية، انطلق لوكاكو بسرعة فائقة وسط الدفاع، وكان بوسعه التمرير إلى زميلين غير مراقبين على جهة اليمين، واختار دي بروين الذي سدد كرة هائلة في شباك أليسون. وفي هذا التوقيت، بدا أن البرازيل ستنهار، كما حدث عند خسارتها المدوية (7 - 1) من ألمانيا في قبل نهائي نسخة 2014. لكن الفريق استجمع قواه، وضغط في الشوط الثاني، وبدا متماسكاً، غير أن نيمار لم يجد حلولاً لاختراق الدفاع، وحاول مراراً دون جدوى الحصول على ركلة جزاء. واستغلت بلجيكا ذكاءها لاحتواء البرازيل المندفعة، عبر الاستحواذ على الكرة بوسط الملعب، وإجبار البرازيليين على ارتكاب مخالفات تهدر بعض الوقت. ولعب إيدن هازارد دوراً محورياً في ذلك، عندما أجبر فرناندينيو على ارتكاب مخالفة ضده كلفته بطاقة صفراء، وكذلك نال مخالفة من ميراندا، واحتفل هازارد بها كما لو سجل هدفاً. واستفادت بلجيكا من بعض الحظ أيضاً عندما أفلتت من احتساب ركلتي جزاء محتملتين ضدها، كما نجت من استقبال هدف مبكر، عندما سدد تياغو سيلفا في القائم، في لقطة كادت تغير مسار اللقاء تماماً. وعندما لا يكون الوضع مثالياً، يظهر الحارس تيبو كورتوا لإصلاح الأمور، حيث أنقذ بعض الفرص بشكل رائع، خصوصاً عندما حول تسديدة نيمار الخطيرة إلى ركلة ركنية في الدقيقة الرابعة من الوقت المحتسب بدل الضائع. وقال مارتينيز: «تحتاج إلى أفضلية خططية عندما تلعب ضد البرازيل؛ الأداء الخططي كان رائعاً. وخلال يومين فقط، غير اللاعبون النهج الخططي، وهو ما يجعلني أكثر فخراً». وأبدى مارتينيز سعادته بالتغلب على المنتخب البرازيلي، والتأهل إلى الدور قبل النهائي بكأس العالم، وقال: «مباراة اليوم لم تكن متعلقة بالتكتيك، ولكن بتنفيذ هذا التكتيك. اليوم، كان الأمر متعلقاً بالذكاء، وبإيمان اللاعبين الدائم بقدرتهم على الفوز». وأكد مارتينيز: «بالنسبة لي، فإن المنتخب البرازيلي أفضل فريق في البطولة. في أي مباراة، إذا لعبت بشكل جيد ستفوز، وإذا لم تفعل ستخسر، ولكن أمام البرازيل فهذا لا يكفي، تريد عمل المزيد، يجب أن تكون مقتنعاً بأن بإمكانك الفوز». وذكر المدرب أن هذا السلوك رآه أمام البرازيل في لاعبيه، وأضاف: «عندما كانوا يتوجهون نحو ملعب المباراة، كان بإمكانك رؤية نظرتهم، وكيف كانوا مقتنعين أن بإمكانهم الفوز». وتابع: «أنا أكثر الناس فخراً في العالم، لأنني منحتهم خطة طموحة للغاية، والطريقة التي كانوا مقتنعين بها حتى النهاية لا تصدق»، وأكد: «كرة القدم ليست لعبة تكتيكية، إنها لعبة تعتمد على الجرأة والإيمان وتقديم كل شيء، إذا أردت أن تفوز». في المقابل، يشعر تيتي، مدرب البرازيل، بمرارة شديدة عقب خروج منتخب بلاده من دور الثمانية لكأس العالم أمام بلجيكا، وقال إن الحظ لم يحالف لاعبيه خلال اللقاء المثير، الجمعة. وسجل فرناندينيو بطريق الخطأ في مرماه هدف التقدم لبلجيكا، عندما اصطدمت الكرة بكتفه بعد ركلة ركنية في الدقيقة الـ13، وأضاف كيفن دي بروين هدفاً بعد مرور نصف ساعة بتسديدة متقنة. وقلص البديل ريناتو أوغوستو الفارق بعد مرور 76 دقيقة من البداية بضربة رأس، لكن رغم ضغط فريق تيتي، فإنه لم يتمكن من إدراك التعادل، لتتأهل بلجيكا لمواجهة فرنسا في الدور قبل النهائي. وكانت البرازيل على قدر المساواة مع بلجيكا، وصنعت كثيراً من الفرص للتسجيل. ورغم ذلك، لم يقدم مدرب البرازيل أي أعذار، رغم قوله إن الحظ لم يحالف لاعبيه. وقال تيتي: «كرة القدم أحياناً تكون عشوائية، لكني لا أريد الحديث عن الحظ. عندما يحالفنا الحظ، نرى أنه أمر لطيف للتفوق على المنافس، لذا أنا لا أؤمن بالحظ»، وأضاف: «هل كان الحارس البلجيكي كورتوا محظوظاً؟ لا، بل كان رائعاً. ارتدت كرة لنا من القائم، فماذا يمكن أن نفعل؟ لعبت بلجيكا بقوة وكانت فعّالة»، وتابع: «العشوائية والمواقف تحدث، ولقد حدث ذلك أمام بلجيكا، ومن المؤلم أن نقول ذلك. هذا ليس تقليلاً من بلجيكا التي تملك فريقاً رائعاً، لكن الحظ لم يقف معنا. من الصعب جداً قبول ذلك». كانت البرازيل الأكثر استحواذاً على الكرة، خصوصاً في الشوط الثاني، بعدما شارك دوغلاس كوستا وريناتو أوغوستو وروبرتو فيرمينو. وأشاد تيتي بمنتخب بلجيكا، الذي سدد 8 كرات على المرمى مقابل 26 محاولة للبرازيل، بسبب قدرته الفائقة على إنهاء الهجمات. وقال تيتي: «كانت لنا اليد العليا لثلثي المباراة القوية جداً. بلجيكا استغلت الفرص، وترجمتها إلى هدفين. من الصعب جداً قول ذلك، لكنها كانت مباراة رائعة بين منتخبين متميزين من الناحية الفنية»، وأضاف: «مع كل هذا الألم الذي أشعر به، وبهذه المرارة، يكون من الصعب الحديث، لكن من يحب كرة القدم سيكون قد نال متعة كبيرة لمشاهدة هذه المباراة».
مشاركة :