لم أكن راضيًا قط منذ أن دخلنا تجربة العلنية عام 2000 مع المشروع الإصلاحي لكيفية قيادة «التنظيم المنكوب بالضربات والاختراق» أو لتسيير المرحلة القادمة لجماعة من الرفاق أو كيف تسعى المجموعات متسارعة لمواقع تنظيمية لعلها تعوّض تجربة حرمان طلابي للزعامة. هذه الحالة كنت أراقبها وأكتب حولها بين الفينة والأخرى وأعبّر عنها في جلسات متعددة». ولكن الصغار سياسيًا يظلون بعقلية طلابية! يتحكم فيهم الحماس والإفراط السياسي والعجالة في التقييم والتحليل. ظلت هناك أسئلة كثيرة بلا إجابات تملص منها الكبار وتركوها معلقة بلا حلول لكي تصبح مرحلة تاريخية مغلقة كملف من الضروري معالجته بدون تشنجات أو تجاوزات تنظيمية متعارف عليها كمبادئ ولوائح داخلية هي ألف باء العمل التنظيمي. في هذا الوضع المترهل المضعضع التائه منذ 2000-2018 لليسار تم المرور على جسده بمشرط معالجة بلا تعقيم «وبمهارة ناقصة عند طبيب متدرب» فكانت نصف وفاة للحياة التنظيمية والرجل المريض. في هذه السنوات من المراقبة والرصد والمتابعة تربصت بنا كل الأقلام الخبيثة والطيبة بنوايا حسنة وسيئة حتى بدا اليسار في ذهن الجمهور سرطان خبيث وعلة العلل وهو من يصنع الأزمات الفعلية في المجتمع ويقف خلفها وهو من يطلق ظواهر مجتمعية وسياسية من مختبراته السرية فانبرت أقلام وأصوات كريهة تنهش في جسد اليسار الماركسي التقدمي متباكية بحذق المثقف الطيب! العارف والناصح لليسار الذي لا يحسن معرفة ذاته وبحاجة إلى «عرافة» تهبط له من كوكب آخر. تكررت مفردة اليسار بكميات هائلة؛ لأنه هو الشيطان الملعون في الأرض ولكن أولئك «القناصون!» لم يكتبوا عبارة واحدة عن «اليمين» واليمين الرجعي والمحافظ بل وكل تاريخ تطور مصطلحي اليسار واليمين كما هو التركيز على تاريخ اليسار منذ ولادته الفرنسية الشكلية في برلمان متقلب بالضجيج والدم والاغتيالات. لم ألمس تعبيرات مثيلة ساخطة متذمرة تلعن اليمين، وكأن الله صنع الملائكة دون شيطان أو أن هناك مجتمعًا يساريًا بلا يمين متآمر ومعاد لقوت ومصالح الشعب، بل وهو الأكثر مسؤولية عن تردي أوضاعه المعيشية والحياتية بل ويلعب اليمين من وراء الكواليس بكل أحجية ولغز محير في المجتمع. نكتب عن الأزمات ولكننا نعبرها ـ اليمين ـ فنلعن الرأسمالية والاشتراكية ونتعرض لليسار دون أن نكتب كلمة جارحة فوق خارطة اليمين المنتشر بين ظهرانينا، ترى هل اللعنة تجوز على الخروف الأسود الأجرب المعروف «باليسار» ولا تلامس خرفان اليمين البيضاء بين القطيع الواسع بجز صوفه المتكاثر. هل مصطلح اليمين أقل أهمية من مصطلحات الليبرالية والاسلام السياسي والامبريالية والعولمة، يلازمها مصطلح اليسار ليلاً ونهارًا في كتاباتنا فيما «اليمين الطيب!!» ينعم بالديباج والحل والحلل!! بتنا نستيقظ وننام منذ زمن طويل على وصمنا بكل الشرور التي عرفتها الشيوعية كمرادف للشيطان، ولم يتم رفع الحظر عن أجسادنا من سطوة السوط إلا عندما سقط جدار برلين وانهار الجليد الثلجي في موسكو وتلاشى عن أنظار مروجي المصطلحات بأن زمن «الستار الحديدي» قد ولى وهم أنفسهم الذي صنعوا مفهوم «أوروبا الوسطى!» جغرافيا لشق القارة لنصفين غربية وشرقية. هكذا رحلوا الكبار بمصطلحاتهم لخانة العالم الجديد المعولم فيما الصغار من الكتبة يتوهمون أن اليسار قابع على أعناقهم وهم في نعمة النوم. هؤلاء تحولوا أكثر عداء للماضي اليساري ولليسار الجديد في الألفية الثالثة. ترى ما الذي يفعله اليسار الماركسي بكم في مجتمع ديمقراطي مسالم بصناديق الاقتراع؟ هل يعجبكم مرة لكي تمتدحوه تارة؟ وهل يخيفكم مرات ومرات لتشوهوه كثيرًا عندما تتذكرون أنكم أوصياء سياسيًا عليه! ـ كأنصاف مثقفين ـ على المجتمع فتكون كل بكائيتكم على «اليسار المنحرف!!» عجبًا بس اليسار الذي ليس له حق الوقوع في الخطأ أو الأخطاء ـ حتى القاتلة ـ وقد تناسيتم أفكاره، برنامجه، أفعاله وتاريخه، والأكثر مدى التصاقه بهموم الشعب قولاً وفعلاً وتاريخه هو شهادة حسن سير وسلوك لكم، فيما يصمت القلم الغيور في الحديث عن افكار الثورة المضادة والقوة الناعمة التي يوزعها «اليمين» على موائده الكريمة، اليمين الذي كان اسعد مخلوق في الدنيا حين انهار العدو الاكبر في العالم، واليوم يواصل دق مسماره المسموم على نعش «اليسار» الذي يقاوم الاختناق والحصار والاستعداء والاتهامات من كل صوب. سؤال تاريخي ونظري لليمين الخفي المفجوع من استنهاض اليسار لمشعله. ترى إن لم يدافع عن الفقراء والمطحونين في المجتمع والعالم تيار اليسار القومي والماركسي في مواجهة العولمة في وحشيتها هل ننتظر البديل الجديد ينبثق من قلب تيار اليمين؟
مشاركة :