يلتقي المنتخبان الجاران الفرنسي والبلجيكي، اليوم، في سان بطرسبورغ في دربي ناري مرتقب بالدور نصف النهائي لنهائيات كأس العالم لكرة القدم في روسيا. ويأمل المنتخبان مواصلة مشوارهما الرائع في البطولة الحالية، خصوصا بلجيكا بجيلها "الذهبي"، الوحيد بين رباعي نصف النهائي الذي حقق العلامة الكاملة في مونديال 2018، وأبرزها في ربع النهائي على حساب البرازيل ونجمها نيمار، عندما بخرت آمال "السيليساو" بلقب سادس، بعدما كان من أبرز المرشحين للتتويج بموسكو في 15 يوليو. من جهته، أزاح المنتخب الفرنسي، الذي يخوض دور الأربعة للمرة السادسة في تاريخه، الأرجنتين ونجمها ليونيل ميسي من الدور ثُمن النهائي، ثم الأوروغواي ونجمها لويس سواريز من ربع النهائي. ويعرف المنتخبان بعضهما بعضا جيدا: فبلجيكا هي المنتخب الذي واجهته فرنسا 73 مرة منذ عام 1904، وتميل الكفة لمصلحة "الشياطين الحمر" مع 30 فوزا مقابل 24 خسارة و19 تعادلا. المواجهة الأهم لكن مواجهة اليوم ستكون الأهم في تاريخ لقاءات المنتخبين، مع سعي فرنسا إلى بلوغ النهائي الثالث في تاريخها بعد أول توجت فيها بلقبها الوحيد (1998 على أرضها ضد البرازيل 3-صفر بقيادة مدربها الحالي ديدييه ديشان)، والثاني في مونديال 2006 خسرته بركلات الترجيح أمام إيطاليا. أما بلجيكا، فكانت أفضل نتيجة لها بلوغ نصف النهائي عام 1986 عندما سقطت أمام الأرجنتين بثنائية لأسطورتها دييغو أرماندو مارادونا. وقال مدافع فرنسا لوكاس هرنانديز: "تفصلنا عن اللقب مباراتان، أولاهما ضد بلجيكا، والتي ستكون صعبة جدا، لكن في هذه الحياة ليس هناك شيء مستحيل"، مضيفا: "لا نتبادل الحديث بيننا عن التتويج باللقب، لكن كل واحد منا يفكر بإمكانية تحقيق ذلك". وأضاف: "المنتخب البلجيكي يملك فرديات رائعة جدا. يجب أن نكون حذرين جدا في الدفاع، لكننا نعرف ما يتعين علينا القيام به"، مذكرا بأن فرنسا "أقصت أفصل لاعب بالعالم في ثُمن النهائي (ميسي)، لم يلمس الكرة كثيرا. لدينا اللاعبون الضروريون لإيقاف أخطر وأفضل اللاعبين". وارتفعت أسهم الجارين في التتويج باللقب، بعد مشوارهما المثالي منذ بداية البطولة، وكلاهما يحوز الأسلحة اللازمة في مختلف خطوطه، فضلا عن أن أغلب اللاعبين يعرفون بعضهم بعضا من الدوري الإنكليزي، مثل الفرنسيين نغولو كانتي وأوليفييه جيرو والبلجيكيين تيبو كورتوا وإدين هازار (تشلسي)، الفرنسي هوغو لوريس والبلجيكيين يان فيرتونغن وتوبي ألدرفيريلد (توتنهام هوتسبر)، الفرنسي بول بوغبا والبلجيكيين مروان فلايني وروميلو لوكاكو (مانشستر يونايتد). وستسفر مباراة اليوم بالتالي عن مواجهات ثنائية عدة، سيكون أبرز الغائبين عنها مدافع بلجيكا وباريس سان جرمان الفرنسي توما مونييه، للإيقاف، ما سيحرمه مواجهة زميله في النادي الباريسي كيليان مبابي. وقال مدافع ريال مدريد الإسباني رافايل فاران: "نعرف نقاط قوتنا، وسنحاول الاعتماد عليها، مع التركيز بشكل جيد جدا للفوز عليهم. لن تكون المهمة سهلة، لكن الأمر كذلك بالنسبة اليهم". وأردف: "هم قادرون على تمرير كرات قصيرة وتبادل المراكز، والكثير من الحركة والهجمات المرتدة السريعة. منتخب متكامل وقوي"، محذرا من خطورة لوكاكو ذي البنية الجسدية الضخمة، والذي "يخلق المشاكل لأي خط دفاع، هو قوي جدا، ومزعج كثيرا. ليس هناك حل معجزة لإيقافه، يجب ألا نترك له مساحات كثيرة، والحرص على قطع التواصل بينه وبين زملائه، وهو العمل الذي نحن مطالبون بالقيام به جميعا". الإشادة نفسها حظي بها المنتخب الفرنسي من البلجيكي ناصر الشاذلي، مسجل هدف الفوز على اليابان (3-2) في الوقت القاتل من ثُمن النهائي. وقال اللاعب المغربي الأصل: "منتخب فرنسا يملك الكثير من الصفات، إنهم أقوياء في الهجوم والدفاع، ويتقنون أيضا الهجمات المرتدة". نجوم في المنتخبين وإذا كانت فرنسا تعوِّل على موهبتها الصاعدة مبابي ونجم اتلتيكو مدريد الاسباني انطوان غريزمان، لإضافة بلجيكا إلى قائمة ضحاياها وبلوغ المباراة النهائية، فالجيران لا ينقصهم لاعبون بمصاف النجوم، وتحديدا الثلاثي لوكاكو وهازار وصانع العاب مانشستر سيتي الإنكليزي كيفن دي بروين، والذي كان له دور كبير في الإطاحة بالبرازيل من ربع ثُمن النهائي. لكن مدرب بلجيكا الإسباني روبرتو مارتينيز أكد أن "كأس العالم لا تحترم الفرديات، أو المواهب الكبيرة، فقط المنتخبات التي تعمل بجد كمجموعة ولديها ذهنية الفوز". ولدى بلجيكا ورقة "فرنسية" لتحفيز لاعبيها، هي الهداف التاريخي لمنتخب "الديوك" تييري هنري (51 هدفا) والمتوج معه باللقبين العالمي (1998) والأوروبي (2000)، وهو يشغل منصب المساعد الثاني لمارتينيز. وقال مارتينيز في تصريحات سابقة، ردا على سؤال عما يضيفه هنري للمنتخب: "هو شخص عاش حالة تطوير العقلية في فريق يسعى وراء حلم الفوز بأمر مميز". مواجهة أبناء المهاجرين تواجه القارة الأوروبية مشكلة كبيرة فيما يخص المهاجرين الذين يتدفقون إلى أراضيها، الأمر الذي يهدد قوام حضارتها المعاصرة والمتمثلة في الحرية والتماسك المجتمعي. وفي ظل الجدل المتصاعد عن الأزمة الإنسانية، تستعد كل من فرنسا وبلجيكا، وهما دولتان تعجان بالمهاجرين من كل حدب وصوب، إلى مواجهة مصيرية ستجمع بينهما اليوم في الدور قبل النهائي لبطولة كأس العالم 2018 بروسيا. وأصبح الفريقان على بعد خطوة واحدة من نهائي الحلم بفضل أقدام لاعبيها المهاجرين ذوي الأصول الإفريقية. ويتكون 80 في المئة من قوام المنتخب الفرنسي "الديوك" من أبناء المهاجرين، فيما تصل النسبة بين صفوف المنتخب البلجيكي إلى 48 في المئة. وتعود أصول كيليان مبابي نجم "الديوك الفرنسية" إلى أب كاميروني وأم جزائرية، كما يوجد أيضا في نفس الفريق صامويل أومتيتي صاحب الأصول الكاميرونية وبليز ماتويدي من أنغولا وباول بوغبا من غينيا ونوغولو كانتي من مالي. وعلى الجانب الأخر، هناك روميلو لوكاكو، الهداف التاريخي لبلجيكا، الذي ولد في الكونغو، وهي الدولة التي تعود إليها أصول اللاعبين فيسينتي كومباني وميتشي باتشوايي، هذا بالإضافة إلى اللاعبين مروان فيلايني وناصر الشاذلي اللذين تعود أصول عائلتهما إلى المغرب. وتعتبر مشاركة لوكاكو مع بلجيكا أمام فرنسا الليلة بمدينة سان بطرسبرغ الروسية أمرا مؤكدا إلا إذا حدث شيء غير طبيعي يحول دون ذلك. ومن المحتمل أن تخوض بلجيكا المباراة بتشكيلة تضم ثلاثة لاعبين ينتمون إلى عائلات مهاجرة. أما في فرنسا، فمن المؤكد ظهور مبابي وأومتيتي وبوغبا وكانتي ورافايل فاران، والذين تعود أصول أسرهم جميعا إلى خارج فرنسا. وقال الخبير السياسي الأميركي افشين مولافي في مقال له في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية: "منتخبا بلجيكا وفرنسا لن يتمكنا من حل مشكلات بلديهما، ولكن في الوقت الذي يشتعل فيه الجدل عن الهجرة في أوروبا، يمكن للفريقين أن يشيرا إلى الطريق نحو التكامل المثالي المبني على هذه الميزة". وما هي الميزة الأكبر التي يمكن لأي لاعب أيا كانت أصوله أن يصل إليها من أن يلعب نهائي المونديال؟!
مشاركة :