كانت الحكومة في مصر تتمسك بشروط تبدو تعجيزية أمام الأسرة البديلة التي ترغب في تربية طفل مجهول النسب أو أحد ضحايا التفكك الأسري أو من الأيتام، أبرزها أن يكون الزوجان متقدمين في السن، وليسا من الفئات الشبابية. ومنحت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية مؤخرا تسهيلات جديدة على شروط كفالة الأسر البديلة للأطفال، بينها أن يبدأ سن الزوجين من 25 عاما، ويجوز للأرامل والمطلقات ومن لم يسبق لهن الزواج وبلغن من العمر ما لا يقل عن ثلاثين سنة كفالة أطفال. تبدو هذه التسهيلات قريبة من تلك التي وضعتها وزارة التنمية الاجتماعية في الأردن لجعل إقامة الأطفال في مؤسسات الرعاية مؤقتة بأقصر فترة ممكنة لحين تأمينهم بأسر بديلة، وأتاحت الفرصة للنساء العازبات، في سابقة أولى من نوعها بالمملكة الأردنية، بكفالة أطفال. ويشكل فاقدو الهوية الوالدية داخل دور الرعاية الاجتماعية في الأردن نحو 47 بالمئة، بينما يبلغ ضحايا التفكك الأسري 31 بالمئة، لكن هذه النسبة تصل إلى 59 بالمئة في مصر، لظروف تتعلق باتساع دائرة الطلاق. ويصطدم التوسع في نظام الأسر البديلة بشروط صعبة، قد لا تتوافر سوى في فئات محدودة، على غرار أن يكون مقر الأسرة في بيئة صالحة تتوافر فيها المؤسسات التعليمية والدينية والطبية والرياضية والترفيهية، وتتوافر الشروط الصحية في المسكن والمستوى الصحي المقبول لأفراد الأسرة. وقالت سعاد حلمي، وهي زوجة مصرية من حي عين شمس الشعبي في شمال القاهرة، “أحلم بتربية طفل لأنني لا أنجب، وظروفي المادية متوسطة، مع أنني أعمل بمهنة التدريس، لكن أكثر المؤسسات التعليمية القريبة من منزلي خاصة، وتتطلب مبالغ مالية طائلة، ولا يوجد في المنطقة ناد رياضي كما تشترط وزارة التضامن”. وأضافت لـ“العرب” “هم يحصرون تسليم الأطفال لأسر الأماكن الراقية، حسب ما أبلغوني عندما تقدمت بطلب لاستلام طفل.. هذا تمييز وعنصرية، إذا كانوا حقا يريدون أن يتربى الطفل في أجواء أسرية ويعوضون الأسرة الحرمان من الأمومة والأبوة، عليهم إضافة المزيد من التسهيلات”. توافر القدرات المادية والإقامة في منطقة فيها مؤسسات تعليمية وترفيهية معيار ينطبق على أسر محدودة وقالت سهير لطيف، أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان في جنوب القاهرة، إن “الشروط الجديدة التي حددتها وزارة التضامن تعني أن الأسر الميسورة التي تعيش في أماكن راقية، هي التي سوف تستفيد من حضانة أطفال دور الرعاية، وتحرم الأسر المتوسطة وعائلات المناطق النائية من الاحتضان”. وأوضحت أن التمسك بإقامة الأسرة في نطاق جغرافي تتوافر به جميع الإمكانيات والخدمات لا يتواءم مع الطبيعة المصرية التي تندر فيها الكماليات المجتمعية والأسرية، إلا في أماكن بعينها، وهذا تمييز واضح يقضي على الهدف السامي الذي يتمثل في تربية الطفل في جو أسري طبيعي حتى لا يكبر ويجد نفسه وحيدا في دار رعاية. وتمنح الأسر البديلة للأطفال أجواء أسرية أكثر أمانا من دور الرعاية، التي تشهد في بعض البلدان العربية، بينها مصر، انتهاكات بدنية وجنسية بحق الأطفال، بسبب استعانة الجهات المالكة لها بعمالة غير مؤهلة نفسيا وسلوكيا، توفيرا للنفقات. وقال أحمد صالح رئيس جمعية الدفاع عن الطفل في مصر، إن إضافة تسهيلات على نظام الأسر البديلة ومنح الأزواج الشباب فرصة لتربية طفل، يمثلان ميزة مشتركة للطرفين، فالأطفال يكونون أسوياء، والأسرة يتم تعويضها عن الحرمان من الإنجاب. وأشار لـ“العرب” إلى أن التسهيلات الجديدة يجب أن توازيها رقابة مستمرة على الأسرة البديلة، وعقد لقاءات متكررة مع الطفل نفسه، للتعرف على طبيعة الحياة الأسرية التي يعيشها ومدى تقبله لها لعدم استثمارها في أعمال غير مشروعة، أو تكون للأسرة ميول فكرية ودينية متشددة. وترفض وزارة التضامن الاجتماعي في مصر تقديم مساعدات مالية للأسرة البديلة على غرار الحاصل في الأردن والسعودية. وتقول سعاد حلمي “لماذا لا تقدم الحكومة المصرية على إلغاء الضرائب عن الأسرة البديلة ودعمها في بعض السلع الضرورية ليتم تعويضها ماديا وتغري الناس على احتضان هؤلاء الأطفال؟”. التوسع في نظام الأسر البديلة يصطدم بشروط صعبة، قد لا تتوافر سوى في فئات محدودة، على غرار أن يكون مقر الأسرة في بيئة صالحة وتقدم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في المملكة العربية السعودية إعانات شهرية للأسر البديلة، حسب عمر الطفل، وتعتبر أن هذه المبالغ من وسائل تشجيع الرعاية بتوفير الدعم المالي للأسرة البديلة، وتساعدها في توفير احتياجات الطفل الذي ترعاه ومستلزماته، بحيث لا يمثل الطفل عبئا اقتصاديا على الأسرة البديلة. وتدعم وزارة التنمية الاجتماعية في الأردن الأسر البديلة بـ100 دينار شهريا لكل طفل ترعاه عائلة، ويخصص المبلغ لتغطية احتياجاته من غذاء وتعليم وإقامة، وفي حال رعاية الأسرة أكثر من طفل تتلقى عن كل واحد 100 دينار. وقال مسؤول بوزارة التضامن المصرية لـ“العرب”، إن تفعيل النظام المعمول به في السعودية والأردن بدعم الأسر البديلة ماديا، سوف يرهق موازنة الحكومة من ناحية، ويدفع بعض الأسر لاحتضان طفل للاستفادة من الإعانة الحكومية فقط من ناحية أخرى. وذهبت بعض الدراسات إلى أنه “مهما كان أسلوب التعامل في دور الرعاية مقبولا، يظل الطفل عندما يتقدم في السن معقدا وكارها للمجتمع ومعاديا له، ما يؤثر على الاستقرار والأمان المجتمعي، أما تربيته في جو أسري تجعله إلى حد ما من الأسوياء”. ويحمل التوسع في الأسر البديلة بعدا آخر، بعدما أصبحت بعض دور الرعاية تتاجر باسم الصغار للحصول على تبرعات فضلا عما تشهده من انتهاكات جسدية ونفسية، ما يتسبب في حرج بالغ للحكومة، باعتبارها المسؤولة عن رعاية هؤلاء الأطفال. وفي حال نجحت التسهيلات الجديدة في مصر للتوسع في نظام الأسر البديلة، فإن ذلك يمثل ضربة موجعة للجمعيات الشرعية المملوكة لإسلاميين ولديها دور لرعاية الأطفال، حيث يتم استثمارها في جلب تبرعات عن طريق استعطاف الناس، وهناك اتهامات لبعضها بتجنيد الأطفال والعبث بعقولهم بأفكار متشددة دينيا.
مشاركة :