كشف تقرير لمنظمة الأمم المتحدة أن تعداد سكان المدن سيرتفع بواقع مليار نسمة بحلول عام 2030 ليصل إلى 5.2 مليار نسمة، ورغم المخاوف من تعمق الأزمة الاقتصادية والفجوة الاجتماعية بين السكان التي سترافق هذا الارتفاع، إلا أن خبراء يؤكدون أن العصر الرقمي يعد بمستقبل أفضل وستيسر التكنولوجيا عملية الإنتاج، وتقدم ابتكار المدن الذكية مثالا لحياة سهلة دون عناء. فيسبادن (ألمانيا) - من المتوقع أن يواصل تعداد سكان المدن الكبيرة في العالم ارتفاعه على نحو ملحوظ خلال السنوات المقبلة، فقد ذكر مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني، الثلاثاء، من مدينة فيسبادن الألمانية، استنادا إلى بيانات الأمم المتحدة أن تعداد سكان المدن سيرتفع بواقع مليار نسمة بحلول عام 2030 ليصل إلى 5.2 مليار نسمة. وبحسب البيانات، فإن سكان المدن سيشكلون نسبة 60 بالمئة من سكان العالم بحلول 2030 ويبلغ تعداد سكان المدن حاليا 4.2 مليار نسمة، ليشكلوا نسبة 55 بالمئة من إجمالي سكان العالم الذين يبلغ تعدادهم 7.6 مليار نسمة. وبحسب البيانات، يبلغ عدد المدن المليونية في العالم حاليا 548 مدينة، ويتخطى تعداد السكان في 33 مدينة 10 ملايين نسمة. وتوجد معظم هذه المدن في آسيا (19 مدينة) وأميركا اللاتينية (6 مدن). ووفقا للإحصائية، فإن أكبر مدينة في العالم من حيث عدد السكان طوكيو، حيث يقطنها 37 مليون نسمة. ولا توجد مدن أوروبية بين أكبر عشر مدن في العالم. وكشف تقرير الأمم المتحدة أن اختلافات نسب النمو السكاني المتوقعة ستغير الواقع الديموغرافي الحالي حيث من المتوقع أن تتجاوز الهند، الصين، باعتبارها الأكثر ازدحاما خلال السنوات السبع القادمة، بينما ستتجاوز نيجيريا الولايات المتحدة، لتصبح ثالث أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، قبل حلول عام 2050. جون ويلموث: سيتمركز أكثر من نصف نمو السكان العالمي من الآن حتى عام 2050 في أفريقيا، في حين ستنخفض نسبة نمو السكان في أوروباجون ويلموث: سيتمركز أكثر من نصف نمو السكان العالمي من الآن حتى عام 2050 في أفريقيا، في حين ستنخفض نسبة نمو السكان في أوروبا وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تشهد أوروبا، التي يبلغ معدل الولادات فيها حاليا 1.6 طفل لكل امرأة، انخفاضا في عدد السكان خلال العقود المقبلة. ويبين تقرير إدارة الأمم المتحدة، للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، أن حوالي 83 مليون شخص، يُضافون إلى سكان العالم كل عام. وتوقع جون ويلموث مدير إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة، أن يتمركز أكثر من نصف نمو السكان العالمي من الآن حتى عام 2050 في أفريقيا، في حين ستنخفض نسبة النمو في أوروبا. ويشير الباحث تيمو ألكساندر بوتي في تقريره على موقع دافوس الاقتصادي العالمي، إلى أن اختيار أكثر من نصف سكان العالم العيش في المدن الكبرى والمتوقع أن يرتفع إلى 70 بالمئة بحلول عام 2050، له نتائج اقتصادية إيجابية مردها ارتفاع نسبة التحضر، فالمدن مسؤولة عن إنتاج حوالي 80 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعلى سبيل المثال، تنتج مدن مثل بوسطن، نيويورك، وواشنطن مجتمعة مع منطقة لوس أنجلس أكثر من 30 بالمئة من الناتج السنوي للولايات المتحدة. لكن هذا النجاح له ثمن حسب بوتي، حيث تدفع المدن الحديثة ثمن نجاحها من خلال ظهور أنماط الاستهلاك غير المستدامة، وتدهور البيئة، وعدم المساواة والتمييز، وبالنسبة للبعض، فإن هذه النتائج مقترنة بحركة العمالة غير المسبوقة في العصر الرقمي، تنذر بنهاية التحضر في المستقبل.ومع ذلك، وبالنظر إلى ما نعرفه عن المدن والعصر الرقمي الذي نعيش فيه، يبدو الاستنتاج المعاكس أكثر وضوحا. فبدلا من افتراض انقراض المدن والتحضر، ستشهد العقود القادمة مدنا ستشارك في إقامة شراكات دولية قوية، وستقوم بدور ريادي في حل المشكلات العالمية. ويقدم بوتي أسباب ذلك. السر في الحجم يمكن لأي شخص ممن زار شنغهاي أو نيويورك أو أي مدينة أخرى حديثة مليئة بناطحات السحاب التي تتحدى الجاذبية، أن يشهد على أحجام هذه المدن الضخمة. ومع ذلك، هناك شيء أكثر إثارة للدهشة يحدث خلف الكواليس. فوفقا للأبحاث الأخيرة التي نشرها جيفري ويست ولويس بيتنكورت، تأخذ المدن رأس المال البشري والمادي وتوسع نطاقها بشكل كبير. وفي تحدّ واضح للحساب التقليدي، تنتج المدن المزيد من وحدات الإنتاج مقارنة بكل وحدة من المدخلات التي تستخدمها عندما يتعلق الأمر بإحصائيات مثل إجمالي الناتج المحلي والأجور وبراءات الاختراع ونفقات البحث والتطوير. والأفضل من ذلك، أن المدن تستهلك موارد أقل للفرد الواحد في البنية التحتية والخدمات. وهذا يجعلها مناسبة بشكل مثالي لتقديم إجابات واقعية لأضخم التحديات العالمية. كل ذلك يجعل من المدن حلا واقعيا لاستيعاب عدد السكان المرشح للارتفاع مستقبلا. وفي عصرنا الرقمي، من المرجح أن تنمو قدرة المدن على إيجاد حل لكل هذه المشكلات. وسيشهد عام 2020، ظهور أول جيل متصل يعيش حياته كلها محاطا بالتكنولوجيا الرقمية. وبحلول ذلك الوقت، ستكون الأعمدة الأربعة المؤسسة للثورة الصناعية الرابعة - الأتمتة، والواقع المعزز، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي - قد تجلت بكل صورها في مجال “الصناعة 4”. رواد الأعمال، ممن يمتلكون أعمالا ومصالح في القطاعات الرئيسية، سينشئون شركات صغيرة لها فروع في جميع أنحاء العالم مستخدمين منصات التكنولوجيا الرقمية مثل "إي باي" و"علي بابا" و"أمازون" للقفز عبر الحواجز الجغرافية وجنبا إلى جنب مع التراجع المطرد لأعداد المواليد، فإن ظهور العصر الرقمي سيكون سببا كافيا لهذا الجيل ولأجيال الألفية الحديثة لممارسة حرية الحركة في ما يخص كيفية وبيئة العمل. حيث ستصبح القوى العاملة- مثلها مثل العمل نفسه- متنقلة بشكل متزايد. وفي الوقت نفسه، ستستمر التكنولوجيا الرقمية في إعادة تشكيل ملامح الإنتاج بشكل عام. والأهم من ذلك، أنها ستواصل زيادة فوائد التجمع في القطاعات الرئيسية، مثل التصنيع والخدمات المالية. وسينشئ رواد الأعمال، ممن يمتلكون أعمالا ومصالح في هذه القطاعات الرئيسية، شركات صغيرة لها أفرع في جميع أنحاء العالم مستخدمين المنصات الرقمية مثل “إي باي” و”علي بابا” و”أمازون” للقفز عبر الحواجز الجغرافية. وكنتيجة لذلك، لن تزداد جاذبية المدن العملاقة في المستقبل إلا قوة. وأظهرت الدراسات الحديثة أن المدن تتفوق في تعزيز الترابط المجتمعي، الذي يوجد في الأماكن المفتوحة التي تقدم الكثير من الخدمات الاجتماعية، والنظم التعليمية المتقدمة، وفرص المشاركة المدنية. ولحسن الحظ بالنسبة لسكان المدن، فإن ترابط المجتمع في حد ذاته يعتبر حافزا إيجابيا يبعث بالسعادة الكلية ويدفع بنمو الناتج المحلي الإجمالي والعديد من الميزات الأخرى المرغوب تحقيقها في الحياة الحديثة. وستتضمن قدرة المدن على خلق مستويات غير مسبوقة من النشاط الاقتصادي والابتكار أن تجعلها في مركز الصدارة في القرن المقبل. ويوجد في الواقع العديد من المدن التي تتفوق حتى على الدول الكبرى. ومع ذلك، حتى في ظل توفقها الاقتصادي وميلها إلى الانفتاح، لا تزال المدن تفتقر إلى مقومات الهيمنة المستدامة والتي تتمثل في النفوذ السياسي والسيادة، لكن لا يُتوقّع أن يدوم هذا الحال لفترة طويلة. صعوبات اقتصادية رغم التفاؤل بفوائد التحضر بالمدن الكبرى فإن الخبراء يحذرون من أن ارتفاع التعداد السكاني سيشكل عبئا جديدا على المدن أمام ما يعانيه العالم من تغيرات سياسية واجتماعية وتواصل النزاعات ومشاكل الهجرة والإرهاب، على غرار التغيرات المناخية القاسية وتداعياتها على مصادر المياه والغذاء المتاحة وما يرتبط بها من ظواهر الجفاف، يُضاف إليها التفاوت الآخذ في الاتساع بين الدول الغنية والدول الفقيرة خاصة على مستوى العلوم والتكنولوجيا، والحروب التجارية التي تلوح في الأفق بين القوى الكبرى المتنافسة في ما بينها. هذا الواقع لن يبعث الطمأنينة لسكان المدن الكبرى فمع مؤشرات الزيادة السكانية يتذمر كثيرون من ارتفاع النمو السكاني، ويعتقدون أن المدينة لم تعد مثالية أمام الازدحام وما يتعرضون إليه في حياتهم اليومية. ويبين مازدا أدلي، رئيس برنامج أبحاث اضطرابات المزاج في مستشفى شاريتيه ببرلين، أن “سبب الإجهاد في المدن راجع بالدرجة الأولى إلى مزيج بين الكثافة السكانية والعزلة الاجتماعية في نفس الوقت”. وقد أثبتت مجموعة من الدراسات والأبحاث أن الأمراض النفسية مثل الاكتئاب وانفصام الشخصية والتوتر تكون نسبتها أكثر في المدن. ومن أجل معالجة هذه الإشكاليات، تجتمع في العاصمة الألمانية برلين لجنة من الخبراء في مجال الصحة النفسية لمدة أسبوع من أجل مناقشة الانعكاسات السلبية للعيش في مدينة كبيرة على الحالة النفسية للسكان. ويتوجس سكان المدن الكبرى على غرار حالة القلق النفسي من تداعيات التزايد السكاني على الوضع الاقتصادي. وكانت مؤسسة (هانز بوكلر) الألمانية القريبة من النقابات العمالية قد حذرت من أن الحد الأدنى للأجور لا يكفي للمعيشة في أغلب المدن الكبرى في ألمانيا. وفي بيان بعثت به إلى لجنة الحد الأدنى للأجور المنوط بها تحديد هذا الحد كل عامين، قالت المؤسسة “في الكثير من المدن الكبيرة، لا يتمكن الموظف بحد أدنى للأجور، في الغالب، من تحمل أعباء معيشته دون الحصول على الإعانة الاجتماعية المعروفة باسم هارتس 4”. وطالبت المؤسسة بضرورة وصول الحد الأدنى إلى 9.50 يورو في الساعة في 15 من 20 مدينة، حتى لا تكون الحاجة إلى الاستعانة بالإعانة الاجتماعية الإضافية. وفي مالطا، التي تعتبر الدولة الأكثر كثافة سكانية في أوروبا، حذرت جماعة ضغط، من أن التعداد السكاني للجزيرة قد يصل لمستويات لا يمكن تحمل أعبائها، إذا استمرت زيادة عدد العمال الأجانب. وقالت رئيسة رابطة أصحاب العمل، دولورس ساموت بونيشي، إن زيادة الاعتماد على الأجانب لمجاراة ازدهار الاقتصاد في مالطا قد ترفع التعداد السكاني ليصل إلى 700 ألف في سنوات قليلة، وفي ظل تعداد سكاني يبلغ 450 ألفا. أما الولايات المتحدة فقد أوضحت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن النمو السكاني في البلاد آخذ في التباطؤ، في ظل ارتفاع نسبة الشيخوخة السكانية، أمام توجس السلطات من تزايد عدد المهاجرين واقتحامهم كافة المجالات رغم توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإقصائية واختياره نهج إنعزالي محافظ. وهو ما يفسر التجاء مسؤولين اتحاديين إلى السؤال عن الجنسية في استمارات تعداد السكان لعام 2020. المدن الذكية هي الحل Thumbnail يعتقد الخبراء أن ابتكار المدن الذكية هو الحل لمواجهة مشاكل محتملة نتيجة زيادة سكان المدن الكبرى مستقبلا. والمدن الذكية مصطلح أطلق على مجموعة الأنظمة التي تحكم مختلف مناحي الحياة في المدينة وتنظمها، على غرار حركة المرور والمواصلات والتجارة وتوزيع المياه وغيرها، والتي يتم تسييرها عبر أنظمة عن بعد أساسها الإنترنت. وقال المهندس المعماري كيلفن كلارس في تصريحات صحافية إنه لا سبيل لمواجهة التحديات التي تواجه المناطق الحضرية، تحديدا المدن، إلا عن طريق تحويلها خاصة التي يتوقع أن يزداد عدد سكانها بمعدلات متسارعة في المستقبل، إلى مدن ذكية. وأضاف “لا يوجد تعريف واحد وشامل للمدن الذكية، لكنها مدن رقمية في الأساس، تعتمد بنياتها الأساسية على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فهي تحتوي على بيئة تكنولوجية تسمح للقاطنين فيها بتلبية احتياجاتهم والتحكم في الوظائف المختلفة، وحل المشكلات المنتشرة في المناطق الحضرية مثل توفير المياه والطاقة وضمان السلامة خلال عمليات التنقل، كل ذلك وأكثر عبر أساليب التكنولوجيا الحديثة. فيما أوضح البروفيسور سخار كوندبودي، الأستاذ في الجامعة الوطنية في سنغافورة، في حديثه لصحيفة “وول ستريت جورنال” “أن الصفات الرئيسية للمدن الذكية هي: الاستدامة، وجودة الحياة، وتتعلق الاستدامة بالحوكمة والتلوث وتغير المناخ وعوامل معيشية أخرى”. ويرى بوتي إلى أن “العصر الرقمي يعد بتحقيق الأفضل دائما. وقدم مثالا لمدينة تالين الذكية حيث يتفاعل المواطنون مع حكومتهم دون عناء باستخدام المنصات الرقمية التي تمكنهم من توقيع العقود، ودفع ضرائبهم، والتصويت في الانتخابات الوطنية. وهناك برامج مماثلة يتم تنفيذها في سنغافورة وأمستردام والتي ستجعل من الحكومة الإلكترونية حقيقة تتوافق مع قدراتنا الاقتصادية الجديدة”. ولعل أكثر الإنجازات التي لا تحظى بالتقدير الكافي في مجال التكنولوجيا الرقمية هي الحكومة الإلكترونية، حيث أن استخدام الحكومة للمنصات الرقمية سيحقق مستويات غير متوقعة من تحمل المسؤولية، والانفتاح، مما سيغير الكثير من كيفية تفاعل الحكومات المحلية مع الأشخاص الذين تحكمهم. ويختم الباحث تيمو ألكساندر بوتي بقوله “إن الوقت الذي ترانا فيه الحكومات كعملاء وليس كمواطنين أقرب مما نتخيل، وحينها يجب علينا أن نعترف بجميل عصر التكنولوجيا الرقمية الذي نعيش فيه الآن”.
مشاركة :