العشوائيات تفسد اللوحة الجميلة لشواطئ لبنان

  • 7/11/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بيروت – في لبنان، هناك شبه استحالة في التوجه إلى البحر مجانا، يقول نقيب المهندسين جاد تابتن، “لم يعد هناك حاليا سوى 20 بالمئة من السواحل الشعبية، أما الباقي فشواطئ خاصة” تابعة لمجمعات سياحية إجمالا. ويمتد الشاطئ اللبناني على طول 225 كم بين العريضة شمالا ورأس الناقورة جنوبا. ويتميز بتنوعه البيئي حيث تتداخل فيه المساحات الرملية والحصوية بالأجراف الصخرية العميقة. على طول هذا الشاطئ تشكّلت عبر التاريخ تجمعات سكانية كبيرة، فنمت المدن الساحلية حول الموانئ وتركزت فيها النشاطات الاقتصادية الأساسية للبلاد، وتضم المناطق الساحلية اليوم أكثر من 75 بالمئة من سكان لبنان. يقول الخبراء، إن هذا التمركز السكاني أدى إلى ازدياد الضغوط على أهم الموارد الأساسية: الأرض والمياه، كما أدى إلى بروز مشكلات رئيسية تتعلّق بالنمو الفوضوي للبناء والتمركز العشوائي للنشاطات واحتلال الأملاك العامة البحرية وقطع تواصل الشواطئ، كما أدى إلى تدهور خطير للأوضاع البيئية وتغيير ملامح الشاطئ بشكل يثير القلق. في 2012، أظهر تقرير لوزارة النقل أن مساحة خمسة ملايين متر مربع من الساحل بنيت بصورة غير مشروعة. وأضاف “هناك تراخ تام من الدولة لحساب مصالح شخصيات تملك علاقات متينة” في الأوساط السياسية النافذة. بين صيدا وبيروت، وحتى على مسافة بعيدة شمالا، تكاد الأقدام لا تستطيع ملامسة الشاطئ من جراء المرافق التجارية والصناعية الكثيرة، التي أُقيم معظمها خلافا للقانون. وارتفعت المباني العشوائية بين خلدة والأوزاعي، في محاذاة مطار بيروت الدولي، وهي تفتقر إلى شبكات الصرف الصحي والخدمات العامة، وطبعا إلى الترخيص القانوني. ولم تبقَ سوى مساحة ضئيلة جدا يستطيع المواطنون بلوغها، هي شاطئ الرملة البيضاء بالقرب من الروشة، لكنه من أكثر الشواطئ تلوثا على الساحل اللبناني. أطنان من النفايات الصلبة تجد طريقها إلى البحرأطنان من النفايات الصلبة تجد طريقها إلى البحر وفي صيدا أدّى تطبيق المخطط المتعلق بالواجهة البحرية منذ العام 1995 إلى خسارة مساحة واسعة من الشاطئ الشمالي، وعزل صيدا القديمة عزلا تاما عن البحر، وردم حوض المرفأ القديم. وارتفعَ مكبّ النفايات الصلبة على الشاطئ ليصير في حجم جبل ممتد لعشرات الأمتار داخل البحر. واتسعت مشكلة النفايات الصلبة أخيرا لتصل إلى القرى الجميلة شرق صيدا. وتواجه منطقة أنفه (شمال) خطر التمدد العمراني العشوائي على إثر حركة سكنية وسياحية نشيطة. ويثير مشروع لبناء مجمع سياحي في منطقة أنفه مخاوف المدافعين عن البيئة والتراث، إذ يهدد إحدى أقدم الملاحات في المتوسط والواقعة في منطقة غنية بالآثار، فبحسب خبيرة البيئة البحرية سامية جو ليشا، “فيها أنظف مياه على الساحل اللبناني”. ويروي حافظ جريج المعارض للمشروع، أن صاحب المشروع قال له، “لا قيمة لإنتاج الملح بالطريقة التقليدية.. اتركوا لنا هذه المنطقة الساحلية”. وتعتبر أنفه منجما للذهب الأبيض وموطنا للملاحات التقليدية التي كانت في ستينات القرن الماضي تغطي مساحة مليون متر مربع تقريبا على شاطئها قبل أن تنحسر لتصل اليوم إلى أقل من 200 ألف متر. ويجمع ناشطون في هيئات الحفاظ على التراث والبيئة، على أن هذه الملاحات تعاني من غياب السياسة الحمائية واجتياح المنتجعات السياحية لشواطئ البلدة. وقال الناشط المحلي المهندس جورج ساسين، إن المشاريع الملوثة للبيئة مثل خزانات البترول والغاز ومعامل الإسمنت والمنتجعات السياحية، دفعت بعدد كبير من أصحاب الملاحات إلى التوقف عن العمل. وشهدت السنوات الماضية اعتراض وغضب ناشطين بيئيين ومن المجتمع المدني على مشاريع عدة تبنى على الشاطئ لكونها تتسبب في ردم مساحات منه، وقد كان آخرها مشروع “إيدن باي” على شاطئ الرملة البيضاء في جنوب بيروت. غياب الوعي يحرم اللبنانيين من متعة السباحةغياب الوعي يحرم اللبنانيين من متعة السباحة ويقول ناشطون إن المشروع غير قانوني لكون المنطقة تُعد أملاكا عمومية بحرية فضلا عن كونها محمية. ولقد أتت المشاريع العمرانية والصناعية والسياحية بسرعة على المساحات الخضراء في طرابلس ثاني المدن اللبنانية، ولم يبق سوى الكورنيش البحري رئة وحيدة تتنفس بها عاصمة الشمال. وفي عكّار، يعاني الشاطئ، الذي خسر الكثير من رماله، تلوثا شديدا من جراء النفايات الصلبة والسائلة، وقد اختفت مساحات كبيرة من السهل الزراعي لتظهر مكانها مشاريع سكنية وتجارية على امتداد الشاطئ. تجدر الإشارة إلى أن ثلاثة آلاف طن من أصل أربعة آلاف من النفايات الصلبة التي تخلّفها المنازل وورش البناء يوميا تجد طريقها إلى البحر إما مباشرة وإما عبر الأنهار والسواقي. ويبدو أن الحكومة اللبنانية غير جادة في البحث عن الحلول العملية لحماية الشواطئ من هذه التجاوزات، رغم أنها عمدت منذ عقود إلى التوقيع على عدد من المعاهدات والمواثيق الدولية والإقليمية لحماية البيئة البحرية في لبنان. ويقول الخبراء إن القوانين وحدها لا تكفي فلا يمكن تطبيقها إلا بإرادة القوة والحزم لفرضها. ورغم أن الحملات التي يدعو إليها الناشطون والمدافعون في مجال البيئة في العديد من المناسبات خلال السنة لتنظيف الشاطئ وغيره من الأماكن تصدر عن دوافع صادقة ونبيلة، لكن هذه الأعمال تبقى قاصرة عن الحل المنشود. ويؤكد المدافعون عن الشواطئ من اللبنانيين أن مثل هذه المعضلة التي تزداد عاما بعد آخر، تحتاج إلى رجال دولة لهم بعد نظر، لا يكتفون بإصدار القوانين والتوقيع على المعاهدات، بل يعملون على آلية صالحة لفرض هذه القوانين، يطبقها رجال الأمن والمواطنون بعيدا عن المحاباة والمحسوبية والرشاوى.

مشاركة :