غابت إيطاليا عن نهائيات مونديال كرة القدم، الذي يختتم الأحد المقبل في موسكو، للمرة الأولى منذ 60 عاماً. لكنها حاضرة عبر الكأس الثمينة التي سيحملها أفراد المنتخب الفائز باللقب. فمنذ عام 1971، وورشة صغيرة في ميلانو تتولّى أمر الكأس الذهبية، تصنيعاً و «ترميماً» وضخاً للبريق الذي يليق بما تمثله، إضافة إلى صناعة النسخة التي يحتفظ بها حامل اللقب. تُفاخر فالنتينا لوزا بأن الكأس التي ستُرفع الأحد المقبل في ستاد لوجنيكي هي شقيقتها الكبرى، لأنها أكبر سناً منها ومن ابنتها، و»لأنني أراها تولد مرة كل أربع سنوات وأعرف أسرارها كلها». لوزا صاحبة مصنع «بيرتوني»، المعمل الصغير الذي أسسه جدها الأكبر إميليو في بادرنو دونيانو قرب مدينة ميلانو. ورفع «القيصر» فرانتس باكنباور، قائد منتخب ألمانيا، «المولود الأول» عقب نهائي مونديال 1974 في ميونيخ، فشعّ بريقه على خلاف ما يكون عليه خلال مراحل التصنيع وسط الغبار والمطارق. مصمم الكأس الغالية هو سيلفيو غازانيغا، المدير الفني في «بيرتوني»، يتذكّر تلك «الولادة»، التي جاءت بعد إحراز البرازيل كأس «جول ريميه» للمرة الثالثة عام 1970 واحتفاظها بها إلى الأبد وفق نظام البطولة. فأطلق الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» مسابقة لتصميم كأس جديدة، وتلقى 53 ترشيحاً من أنحاء العالم، بينها تصميم غازانيغا الذي عُرف بثلاثة أبعاد، مع سهولة الحمل والرفع دفعة واحدة، فضلاً عن خصائص الخطوط التي تجعل منه قطعة فنية استثنائية. لذا، لا تزال هذه الكأس، وبعد مرور 47 عاماً، تحمل معالم حداثة أنيقة، وفق لوزا. يبلغ طول الكأس الأصلية نحو 38 سنتيمتراً ووزنها 6،175 كليوغراماً من الذهب عيار 24 قيراطاً، وطبقتين من معدن الملخيت الثمين، وهي لا تبارح مقر الاتحاد الدولي في زوريخ الا للخضوع للمسات «تجديد الشباب» عند بيرتوني، ولكي تكون في أفضل حال وهندام عند تسليمها للفائز بالمونديال. وهو وفقاً للأنظمة المرعية للبطولة، يعيدها سريعاً إلى «فيفا» بُعيد الاحتفال بالتتويج، وقبل مغادرته موسكو. وبالتالي، لن يحملها معه المنتخب العتيد إلى بلاده، بل يتسلّم نسخة أخرى أقل وزناً مطلية بالذهب وتحتوي على كمية أكبر من النحاس، لكنها تخضع إلى معايير التصنيع المتقن ذاتها، ويستلزم إنجازها عمل 3 حرفيين مهرة مدة 3 أشهر. بعد جلسات التشطيب والطلاء والتمليس، إستراحت كأس العالم على قاعدة من الرخام تحمل سجل الفائزين بها. وغُطّست 3 مرات في مياه الذهب عيار 24 قيراطاً. وبعد التجفيف، وُضعت لمدة يوم في فرن حرارته 60 درجة مئوية، كما يكشف بيترو برامبيلا أحد العمال الاختصاصيين، مضيفاً أن الكأس تخضع بعدها لـ «جلسة تلميع خاص يحميها من العوامل الطبيعية». قيمة هذه التحفة 50 ألف فرنك سويسري، وأُمّن عليها بـ30 ألف جنيه استرليني. ويؤكّد مارتن بولياكوف، أستاذ مادة الكيمياء في جامعة نوتنغهام، أنه أجرى حسابات على أساس أنه لو كانت كأس العالم مصنوعة من الذهب الخالص، كما يزعم «فيفا»، لما تمكّن اللاعبون من حملها والتلويح بها. وذكر أن وزن الكأس بقياساتها الفعلية يُفترض أن يكون 70- 80 كيلوغراماً، واستنتج أنها أو جزءاً منها يجب أن يكون مفرّغاً، موضحاً أن معدن الذهب ثقيل جداً ومن أكثر المعادن الموجودة كثافة، وقال: «ربما يقصد فيفا بالذهب الخالص عدم وجود طبقة فولاذية في داخل الكأس، ووجود طبقة رقيقة مسطّحة من الذهب فيه. لذا أعتقد أن الكرة في تمثال الكأس مفرّغة». على أي حال، يصنّع «بيرتوني» ميداليات ودروعاً وكؤوساً قيّمة منها كأس «ليغا أوروبا» و «كأس الكؤوس» الأوروبية. لكن تبقى كأس العالم حالة خاصة بالنسبة الى القائمين على تصنيعها والاعتناء بها، أنه شعور مختلف يتنابك وأنت تلمسها أو تمرر يديك عليها خلال عملية العناية، وقبل أن تخطف آهات بلايين، فهي ثمرة جهد تتوّج بفخر حصيلة عرقِ لاعبين وكدّهم... أما نسخة مونديال 2022 فقد بوشر تصنيعها.
مشاركة :