قصة فتية الكهف التايلاندي: صفحة مضيئة في ثقافة الأمل

  • 7/11/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

بقدر ما تشكل قصة الفتية الذين حوصروا داخل كهف في تايلاند صفحة مضيئة في ثقافة الأمل، جاءت رسائل الفتية اثناء الحصار لذويهم مزيجا من براءة الاحلام والمشاعر والانتصار للحياة والتفاؤل لتبرهن ضمنا على أن الكتابة تقدم نوعا من السلوى في الأوقات العصيبة سواء لفتية صغار أو مثقفين كبار. وأعلنت السلطات التايلاندية أمس "الثلاثاء" انتهاء عملية انقاذ فريق كرة القدم الذي ظل محاصرا على مدى أكثر من أسبوعين في كهف بشمال تايلاند وإخراج الفتية الـ12 ومدربهم، فيما كانت عملية الإنقاذ التي تضمنت عناصر من جنسيات متعددة قد بدأت يوم الأحد الماضي بنقل أربعة من الفتية إلى خارج الكهف.وقد حوصر الفتية الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و16 عاما مع مدربهم في الثالث والعشرين من شهر يونيو الماضي أثناء استكشافهم لمجموعة كهوف بعد مباراة تدريبية لكرة القدم، حيث غمرت مياه الأمطار الغزيرة الأنفاق وأعاقت الفيضانات خروجهم من الكهف بعد أن سدت مخرجه لتجذب قصتهم أنظار العالم وتحظى بتغطية مكثفة من وسائل الإعلام التي اهتمت برسائل هؤلاء الفتية.وفي الرسائل التي كتبها الفتية أثناء الحصار لذويهم وردت عبارات دالة ومؤثرة مثل:"لاتقلقوا.. كلنا أقوياء"، وخاطب أحدهم والده ووالدته بكلمة واحدة: "أحبكما"، وتعهد آخر بمساعدة والده في عمله،فيما تحدثوا عن الأكلات المفضلة التي يودون تناولها بعد خروجهم من الكهف، وهو ما فعله أيضا مدربهم ايكابول تشانتاوونج البالغ من العمر 25 عاما والذي قدم اعتذاره لعائلات الفتية المحاصرين ليتمنوا عليه بدورهم "ألا يلقي باللائمة على نفسه".وإذا كانت السينما الأمريكية قد انتهزت الفرصة كعادتها وبدأت في التحرك السريع لتحويل قصة انقاذ فتية الكهف التايلاندي إلى فيلم تتوقع هوليوود له النجاح الساحق في شباك التذاكر- كما أشارت وسائل إعلام غربية- فإن بعض الكتب والكتابات الثقافية المعمقة في الآونة الأخيرة وسواء في الشرق او الغرب تؤشر لأطياف متعددة لثقافة الأمل.وها هو الكاتب والقاص البريطاني فيليب بولمان يتفق في الرأي مع مبدعين آخرين في الثقافة الغربية مثل مواطنته القاصة جاكلين ويلسون والفنانة الأمريكية روز مكجوان حول أهمية ثقافة الأمل وتبني مواقف إيجابية في الحياة مع إشارات لكتب تعبر عن هذه الثقافة وطاقتها الإيجابية المنتصرة للحياة، فضلا عما تحمله من عزاء للأرواح الجريحة، مثل كتاب "لغة الرحمة.. قصة ممرضة" لكريستي واتسون وقصة "جاز" للكاتبة الأمريكية النوبلية توني موريسون، بل ورواية شهيرة ترجع لعام 1884 وهي "الكونت دي مونت كريستو" لألكسندر دوما.ومع تسليمها بأن أحوال العالم ليست على ما يرام تقول الكاتبة الباكستانية الأصل والبريطانية الجنسية كاميلا شامسي: "علينا ان نبحث عن أسباب للتفاؤل"، فيما ترى صاحبة رواية "حريق في البيت" أن الطبيعة الإنسانية لا تخلو من خير يثير التفاؤل.وها هي الشاعرة السودانية امتثال محمود التي تحظى بحضور ثقافي في الغرب تقول ان الكتابة تساعدها على مواجهة الأوقات الصعبة، مشيرة إلى أن قصيدتها "ماما" التي أبدعتها بالانجليزية خففت عنها عبء لحظات عصيبة عندما ماتت جدتها، فيما كانت أمها تستقل طائرة لحضور الجنازة في أرض الوطن.وفي مصر، صدر كتاب جديد بعنوان "حكاية مصرية.. بين تحدي الوجود وإرادة الصمود"، ويمكن للقارئ أن يرى بعض أطياف ثقافة الأمل في هذا الكتاب الذي يعرض لسيرة ومسيرة مشتركة لوزير التموين الأسبق والأكاديمي والمفكر الاقتصادي الدكتور جودة عبد الخالق وقرينته أستاذة الاقتصاد الدكتورة كريمة كريم.والكتاب الحافل بالعديد من التحديات والمواقف الصعبة التي واجهها جودة عبد الخالق في مسيرة الحياة وخاصة في أيام الصبا، يحمل رسائل أمل للشباب وحض لهم على التحلي بقوة الإرادة لمواجهة الصعاب وتحقيق الأحلام كما تنوه الدكتورة كريمة كريم.وقد يكون "الفقد" سببا للكتابة والابداع، كما أشار الأديب اللبناني أحمد علي الزين موضحا ان الفقد يجعلنا في حالة من الشوق "تدفعنا للتبليغ عن شيئ ما"، بينما باتت كتابات الفيلسوف الفرنسي لوك فيري؛ وهو وزير سابق للتربية والتعليم تلقى إقبالا كبيرا من القراء؛ لأنها تساعدهم في قهر مخاوفهم التي تشل الحياة.ولئن كان الشاعر المصري الكبير أمل دنقل الذي رحل مبكرا عن 43 عاما قد حول معاناته مع المرض القاتل لتجربة إبداعية في مجموعته الشعرية الأخيرة "أوراق الغرفة 8"، فإن الكاتب الاسكتلندي الراحل ايان بانكس أصر على استكمال قصة بعنوان "الفريسة" وهو يحتضر في مواجهته الباسلة لمرض السرطان اللعين.وهذا الكاتب الاسكتلندي المبدع الذي قضي في التاسع من يونيو عام 2013 عن عمر يناهز 59 عاما، اختار ان تكون آخر كلماته على لسان بطل القصة: "فليحاربني السرطان كما يشاء لكنني سأهزمه بقلمي"، فيما عمد للسخرية من المرض اللعين الذي حتى لو نجح في ان يكتب اسمه ضمن عداد الموتى، فإنه لن ينجح أبدا في ان يغيبه عن هؤلاء الذين أحبوه، وكأنه يشير الى أن حياته يمكن أن تستمر عبر هؤلاء الأحباب.والأمر قد يعيد للأذهان ما ورد في كتاب "ستيف جوبز.. السيرة الحصرية" لوالتر ايزاكسون الذي كتب هذه السيرة بناء على تكليف من الأمريكي ستيف جوبز ذاته قبل رحيله عن الحياة الدنيا يوم الخامس من أكتوبر عام 2011، فيما جاءت السيرة أمينة وصريحة دون أن تخفى اى عيوب فى شخصية هذا العبقرى السوري الأصل وصاحب الاسم الخالد في عالم الحاسوب.وبقدر ما أوضحت هذه السيرة جوانب عبقريته وأوجه عظمة الارادة الانسانية في مواجهة محنة المرض الذي التهم مخ العبقرى فى نهاية المطاف لن تموت رسالة رجل أراد تغيير العالم للأفضل وكانت وصيته لكل الحالمين العاملين فى الاتجاه ذاته ان يتسلحوا بالارادة والحلم وان يكتفوا برعشة الدهشة ولذة الاكتشاف فى مواجهة متاعب الدنيا.وفي قلب محنة المرض أصدر الأكاديمي والناقد الأدبي الراحل الدكتور سيد البحراوي كتابا بعنوان "في مديح الألم" طرح فيه فلسفته في التعامل مع آلام المرض الخبيث الذي عرف في نهاية عام 2014، انه حل برئته غير أن هذا المثقف الوطني المصري الذي قضى في السادس عشر من شهر يونيو الماضي حول المرض لفرصة لتأمل الألم كقرين للحياة.فالألم جزء لا يتجزأ من الحياة، ولكن سيد البحراوي الذي قضى عن عمر يناهز ال65 عاما لتفقد الثقافة العربية أحد ألمع نقادها أضاف إلى هذه الحقيقة أن الجهد البشري كان منصبا طوال التاريخ على مقاومة الألم وان المعارف التي أنتجها الانسان من علم وفلسفة تهدف في أحد جوانبها الى هذه المقاومة، ورأى في سياق تأمله العميق وهو يعاني المرض أن الألم دفع البشر الى الإبداع العلمي والفلسفي والفني.ولذلك ظل البحراوي مبدعا في هذا الكتاب مثلما كان في كتبه وأبحاثه ومحاضراته ومقالاته رغم انه يفاجيء القارئ في الخاتمة بأنه كان يكتب ما تضمنه من نصوص لنفسه كوسيلة علاجية تشارك في معركة مقاومة المرض، وهو يقدم بالفعل تجربة في مقاومة المرض وكيف يمكن للانسان أن يعتمد على ما في داخله من طاقة ابداعية تختلف من شخص إلى آخر في هذه المقاومة.وقد وصفه الناقد البارز وأستاذ البلاغة المغربي الدكتور محمد مشبال الذي فاز مؤخرا بجائزة "الشيخ زايد للكتاب"، بأنه "مدرسة"، مضيفا في مقابلة صحفية أنه تعلم منه "التفكير العلمي".. فصاحب الكتب المهمة مثل "في البحث عن لؤلؤة المستحيل"، و"الحداثة التابعة في الثقافة المصرية"، و"في نظرية الأدب"، و"الإيقاع في شعر السياب"، و"ليل مدريد" كان أيقونة مصرية لثقافة الأمل واحتضن وشجع الجيل الأدبي الشاب في مصر والعالم العربي ككل في انتصار للمستقبل وتفاؤل بالغد الأفضل وفتية يحملون مشاعل الحداثة دون تفريط في الأصالة وأحلام هي أحلام الوطن.

مشاركة :