المسجد.. بين صالة الأفراح ومغسلة الأموات - عادل الكلباني

  • 12/14/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

وليس الحديث هنا عن غسل الميت وأحكامه، ولكن لا أدري لماذا أُلحقت مغاسل الأموات بالمساجد، والأصل الذي يتمشى مع قواعد التيسير أن تكون في المستشفيات، أو قريباً منها، أو عند المقابر أو قريباً منها. لكنها عادة انتشرت مع الأيام، كما انتشر أن الصلاة على الميت لا تكون إلا بعد فريضة، وكذلك ليس مقصودي أن أناقش هذا فله مجال آخر لا ريب أن تغيير ما اعتاد الناس عليه يُعد أمراً صعبًا في عرف المريدين التغيير، وربما فاق في صعوبته نقل الجبال من أماكنها، لكنه غير مستحيل، وما أرسل الله تعالى الرسل عليهم الصلاة والسلام إلا لتغيير ما اعتاده الناس من الشرك والعادات القبيحة، ومن ثم التأكيد على محاسن الأخلاق وإتمام مكارمها، ولو كان هناك شيء يستحيل تغييره لما أرسلت الرسل وأنزلت الكتب. إذن، مهما كان الأمر فبقدر المحاولة والعزيمة يكون التغيير؛ لأن غاية ما في الأمر هي عادات، وإنما تنشأ العادة من استحسان عظيم قوم لشيء أو سنّه لهم، كما فعل عمرو بن لحي حين استجلب الأصنام من الشام، وسن عبادتها في مكة، فكانت فكرة في أصلها، لكنها استفحلت حتى كلفت كثيرًا لإزالتها، ومع ذلك كله لا زالت رواسبها عالقة في كثير من الأذهان. ولو ضربت مثالاً لما استُحدث من العادات لطال بنا المقام، ولكن لا بأس من التمثيل ولو بمثال واحد، مما يناسب المقام، فإن الناس قبل سنوات، وما زال هذا في بعض مناطق المملكة المحروسة، كانوا يقيمون الأفراح بمناسبة الزواج مبكراً، فلا تأتي صلاة العشاء إلا وقد انتهت مراسمه، وزفت العروس إلى زوجها، ثم ابتدأ الناس في التأخير شيئاً فشيئاً حتى استمر وقت الحفل إلى ما بعد شروق الشمس وتناول الإفطار. وتنافس الناس في حفلات الزواج تنافساً مقيتاً، حتى كلفت بعض حفلاته الملايين واستجلب له المطربون والمطربات بمبالغ خيالية قد تكفل معيشة أقوام لأعوام، وتنافست النساء في لباسهن، وبلغ التنافس حداً وصل إلى وجاهة المدعوين، ومكان حفل الزواج، ففازت بالصدارة الفنادق، والصالات الفارهة. ومعلوم، شرعاً وعقلاً، أن هذا يناقض تحصيل المصالح التي تأمر بها الفطرة فضلاً عن الشرع، وأنه تنافس في الدنيا قد أهلك من قبلنا، أفلا نخشى أن يجر إلينا الهلاك كما هلكوا، بل إن أمارات الهلاك ملحوظة في الحياة الزوجية التي تعقب تلك "الهيصات والبذخ" فتحمل الأزواج الديون الطائلة، وكذلك الآباء، ثم يجدون غِبَّها وبؤسها عقب سنين وأيام بعد ساعة فرح كان بالإمكان أن تمضي بأقل كلفة! وكنت قد زرت بعض دول الإسلام، وسررت بما رأيت من ملحقات للمساجد العظيمة المميزة عندهم، فمنها صالات الأفراح، والاجتماعات، وهذه من المصالح المرسلة التي يستحسنها العقل، وتوجب على العقلاء والعلماء وذوي الشأن مناقشتها، ولكن مشكلة مجتمعاتنا أنهم يرون العادة الحسنة ثم لا يسعون للاعتياد عليها، وكثيراً ما حاربوا من يحاول التجديد بها، بل بعض الناس يفعل الخطأ ويحاكمك عليه، ويجعله نصاً في التقاضي وكأنه قد قضي الأمر ولا مجال للنقاش والإصلاح، مع أن الصحابة كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن كان ما اقترحه وحياً لا يحق لهم مناقشته أم هو رأيه هو، فيمكنهم أن يدلوا بدلوهم فيه! لهذا قارنت بين ما رأيت وبين مساجدنا التي تعمر وأكبر همِّ من يريد عمرانها أن يجد مساحة واسعة ليلحق به مغسلة للأموات. وليس الحديث هنا عن غسل الميت وأحكامه، ولكن لا أدري لماذا أُلحقت مغاسل الأموات بالمساجد، والأصل الذي يتمشى مع قواعد التيسير أن تكون في المستشفيات، أو قريباً منها، أو عند المقابر أو قريباً منها. لكنها عادة انتشرت مع الأيام، كما انتشر أن الصلاة على الميت لا تكون إلا بعد فريضة، وكذلك ليس مقصودي أن أناقش هذا فله مجال آخر، لكن الشيء بالشيء يُذكر.. فصالة الأفراح التي تلحق بالمسجد، لا ريب أنها ستكون ميسرة للناس، وستلغي ما يتفاخرون به، وستقلل من تفاخرهم بالطرب الذي يحرمونه ويتسابقون إليه، وذلك لأن الناس بفطرهم يعظمون المساجد فلا يتعدون فعل المباح فيها. وأنت عزيزي القارئ لا تقرأ مجرد مقالٍ تمر عليه مرور الكرام، كما أني لم أكتبه إلا لتشاركني رأيك، وتدلي بدلوك، في ترشيد المجتمع إلى ما هو أحسن. إن في ديننا فسحة تمكننا أن نفرح، فالفرح في الإسلام رائع ينشرح به الصدر وتسر به العين ويحفظ به العرض والمال، في الإسلام كرم وليس في الإسلام تبذير ، في الإسلام تذكير وليس فيه تبتل وانقطاع، فنحن سنقف وسطًا في الفرح بين طائفتين، طائفة انقلبت فطرتها وأخذوا في تحريم كل ما له صلة بالفرح المباح، حتى أشبهت أفراحهم مجالس العزاء، وإن ارتسمت البسمة على شفاههم فهي مجرد تصنّع ليضفوا الشرعية على انتكاسة فطرهم فلا تسمع في فرحهم ما يدل على الفرح، لا شعراً يطرب، ولا صوتاً يُعجِب. وطائفة توسعت فلم تراعَ آداب الزفاف في الإسلام فأخذوا في المنافسة والتبذير واللهو المحرم، حتى يظن من يراهم أنهم في بلد غير بلاد المسلمين، فلا تسمع منهم تسبيحاً ولا تكبيراً ولا حمداً وكأنهم من الذكر قد منعوا، وهم لا يدرون أن الفرح يُذكر بالفرح"فبذلك فليفرحوا" والنعمة تذكر بالنعمة، والطيبُ يذكر بأطيب الخلق كما قيل: يقولونَ عندَ الطيبِ تَذكرُ أَحمدا فَهل عِندَكُم مِن سُنّةٍ فيهِ تُؤثَرُ فَقلتُ لَهُم لا إِنّما الطّيبُ أَحمَد فَأذكرُهُ وَالشيءُ بِالشَّيءِ يُذكَرُ

مشاركة :