نقل الرواية من برودة رفوف المكتبات إلى دفء العرض المسرحي

  • 7/12/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أحداث متشابكة ومصائر متباينة القنيطرة (المغرب) – من أول وهلة، يبدو الكتاب كأنه محور مسرحية “نسيان” في عرضها ما قبل الأول، بمدينة القنيطرة المغربية، فهو (أي الكتاب) أول ما يظهر على الخشبة تحت دائرة ضوء صغيرة، وهو يُرقَن على الآلة الكاتبة رواية جديدة تحت عنوان “امرأة النسيان”. وتسافر المسرحية بالمتلقي من الكتاب إلى الكاتب والشخوص والأحداث وحدود التماس بين الواقع والخيال، عبر مشاهد سلسة وممتعة، لا تترك للمشاهد فرصة الإحساس بالرتابة أو الملل، مع أن الأمر يتعلق بمغامرة فنية راهنت على الكتاب والكتابة كمادة أساسية لفرجتها الجدية، واستطاعت أن تجلب اهتمام وشوق الجمهور المغربي الذي تفاعل معها لمدة تزيد عن الساعة ونصف الساعة، معلنا عن نجاحها الكبير بتصفيق حاد عند انتهاء العرض. تدخل مسرحية “نسيان” المقتبسة عن روايتي “لعبة النسيان” و”امرأة النسيان” للروائي والكاتب المغربي محمد برادة، في إطار المشروع المسرحي المغربي لتوطين الفرق المسرحية، الذي أطلقه “المسرح المفتوح” خلال الموسم المسرحي الماضي 2017 بداية برواية “شجرة الخلاطة” للروائي المغربي الميلودي شغموم والتي تحولت إلى مسرحية “عيوط الشاوية”، وحققت نجاحا كبيرا، وهو المشروع الذي يتأسّس على تحويل الرواية المغربية من برودة رفوف المكتبات إلى دفء العرض المسرحي. أتت مسرحية “نسيان” التي ألفها السيناريست والكاتب المسرحي المغربي عبدالإله بنهدار ضمن مشروع تحويل الرواية المغربية إلى مسرح، مشتغلا بشكل موفق على روايتي الروائي والكاتب المغربي محمد برادة؛ “لعبة النسيان” و”امرأة النسيان”، والتي تولى إخراجها المسرحي مسعود بوحسين، تؤشر من خلال هذا العرض على فرجة مسرحية ممتعة ومتميزة سيتأكد الجمهور الواسع من جودتها في العروض القادمة. وفي رواية “لعبة النسيان” للروائي محمد برادة ترد شخصية “فاء باء” شخصية عابرة، لكنها في روايته الثانية امرأة النسيان تصبح “فاء باء” بطلة رئيسية، إذ عبرها تمرر عدة رسائل فكرية وثقافية وسياسية عن جيل الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ومن خلال الروايتين اختار الكاتب عبدالإله بنهدار لمسرحيته اسم “نسيان”، وهي شخصية منفتحة ومتحررة إلى أبعد الحدود، تابعت دراستها في باريس، ثم انتهى بها مسارها إلى أن تصبح حبيسة نفسها في منزل معزول بساحة “فيردان” بالدار البيضاء، وقد تغيرت نظرتها للحياة تغييرا جذريا عمّا كانت عليه في مرحلة الشباب، وبعد قراءتها “لعبة النسيان” طلبت من صديقتها “أضواء” أن تبحث لها عن كاتب الرواية لتصارحه بأن كل ما جاء في روايته يعنيها هي بالذات والصفات. ومن ثم، تنشأ مراوحة بين الواقع والمتخيل، من خلال إصرار شخصية “نسيان” على مقابلة الكاتب، لتؤكد له أنها امرأة من لحم ودم وليست مجرد خيال. ويندرج العمل ضمن ما يصطلح على تسميته بـ”المسرح الذهني” الذي تتصارع فيه الأفكار وتعجّ فيه الحوارات بأسئلة الوجود والفكر والتأمل، ممّا يذكر المشاهد بأعمال الرائد المصري الراحل توفيق الحكيم. أما بخصوص بنية التأليف التي يقوم عليها هذا النص، فإنها بقدر ما ترسم حالات درامية مؤثرة، بقدر ما تقدم للمتلقي مشاهد كوميدية حبلى بالسخرية والمفارقات اللفظية والسلوكية، بكثير من الجرأة التعبيرية، ولكن من غير تكلف أو إسفاف. ويرى الكاتب والإعلامي المغربي ياسين عدنان أن اشتغال عبدالإله بنهدار على روايتَيْ محمد برادة الشهيرتين “لعبة النسيان” و”امرأة النسيان” على فاء باء التي كانت شخصية متخيلة في “لعبة النسيان” قبل أن تثور على الرواية والروائي وتطالب الكاتب بالاعتراف بها امرأة من لحم ودم وأحلام مجهضة. ويسترسل عدنان “هكذا ستتسلل الشخصية خارج روايتها لتدعو الكاتب والقرّاء والمشاهد أيضا إلى مسكنها الأشبه ما يكون بمحْبَس في الدار البيضاء، حيث تعيش منذ عودتها من باريس خريفَ عمر سابقا لأوانه، حياة كئيبة مختلفة تماما عن حياتها الضاجة الصاخبة هناك، حياة تكابد فيها فاء باء العزلة والتوحّد والاكتئاب والجنون”. العمل يندرج ضمن ما يصطلح على تسميته بـ"المسرح الذهني" الذي تتصارع فيه الأفكار وتعج فيه الحوارات بأسئلة الوجود ويضيف عدنان “تنتصبُ مسرحية ‘نسيان’ دليلا على قابلية النص الأدبي لإطلاق العلامات الرُّكحية وإنتاج الخطابات الفرجوية، وبرهانا على أنّ التفاعل الإبداعي الخلّاق ممكن، بل ومطلوب ليس بين الأجيال الأدبية فحسب، ولكن بين الأجناس التعبيرية كذلك”. ومن هناك أتت مسرحية “نسيان” في شكل أحداث متشابكة ومصائر شخصيات متباينة يعيشها المشاهد في قالب فني يجمع بين المتعة والإفادة مع ممثلات وممثلين من خيرة الوجوه الفنية في المغرب، ومخرج عارف لأدق التفاصيل عن علاقة الممثلين بالخشبة وما تحتوي عليه من تقنيات وأدوات تجعل الفرجة مضمونة. والمسرحية من تأليف عبدالإله بنهدار، وإخراج مسعود بوحسين، ومخرج مساعد عزيز الخلوفي، أما التشخيص فلكل من: حسنة طمطاوي، حسن مكيات، عبدالله شكيري، نزهة عبروق وسارة عبدالوهاب الإدريسي.

مشاركة :