تنقلب القاعدة في مطعم «أوززي» (ozzy) في إهدن، فهناك لغة التخاطب بين الموظفين والزبائن تحمل الإنسانية بالدرجة الأولى كطبق لا تضاهيه بطعمه اللذيذ أي من أكلات المطبخ اللبناني المعروفة. فعلى الطّريق السريعة الذي يوصل ما بين البلدات الشمالية، وبالتحديد ما بين زغرتا وإهدن ينتصب مطعم من نوع آخر. 10 موظفين من أصحاب الاحتياجات الخاصة يديرونه ويشرفون عليه ويقدمون الخدمة الممتازة لرواده. يستقبلونك بابتسامة كبيرة ويدلونك على طاولتك ويدونون طلبك ويحملون لك الطبق تلو الآخر. فيرسمون أمامك لوحة إنسانية نادراً ما تصادفها في لبنان بعد أن كسرت صمتاً عميقاً يسود عادة علاقة اللبناني بأشخاص مختلفين.«يمكنني أن أصف هذه المبادرة بالإنسانية بامتياز، وهي نتيجة عمل تطوعي قمت به شخصياً لا أصبو من خلاله لتحقيق أي مصلحة شخصية، بل لأساهم في تأمين حياة كريمة لأصحاب الاحتياجات الخاصة»، تقول جاكلين مكاري المعروفة بـ«أم سمعان»، التي كانت صاحبة هذه الفكرة وترجمتها على الأرض. فجاكلين التي خسرت ابنها الوحيد سمعان وهو في ربيع عمره (16 سنة)، منذ نحو 7 أشهر إثر مرض أصيب به فجأة، قررت بين ليلة وضحاها هي المعروفة بمساندتها الجمعيات الخيرية في بلدة إهدن من خلال تقديمها خدمات تطوعية لهم، بأن تفتتح مطعم «أوززي» لاستقطاب أصحاب الاحتياجات الخاصة ومساعدتهم على الانخراط في الحياة العادية بعيداً عن الوحدة التي يعانون منها بسبب اختلافهم عن الآخرين.سافرت أم سمعان إلى أستراليا لتحقيق حلمها هذا فجمعت هناك من أصدقائها مبلغاً من المال ساعدها على افتتاح هذا المطعم. «ذهبت وأنا متشبثة بهدفي، وكانت فرحتي كبيرة عندما لمست كل هذا الاهتمام من قِبل أصدقائي المغتربين هناك فلم يتوانوا عن مدّ يد المساعدة لي وتشجيعي على القيام بخطوتي هذه»، توضح جاكلين في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط». وبعد أن استأجرت قطعة أرض، وبنت عليها غرفتي مطبخ وحمام، راح يكبر مشروعها هذا رويداً، فحوّلت مساحة الأرض التي تقارب الـ200 متر إلى واحة غنّاء تتلوّن بطاولات خشبية ومقاعد وأريكات تجتذب الزبائن من بعيد، وأطلقت على المكان اسم «أوززي». «اخترت خصيصاً هذا الاسم لأنه يرتبط ارتباطاً مباشراً ببلاد أستراليا فهي كلمة تشير إليها مباشرة ويستخدمونها هناك مختصرين اسمها الكامل بأربعة أحرف؛ فأردته بمثابة تحية وفاء لكل من ساعدني منهم هناك لإنجاز هذا المطعم».يقدّم المطعم أطباقاً خفيفة منها «فول مدمس» و«بليلة» وعجة البيض على الطريقة الأسترالية وسندوتشات خفيفة تصلح لأوقات الفطور والعصرونية. ويستمتع الزبائن بالجلوس في أرجاء «أوززي» الذي تغطيه الخيم مع «بيرغولا» لتؤلف معا جلسات مريحة في الهواء الطلق. «هو مطعم صيفي أكثر مما هو شتوي ويحلو للزبائن الذين يقصدونه بأعداد كبيرة، الجلوس في باحاته بفضل طقس إهدن الجميل الموصوف للاستجمام في هذا الفصل»، توضح أم سمعان التي تمارس مهنة مزينة نسائية في صالون تمتلكه في إهدن.
مشاركة :