إرنستو تشي جيفارا؛ اسم أشهر من نار على علم، الكثير من الأفلام والروايات والقصص واللوحات وغيرها من الفنون تناولت هذا الثائر وسيرة حياته، لكن ورغم ذلك بقيت تفاصيل مهمة أخرى غامضة حوله، هذه التفاصيل يرويها شقيق جيفارا لأول مرة وبعد خمسين عاما من رحيله، في كتاب صدر أخيرا بعنوان “أخي تشي”. بيروت- يروي كتاب “أخي تشي” لخوان مارتن جيفارا الكثير من التفاصيل عن حياة أخيه الأكبر الثائر الشهير أرنستو تشي جيفارا. ووقع تشي جيفارا ورفاقه في قبضة كتيبة من الجيش البوليفي وبعض رجال المخابرات الأميركية، وفي التاسع من أكتوبر 1967 أطلق جندي الرصاص على تشي تنفيذا لأمر قائده، وقام جنود آخرون بتنفيذ تعليمات نفس القائد فمثلوا بالجثة، أخذوا يديه المبتورتين اللتين قطعتا من أجل حفظ بصماته لاستخدامها لاحقاً في التعرف على هويته، وحرقوا متعلقاته ومن ضمنها مذكرات أيامه الأخيرة في غابات بوليفيا، ودفنوه مع رفاقه في قبر جماعي، حتى لا يتعرف أحد على جثته، وليظل موته سرا معلنا، فقد أعلنت السلطات البوليفية في اليوم التالي عن مقتله، لكن الأسرة التي كانت قد فقدت أثره قبل أسابيع سارعت بنفي الخبر، حتى أكد لهم فيدل كاسترو الخبر في الثالث عشر من أكتوبر. عندما أيقنت الأسرة برحيل تشي، وقرر الجيش البوليفي عرض جثة جيفارا في وسط حديقة المستشفى المحلي لمدة سبع عشرة ساعة ليكون عبرة لغيره من المخربين -كما وصفهم-، وفي الحادي والعشرين من أكتوبر1967، اختفت جثة أرنستو على نحو غامض. يقول خوان مارتن جيفارا في كتابه “أخي تشي” لقد “وصلنا نبأ مقتله في العاشر من أكتوبر عندما نُشرت صورة مقتله، ورأى بعضنا أنها صورة مزورة في حين وجدتها حقيقية. وبعد يومين طار أخي روبرتو إلى فالي جراندي للتعرف على جثته، إلا أنه لم يجد أي جثة هناك. ثم طار روبرتو إلى لاباز ولم يجد أي جثة هناك. وعاد أخي في نهاية المطاف إلى بوينس آيرس من دون أن يرى شيئا يدل على موت أرنستو”. يؤكد خوان مارتن “لم يقصدوا تصفية تشي جسديا فحسب بل القضاء على كل شيء له صلة به حتى لا يكون له قبر، وتصفية صورته واغتيال أفكاره”. يقول جون لي أندرسن “إذا ما وجد ثائر أو مقاومة فإن ذلك الوجه يبقى هناك: ذلك البطل الثوري البوليفي الذي تدعوه الراهبات القديس أرنستو”. كفاح جيفاراكفاح جيفارا يقول خوان مارتن في استهلاله لكتابه “كوني أخاً لتشي لن يكون شأناً تافهاً”، ويضيف في موضع آخر “يصعب علي أن أشرح كيف تحوّل أخي إلى تشي، وكان يكبرني بخمسة عشر عاما، لهذا كان ينظر إلي بأنني طفل صغير. ولكنه لم يضغط علي بل كان يداعبني، كان يعاملني مثل ابن له”. ويضيف “كان هناك فارق في العمر بيننا يبلغ 15 عاماً. كنت أستمع إليه أكثر مما كنت استمع إلى أشقاء لي في نفس العمر. هل كان مثل الأب؟ ربما كان بديلاً له، ولكن في الوقت نفسه، كنا نفعل الأشياء التي يفعلها الإخوة فقط، كنا نلعب كرة القدم، وكنا نمرح سوياً”. ويتذكر “كان والدي يريد العيش دون أن يقيده شيء، ويمكنك القول إنه كان إلى حد ما منطلقا، وهذا أعطانا الشعور بأننا يمكن أن نسافر، وأن نرى العالم. في حين أن والدتي كانت أكثر صرامة، وكانت لديها أفكار صعبة جداً. كان تشي مزيجاً من الاثنين… نشأتُ في ظل أرنستو ولم أستطع الفرار منه”. يكتب تشي في رسالة لوالده “بوسعي أن أصبح رجلاً ثرياً لو زاولتُ مهنتي وقمت بفتح عيادة لمعالجة المصابين بالحساسية، ولكن مثل هذا الإجراء ليس إلا خيانة للكائنين اللذين يتصارعان في أعماقي أنا الاشتراكي وأنا الرحالة”. الرحالة دفعه لتأجيل دراسته للطب لمدة عام استغرقته رحلته الأولى بالدراجة البخارية إلى بلدان القارة اللاتينية، تلك الرحلة التي صهرت وعيه وجعلت منه ذلك الثائر، فعاود ارتحاله ثانية مستقلا القارب “جرانما” ليبحر من المكسيك إلى كوبا، يقول المؤلف “حتى عام 1956، كنت خوان مارتن جيفارا، وبحلول عام 1957، أصبحت شقيق الثوري إرنستو جيفارا، رفيق فيديل كاسترو والمحارب الشجاع. ثم الأسطورة”. بعد انتصار الثورة دعا جيفارا أهله، فالتقوا في هافانا، كان خوان معجبا بأخيه الذي يقنع براتب جندي، لكن الأب يطلب سيارة مع سائقها ويقابل مدير البنك ورؤساء الشركات ويعقد الصفقات مستغلا كونه أبا لأرنستو تشي، لكن صبر الابن نفد فأعاد الأب إلى الأرجنتين. توقف خوان مارتن لسنوات عن استعمال اسم عائلته يقول “من الخطر أن تكون مرتبطاً بتشي جيفارا”. لكنه لم يستطع تجنب اتباع الأفكار مما قاده إلى السجن لثماني سنوات، وهناك يراه ضابط قضى حياته في ملاحقة يساريي حرب العصابات، ويدرك مدى الشبه بينه وبين جيفارا، وحينما يخبره باسمه الحقيقي يقول “يا له من رجل عجيب أخوك الرائع”. وظل ملتزما بقرار الأسرة بالسكوت عن كل ما له شأن بجيفارا وموته حتى عام 2006، حينما تراجعت الحكومة الأرجنتينية عن وعدها المعلن بتعويض السجناء السياسيين انتقدها خوان عبر مؤتمر صحافي، وكان لا بد أن يتحدث فيه عن جيفارا. وبعد ستة وأربعين عاما من مقتل جيفارا تجرّأ شقيقه على زيارة المكان الذي أعدم فيه فقرر حينئذ تأليف الكتاب بغرض إظهار تشي إنسانا طبيعيا له أم وأب وإخوة وليس كائناً خرافياً أو أسطوريا. ونذكر أن كتاب “أخي تشي” لخوان مارتن جيفارا صدر مؤخرا في كل من المغرب ولبنان عن المركز الثقافي العربي، في خمسمئة وستين صفحة ترجمها حسين عمر.
مشاركة :