إن الخوف والقلق من عدم معرفة كل شيء والوجود في كل مكان ومعرفة كل ما يحصل من حولنا، يجعل البعض منا يتفحص حساباته على مواقع التواصل الإجتماعي عشرات المرات في اليوم، لدرجة تجعله يدخل على حسابه على فيسبوك كل 5 دقائق تقريباً رغم علمه بأنه ليس هناك من جديد، ويشعر برغبة في الوجود مع أصدقائه حين يرى صورهم الجميلة منتشرة على "السوشال ميديا"، هذه الحالة تعرف بمتلازمة الـ"فومو". via GIPHY في أوائل القرن الواحد والعشرين ظهر مصطلح Fear of missing out الذي اندرج في العام 2013 في قاموس "أوكسفورد"، بحيث تم التعريف به على أنه القلق من تفويت حدثٍ مثيرٍ للاهتمام يحدث في مكانٍ آخر، وغالباً ما تعزز هذه الحالة كثرة المشاركات على وسائل التواصل الاجتماعي. واللافت أن ضحايا "الفومو" يشعرون بالخوف المستمر من عدم معرفتهم بالمناسبات الاجتماعية وتقلقهم مسألة التغيّب عن بعض النشاطات الحياتية إذ يصابون بالذعر من أن تفوتهم أية مناسبة صغيرة أم كبيرة: تمضية نهار مع العائلة، مشاريع مع الأصدقاء، أعراس... وإذا تعذر عليهم الحضور يستفسرون عن أدق التفاصيل التي حصلت، بالإضافة إلى إدمانهم متابعة كل ما يحدث على شبكات التواصل الاجتماعي خشية أن تفوتهم الأوقات السعيدة التي يحظى بها الآخرون.أقوال جاهزة شاركغردبقاؤنا في السابق كأفراد ضمن القبيلة كان مرهوناً بإدراكنا للتهديدات الموجهة إلينا ومعرفتنا بكل ما يجري حولنا كان أمراً حاسماً للبقاء على قيد الحياة، مثل عدم معرفتنا مثلاً بوجود مصدرٍ جديدٍ للطعام. شاركغردفي حال شعر المرء بأنه لم يعد جزءاً من "المجموعة" فهذا قد يعد كافياً لتحفيز اللوزة الدماغية على التعامل مع الموضوع وفق المنطق التالي: إما القتال أو الهروب. فكيف نشأت هذه الظاهرة؟ صحيح أن مصطلح "فومو" حديث نسبياً إلا أن هذه الظاهرة ليست جديدة بل تعود لحقبةٍ قديمة، وفق ما أكدته الأخصائية في علم النفس "أنيتا سانز"، التي توضح أن بقاءنا في السابق كأفراد ضمن القبيلة كان مرهوناً بإدراكنا للتهديدات الموجهة إلينا والأخطاء المحدقة بالمجموعة الأكبر التي ننتمي إليها. via GIPHY من هنا تشير "سانز" إلى أن "معرفتنا" بكل ما يجري حولنا كان أمراً حاسماً للبقاء على قيد الحياة، ففي حال عدم معرفتنا مثلاً بوجود مصدرٍ جديدٍ للطعام، فهذا يعني أننا قد أخطأنا حرفياً في شيء يمثل فارقاً بين الحياة والموت. وتشرح "أنيتا" أنه عندما بدأ البشر بإنشاء مجتمعاتٍ زراعيةٍ أكثر استقراراً، كان من المفترض عليهم الانتباه لكل ما يحصل والوجود في الأمكنة والأوقات المناسبة للحصول على الموارد والمعلومات، وانطلاقاً من هذا الأمر بدأت عادة الانخراط في "القيل والقال" والثرثرة عن الأحداث التي تحصل في اليوم. أكمل القراءة تفادي الإستبعاد بالرغم من أن مسألة المعرفة لم تعد متعلّقة بالحياة أو الموت كما في السابق، هناك مجموعة من الأسباب التي تدفع بعض الأشخاص إلى الشعور بالقلق من أن يفوتهم أي شيء يحصل من حولهم، ولعلّ أهمها الخوف من فكرة الاستبعاد. تشرح "سانز" أنه بسبب طبيعتنا البشرية، فإن الاستبعاد عن حدثٍ مهمٍ يجعلنا ننتبه له أكثر من غيره، ونستجيب له بسرعة، معللةً ذلك بوجود جزء من دماغنا مخصص للاستشعار عند حدوث مسألة الاستبعاد. via GIPHY توضح عالمة النفس أن هذا الجزء من الدماغ، الذي يعرف بـ"اللوزة الدماغية"، هو مسؤول أيضاً عن اكتشاف الأمور التي تشكل تهديداً لبقائنا، وبالتالي في ظل غياب المعلومات الحيوية الكافية أو في حال شعر المرء بأنه لم يعد جزءاً من "المجموعة" فهذا قد يعد كافياً لتحفيز اللوزة الدماغية على التعامل مع الموضوع وفق المنطق التالي: إما القتال أو الهروب. وتكشف "سانز" أن أكثر الأشخاص عرضةً للإصابة بالـ"فومو"، هم الذين تكون لوزاتهم العصبية عالية الحساسية تجاه التهديدات المحيطة بهم، وخاصة الأفراد الإنطوائيين الذين يعانون من قلقٍ اجتماعي أو الذين تعرضوا لصدمةٍ عاطفيةٍ في الماضي أو أولئك الذين يعانون من الهوس القهري. الإدمان على التفقد الإلكتروني التدفق العشوائي من التحديثات والصور والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يخلق ضغطاً نفسياً لدى ضحايا "الفومو"، لأن خوفهم من التغيّب عن أي شيء، يجعلهم يقعون في فخ "الإدمان" على الأجهزة الذكية. via GIPHY من هنا نلاحظ أنهم ينخرطون في العالم الافتراضي بشكلٍ ينسيهم حياتهم اليومية، فيقومون بالتحقق من وسائل التواصل الإجتماعي مباشرةً بعد استيقاظهم من النوم، وأثناء تناول وجبات الطعام حتى أثناء القيادة... إذ كشف استطلاع أجراه موقع MyLife أن 56% من الأشخاص الذين يستخدمون شبكات التواصل الإجتماعي يعانون من الخوف من فوات الأحداث والأخبار، كما تبين أن 28% منهم يتفقدون حساباتهم بمجرد التستيقاظ من النوم. واللافت أن الشعور بالتوتر والقلق الذي يصاحب عملية الاستبعاد، يدفع العديد من الأشخاص لتفادي الإحساس بالاستبعاد من خلال مضاعفة جهودهم لعدم تفويت أي شيء، فينتهي بهم المطاف إلى دوامةٍ مغلقةٍ، إذ يتفقدون بشكلٍ "مرضي" حساباتهم على فيسبوك وتويتر بهدف متابعة كل المستجدات، غير أن هذا السلوك "الهستيري" المتمثل بالانتباه المفرط في متابعة كل الأحداث لا يخفف من حدّة توترهم بل يجعلهم يفقدون الهدوء والسكينة، إضافة إلى الآثار السلبية على صحتهم وعلى روتينهم اليومي. ففي دراسة حديثة نشرت في Motivation and Emotion، عمل العلماء من جامعتي "كارلتون" و"ماك غيل" على دراسة البعد النفسي والاجتماعي لظاهرة الـ"فومو" وتأثيرها على طلاب السنة الأولى، وقد تبيّن أن الذين يعانون من الخوف من تفويت شيء ما هم أكثر عرضةً لاختبار قلة النوم وللشعور بالمزيد من التعب، إضافة إلى فقدانهم القدرة على الاستمتاع بأي شيء في الحياة. اقرأ أيضاًثقافة الطعام الإباحي أو الفود بورن: الإدمان على الـ"ديليشس"اللذة أسلوب هيتشكوك: لماذا تشعرنا المواقف المرعبة بالمتعة والإثارة؟لماذا نُدمِن المسلسلات التلفزيونية ونقع في حب أبطالها؟إذا كنتم تعانون من المشاكل فإن هذه المقالة ستفيدكم حتماً رصيف 22 رصيف22 منبر إعلامي يخاطب 360 مليون عربي من خلال مقاربة مبتكرة للحياة اليومية. تشكّل المبادئ الديمقراطية عصب خطّه التحريري الذي يشرف عليه فريق مستقل، ناقد ولكن بشكل بنّاء، له مواقفه من شؤون المنطقة، ولكن بعيداً عن التجاذبات السياسية القائمة. كلمات مفتاحية التواصل الاجتماعي العلاقات التعليقات
مشاركة :