مع انطلاق صافرة الحكم غدا الأحد إيذانا بانتهاء آخر مباراة فى مونديال روسيا 2018 ، وتتويج الفائز كرواتيا أو فرنسا على عرش كرة القدم للسنوات الاربع المقبلة، يقفز إلى أذهان شريحة خاصة من شرائح مشجعى كرة القدم، وهم الدبلوماسيون والموظفون فى مقر الامم المتحدة فى نيويورك، سؤال: هل يمكن ترجمة حمى كرة القدم إلى عمل دبلوماسي؟ قال كارل سكاو نائب السفير السويدي لدى الامم المتحدة، لوكالة الانباء الالمانية (د.ب.أ): "إن فعاليات كأس العالم تعتبر مدخلا واضحا للحوار". ليس غريبا إذن أن تتعالى الصيحات في مقر الأمم المتحدة، من جانب هؤلاء المحتشدين أمام شاشات التلفزيون فرحا أو حزنا على هدف احرزه فريق، أو سكن في مرمى فريق آخر! وعندما تضع الحرب الكروية غدا الاحد أوزارها، يكون قد مضى شهر كامل، احتشد خلاله مشجعو كرة القدم أمام شاشات التليفزيون فى مختلف انحاء العالم، ناهيك عن ملايين المشجعين الذين تكبدوا عناء السفر الى روسيا لمشاهدة منافسات البطولة الأكثر جماهيرية في العالم بين الانشطة الرياضية المختلفة. ولفترة قصيرة ، وجد دبلوماسيو وموظفو الامم المتحدة، في متابعة مباريات كأس العالم متنفسا لهم للتخلص من متاعب وهموم المناقشات السياسية المحمومة التي يعايشونها ليل نهار. وطوال فترة المنافسات، لم يفت المراقب للحركة الدؤوبة في أروقة ودهاليز مقر المنظمة الدولية في نيويورك ملاحظة تلك الحركات التى تنم عن توتر بين الدبلوماسيين والموظفين، غير ناجم عن مناقشات سياسية حامية هذه المرة، بل بسبب الميل الى منافس فى مونديال روسيا دون آخر، وعكست حركات مثل هز الرؤوس وتحريك الايدي بعصبية، أو إطلاق صيحات الغضب أو الابتهاج ، هذه الحالة الاستثنائية. إنها فعلا "حمى كأس العالم" التي أصابت مقر المنظمة الدولية الكائن في وسط مانهاتن بنيويورك - والذي يمر به يوميا دبلوماسيون وموظفون من الدول الأعضاء البالغ عددهم 193 دولة. ومع ارتفاع نسبة الرطوبة في الجو خلال فصل الصيف في نيويورك، وشدة المنافسة، فقد أصبحت رؤية قمصان كرة القدم ذات الألوان الزاهية، أمرا شائعاً بين المزيج المعتاد للبدلات الرمادية والزرقاء والسوداء في أروقة ومقاهي المبنى الأممي. وكان سفير موسكو في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبنزيا، دشن الاحتفالات عندما تولت روسيا - المضيفة لكأس العالم - رئاسة مجلس الأمن الدولي في يونيو الماضي. واحتفل سفراء مجلس الأمن الخمسة عشر، بانطلاق فعاليات كأس العالم بارتداء قمصان فرق كرة القدم الخاصة ببلادهم، بل إن الاحتفالات شملت أيضا هؤلاء الذين لم تتأهل بلادهم للمشاركة في المونديال. ومن جانبه، أعطى الأمين العام للأمم المتحدة رئيس وزراء البرتغال السابق، أنطونيو جوتيريش، إيماءة للدلالة على الحياد الدبلوماسي لدوره، وذلك من خلال ارتداء زي الحكم. وداخل قاعة الوفود، يتسابق الموظفون والدبلوماسيون، لحجز مقاعد تتيح لهم مشاهدة افضل عبر شاشات التليفزيون المنتشرة. ومن جانبه، قال نيبنزيا مازحا: "كنا نفكر في (توفير جهاز تلفزيون) داخل مجلس الأمن، ولكننا تراجعنا عن هذه الفكرة في وقت لاحق". من ناحية أخرى، أشار ميروسلاف لاجاك، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى العلاقة القوية بين الرياضة والسلام، وذلك أثناء انطلاق البطولة. وقال لاجاك: "من الممكن لكرة القدم أن تجمع الناس سويا، حتى في وقت الحرب.. قد يكون لدينا عادات أو وجهات نظر مختلفة، ولكن بمجرد أن نذهب إلى الملعب، نكون جميعا متساويين". وكان الأعضاء الخمسة عشر في مجلس الأمن سعوا جاهدين في الآونة الأخيرة من أجل التوصل إلى اتفاق حول القضايا الكبرى، ولكن، مع تولي السويد رئاسة المجلس لشهر يوليو الحالي، ذكّر رئيس مجلس الامن، السفير السويدي أولوف سكوج للصحفيين بأن حدة التوترات قد تراجعت بعد رحلة استرخاء مع سفراء بارزين من الدول في احد المنتجعات بجنوب السويد في وقت سابق من العام الجاري. وأوضح سكوج: "أن هذا الشعور بوجود قواسم مشتركة وهدف مشترك متمثل في احترام بعضنا البعض، مع احترام المسؤولية الضخمة التي تقع على عاتقنا، يجب أن يكون النجم المرشد لنا في عملنا". وأضاف: "إن تحركنا ومحاولتنا العمل بجد وبشكل جماعي، هو أمر ضروري - ولكن غير كاف - لتحسين العمل، ومع ذلك فهو على الاقل جهد لدينا القدرة على محاولة تحسينه هنا في نيويورك". لقد شارفت بطولة كأس العالم لكرة القدم على الانتهاء، بعد شهر كامل ربما تمتع خلاله دبلوماسيو الامم المتحدة بقسط من الراحة من المناقشات السياسية في مجلس الأمن وغيره من وكالات واجهزة الامم المتحدة المختلفة. طوال فترة البطولة الكروية، شوهد دبلوماسيون يقفون أمام شاشات التلفزيون للتعرف على نتائج المباريات، ودعم منتخبات بلدانهم أو اغتنام الفرصة للتفاعل مع أقرانهم - بعيدا عن ضغوط مناقشات الصراعات العالمية، والاقليمية، أو الدفاع عن مواقف بلادهم المختلفة ازاء مختلف القضايا المطروحة على طاولات المناقشات. وفى المقابل، كان هناك رؤساء وملوك دول وحكومات ومسؤولون بارزون،اصروا على حشد همم منتخبات بلدانهم من المدرجات، وكانت المصافحة والعناق، سيدة الموقف بغض النظر عن الفائز والخاسر. والآن، وبعد أن انتهى هذا العرس الكروي، يحدو المراقبين الأمل أن تنتقل روح العمل الجماعى الرياضية الى المناقشات في أورقة الأمم المتحدة بعيدا عن المشاحنات السياسية.
مشاركة :