تتفطن أعداد من الأمهات إلى شرود ذهن الابن أو البنت في البيت أو المدرسة، وكثيرا ما يلفت انتباههن هذا السلوك خصوصا إذا أثّر على تواصل الطفل وانتباهه في البيت وعلى تحصيله المدرسي. وقد لا يجد الأولياء تفسيرا لهذا الشرود لأن الطبيعي في نظرهم ألا يوجد ما يشغل بال طفلهم، فاهتماماته البسيطة تتمحور حول اللعب وتناول الطعام والخروج مع الأسرة، لكنّ مختصين في علم النفس ينبهون إلى أن شرود الطفل يعد مؤشرا على مشكلة نفسية، وينصحون بعدم الاستخفاف بهذه المسألة لما ينجرّ عنها من تأثيرات سلبية على نمو الطفل وحياته المستقبلية القاهرة - لاحظت عبير محمود، وهي أم لثلاثة أطفال، أن ابنها الصغير الذي يدرس في الصف الرابع من المرحلة الابتدائية يشرد كثيرا، وتقول “رغم محاولاتي إثارة انتباهه وحثه على استعادة تركيزه خصوصا عند القيام بواجباته المدرسية إلا أنني فشلت – حتى عبر الصراخ بصوت عال- في إخراجه من حالة قلة التركيز التي تنتابه”. وتضيف “بعد الحديث مع معلميه قررت عرضه على طبيب نفسي، ومن خلال زيارة الطبيب اكتشفت أن هناك متاعب نفسية سببها حالة من عدم الرضا لدى طفلي على حياته في البيت وعلاقاته مع إخوته، وهي التي تقف وراء إصابته بهذه الحالة من شرود الذهن”. وشرحت عبير أن فارق السن بين ولدها الصغير وإخوته جعلهم لا ينسجمون معه حتى في اللعب ويستولون على ألعابه. كما أنها كانت تتقبل شكواه من الأمر بسلبية ولا تهتم كثيرا لانزعاجه من ذلك بسبب انشغالها بأعباء البيت والعمل ما جعل معاملتها لهم قاسية لا تقوم على الاستماع إليهم ومحاورتهم وتفهّم مشكلاتهم. بعد نصائح الطبيب اتبعت الأم أسلوبا جديدا في التعامل مع ابنها الصغير ومع إخوته، وحاولت ربط علاقة جديدة معه تقوم على العناية النفسية وعلى الانتباه لمشكلاته وتفهمها ثم محاولة حلها وسعت إلى تحسين علاقته بإخوته لكي يشعر بحنان جل أفراد أسرته وباهتمامهم به، الأمر الذي من شأنه أن يخرجه من حالته النفسية المضطربة ويبعد عنه حالة الصمت والشرود الدائم. ومن جانبها تقول مدرسة اللغة العربية في المرحلة الابتدائية صفاء أحمد “من الحالات التي لا أنساها حالة التلميذة هدى بالصف الثالث الابتدائي والتي كلما سألتها أجدها لا تجيب وتائهة ولا تدري ماذا تقول. تعاونت معي الأخصائية الاجتماعية فلم تجد هي الأخرى سبب شرود هدى والصمت ثم البكاء، واكتشفنا المشكلة حينما جاءت الأم وأكدت أنها ليست سعيدة مع زوجها، وأن ابنتها تشاهد يوميا الخلافات والمشاجرات بينهما في البيت”. وترى أستاذة الطب النفسي بجامعة عين شمس هبة عيسوي أنه يجب الحذر من شرود الذهن لدى الأطفال، فالنظرة العامة للظاهرة أن الطفل قد يعاني من خوف أو قلق أو لديه مشكلة نفسية تجعل الآباء لا يسعون للقيام بفحص معمق لحالاتهم مع الطبيب المختص، فقد يكون الطفل عبقريا أو يفكر ويشرد ذهنه بطريقة فيها شيء من الإبداع. لا داعي للانزعاج المبالغ فيه من شرود الذهن عند الأطفال إلا إذا رافقه توقف عن الحركة وغياب لحظي عن الوعي وفي هذه الحالة من الضروري أن تتاح له فرصة المشاركة في الأنشطة الفكرية والإبداعية مثل الكتابة والرسم والتعبير والصور. ولكن إذا كان هذا الشرود يدل على اختلال في درجة من درجات الوعي، ويصنف باعتباره إحدى درجات فقدان القدرة على التركيز، فهنا يحتاج الطفل إلى عناية تربوية وطبية. وتشير عيسوي إلى أن شرود الذهن الذي يعاني منه معظم الأطفال ويلاحظه الآباء دون أسباب واضحة، هو مشكلة ترجع إلى أسباب نفسية، ولا تتسبب غالبا في فقدان الوعي أو الحركة، ولكنها غالبا ما تقف وراء فقدان التركيز، وتُرجع للقلق أو الخوف، وفي حالة الأطفال في المدارس، قد تكون بسبب طول ساعات الدراسة أو الخوف والقلق من الامتحانات، أو الخوف من المدرس، أو مشاكل المدرسة وغيرها، إلى جانب الإفراط في مشاهدة الأفلام الكرتونية والألعاب الإلكترونية. ويقدم المختصون مجموعة من النصائح التي يمكن اعتمادها كطرق أولية للتعامل مع الطفل الذي يلاحظ عليه شرود الذهن ومن بينها تنظيم الوقت المخصص لمشاهدة الأفلام أو الألعاب الإلكترونية وتجنب الإفراط فيها، ومن الممكن جعل الطفل مشاركا في أحداث ممتعة حين يقص على أفراد أسرته أحداث برنامج أو فيلم حتى يتذكر ويَقوى التركيز لديه حين يستعيد أحداثا معينة. ويجب على الأسرة أن تتعامل مع الطفل باحترام وحب وحنان ورعاية متكاملة وأن يكون البيت مصدرا للأمان والراحة وليس الخوف والقلق، وكذلك يجب إتاحة الفرصة للاختلاط بالأطفال في عمره دون مقارنته بهم. وتقول الكثير من الدراسات إنه لا داعي للانزعاج المبالغ فيه من حالات شرود الذهن عند الأطفال لأن هذه الحالة طبيعية، لكن إذا رافقها توقف عن الحركة وغياب لحظي عن الوعي حينها يجب استشارة الأطباء. ويؤكد استشاري الطب النفسي بكلية الطب بجامعة القاهرة عبدالله مكي أن أسباب شرود الطفل كثيرة قد تكون نتيجة لعدم نومه بشكل كاف، أو عدم تناوله لوجباته الغذائية بشكل منتظم ومتوازن وهي من الأشياء التي تؤثر فعليا على درجة التركيز والفهم عند الأطفال. ويوضح مكي أن المشكلات الأسرية تعتبر من أكثر الأمور التي تشغل بال الطفل وتشتت تفكيره وتجعله دائما شاردا. ويضيف “يوجد من الأطفال من يتسم بضعف قدراته في الدراسة ما يدفعه رغما عنه إلى عدم التركيز دائما. وعلى جانب آخر قد يكون المعلم سببا في شرود الطفل بسبب طريقة شرحه للمادة الدراسية، فبعض المدرسين لا يغيرون نمط وطريقة شرحهم وينتهجون أسلوبا واحدا للشرح، ما يبعث الملل في نفس الطفل فيسهو ولا يتابع الدرس، والبعض الآخر لا يشرّك الطفل أثناء الشرح ويعتمد على طريقة إعطاء المعلومة دون تفاعل مع التلميذ، وهي من بين الأسباب التي تسبب شرود الطفل أثناء الدرس وتساهم في إضعاف قدراته على التعلم. ويجمع هؤلاء المختصون على أن علاج حالات قلة التركيز وشرود الذهن عند الأطفال يجب أن تشارك فيها الأسرة والمعلم، فالأخير عليه أن يغير دائما من طرق شرحه حتى لا يمل التلاميذ ولا مانع من فاصل قصير بين الحين والآخر يتحدث فيه المعلم عن أشياء طريفة لتكسر حاجز الملل عند الأطفال، وعلى الأسرة أن تنتبه وتتفطن لوقوع الابن في شرود الذهن وتتحدث معه بهدوء لمعرفة ما يشغل باله وما يؤرقه حتى تتمكن من إيجاد الحلول ومن إخراجه من هذا الوضع.
مشاركة :