بعد أكثر من شهر من المنافسات “المستعرة”، ستحط “الحرب” المونديالية أوزارها، ستنتهي كل المعارك “الضارية”، لم يبق في الساحة سوى فارسين فقط يحلمان ويتطلعان لإنهاء هذا المشوار الطويل والمنافسات المنهكة بالطريقة المثلى، كل طرف منهما يريد تدوين اسمه في التاريخ والسجل المونديالي الذي سيظل خالدا إلى الأبد. الموعد إذن سيكون مع الدور النهائي لكأس العالم لسنة 2018 الذي نجحت روسيا في تنظيمه بشهادة رئيس الاتحاد الدولي جياني إيفانتينو. لقد استقطب العرس المونديالي الملايين من الزوار والمليارات من المشاهدين دأبوا على متابعة 63 مباراة في انتظار الحدث الأبرز مع المشهد الختامي الذي سيحسم المصير وينهي الجدل ويضع حدا للصراع المستمر. اليوم سيكون الموعد مع إطلالة صاحبة السعادة، تلك العروس التي ستزف الليلة لفارسها المغوار، تلك الفاتنة صاحبة القوام الممشوق التي طالما حلم بها كافة العشاق، لكنها أبيّة متمنّعة لا ترضخ سوى لمشيئة الأبطال الأشاوس ولا تقبل سوى بمن بذل الغالي والنفيس وحافظ على رباطة جأشه وهدوئه وقوته على امتداد سبع مراحل من المعارك المتواصلة. ذات القوام الممشوق، أو هذه الكأس الفاخرة، صاحبة اللون الأصفر الذهبي التي تشع مرة واحدة كل أربع سنوات ستختار اليوم فارسها، ستقف وتطل من أعلى المنصة تتطلع وتراقب فصول “حرب” الحسم بين المنتخبين الفرنسي والكرواتي، ستنتظر بكل الشغف اللامتناهي مع المتابعين والمشاهدين من سيكون صاحب الحظ السعيد الذي سينال شرف معانقتها ورفعها عاليا. لا شيء في عالم كرة القدم يساوي قيمة وأهمية وتأثير مثل هذه الكأس العالمية، فهي تبدو مثل “الساحرة” المثيرة والمتمنعة، لا تقدر على الاقتراب منها سوى قلة قليلة من الفرسان المهرة، لكم أن تدركوا هذا الأمر من خلال الاطلاع على فصول تاريخ المسابقة العالمية الأعرق في الكون. فعلى امتداد 88 سنة من المنافسات في هذه البطولة العريقة لم يقدر على تطويع هذه الفاتنة سوى ثمانية منتخبات فقط بحساب الكأس القديمة، التي لا تضاهي في روعتها وجمالها ألق النسخة الحالية التي زادت ببهائها وضوئها ونفوذها البطولة العالمية قوة وتأثيرا. كأس العالم هي حلم العالم، حلم يراود الجميع، حلم قد يتحوّل أحيانا إلى واقع يجعل المتوّج يسمو إلى أعلى نقطة في الفضاء، وقد يتحوّل أحيانا أخرى إلى كابوس وسقوط مؤلم يدمع الأعين ويدمي القلوب. عديدة هي الأمثلة التي تبرهن سحر هذه المتمنعة الجميلة ذات القوام الممشوق، بل في كل مرة ومع كل إطلالة بعد غياب أربع سنوات متتالية يأتي الدليل على مدى تأثير هذه الكأس وأهميتها الكبيرة، ففرحة تلك “الزفة” بذات المقام الرفيع تجعل الدموع تنهمر بغزارة سواء بالنسبة لمن يكسب أو من يخيب. لنا في حدث مع مارادونا في مونديالي 1986 و1990 خير مثال، فاللاعب الأرجنتيني العبقري كاد يغرّد وينشد فوق سحابة في عنان السماء بعد التتويج باللقب العالمي في مونديال المكسيك، لكنه بعد أربع سنوات بكى كما لم يبك في تاريخه أبدا بعد الخسارة في المباراة النهائية ضد ألمانيا في مونديال إيطاليا. اليوم لمن ستكون دموع الفرحة ولمن سيواصل البكاء طويلا في هذا المشهد الختامي بين منتخب فرنسي قوي ومتحفز وجاهز من كل النواحي، ومنتخب كرواتي قدّم عروضا خرافية في هذا المونديال التاريخي ودوّن اسمه بأحرف من ماء الذهب بعد وصوله لأول مرة في تاريخه للمباراة النهائية. هي مباراة ستدخل التاريخ وستكتب في السجل الذهبي للمونديال، مباراة خاصة بل شديدة الخصوصية، فهي ستقام أمام حضرة الأميرة الساحرة، تلك الجميلة التي تشع بريقا بعد أن تلحفت برداء ذهبي خالص، تأهبا للاحتفاء بفارسها الجديد الذي سيخلف المنتخب الألماني صاحب السعادة في المونديال السابق. اليوم وبحساب الدقائق قد يقتصر الحوار على 90 تسعين وقد يمتد لأكثر من ذلك، لكن في المحصلة، فإن اللحظة الأهم والأكثر تاريخية ورمزية ستكون بلا شك لحظة معانقة هذه الأميرة المتمكنة التي لن ترضى سوى بملك جديد له من الهيبة والقوة الشيء الكثير، كي يكون جديرا بحكم كرة العالم قبل النزال القادم بعد أربع سنوات.
مشاركة :