يمتد العمود الفقري بطول ظهر الشخص من أعلى الرقبة وحتى الحوض، وتوجد بين الفقرات الغضاريف التي تسهل حركته، ويضمن هذا التكوين من الفقرات القدرة على الانحناء للأمام والخلف واليمين واليسار.ويمكن تشبيه العمود الفقري بالقطار كثير العربات، الذي ينحني مجموع عرباته أثناء سيره ليشكل ما يشبه القوس، فيتغير اتجاه القطار رغم أن العربة الواحدة لا تنثني.والعمود الفقري السليم مستقيم عند النظر إليه من الأمام أو الخلف، لكن عند مشاهدته من أحد جانبي الإنسان لا يكون مستقيماً تماماً فأسفله منحنٍ للأمام قليلاً، وتسمى بالفقرات القطنية، ثم ينحني للخلف فيما يسمى بالانحناء الصدري، ثم تعود الفقرات العنقية للانحناء للأمام حتى تلتحم بالجمجمة. يكون ظهر الشخص السليم مستقيماً، ولكن في حالات مرضية يصاب العمود الفقري بالاعوجاج أو الانحراف لليمين واليسار، وهي حالة مرضية مؤلمة تسمى بالجنف، أو بترهل العمود الفقري، أو انحراف واعوجاج العمود الفقري.ويعمل العمود الفقري على استقامة الجسم، ويحمل ويحمي بداخله الأعصاب الممتدة للجزء السفلي من الجسم، كما يعمل مع القفص الصدري على حماية القلب والرئتين من الصدمات.ونتناول في هذا الموضوع مشكلة ترهل العمود الفقري، والعوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بهذه الحالة، مع بيان الأعراض وطرق الوقاية الممكنة وأساليب العلاج التقليدية والحديثة.شكل حرف Sيأخذ العمود الفقري المصاب بالترهل شكل حرف «أس» أو «سي» بالإنجليزية، وتصيب هذه الحالة الأطفال والمراهقين في مراحل نمو الهيكل العظمي، وفي بداية حدوث الاعوجاج يكون علاجه سهلاً. وتنمو الفقرات منحنية إذا مر على المرض عدة سنوات، وتأخذ شكل الاعوجاج، وتحتاج إلى التدخل الجراحي لعلاجها، لذلك على الأهل سرعة التوجه للطبيب، وعمل الأشعات اللازمة إذا لاحظوا عدم استقامة ظهر الطفل.يصيب ترهل العمود الفقري كبار السن، خاصة من النساء فيما يسمى بتحدب الظهر، وتقوس العمود الفقري للأمام نتيجة هشاشة العظام وضعفها، فأي خلل في إحدى الفقرات يؤدي لانحناء في العمود الفقري.ويشوه ترهل العمود الفقري المظهر العام للشخص المصاب، والأهم أنه يصيبه بالآلام بين الكتفين وفي الصدر، ويشعر بالإرهاق مع ممارسة الأنشطة اليومية المعتادة.الوراثة وضعف البصرتتعدد العوامل المسببة لاعوجاج العمود الفقري، فإذا ما ظهر على طفل رضيع فهو في الأغلب عيب خلقي، وينتج بسبب عدم النمو الطبيعي للعمود الفقري أثناء الحمل، ويرى بعض العلماء أن السبب ربما يكون وراثياً، خاصة إذا كان هناك مصاب آخر بالجنف في العائلة. ويؤثر اعتياد الطفل على ثني ظهره أثناء جلوسه أو نتيجة استمرار حمله لحقيبة ظهر ثقيلة في سلامة نمو عموده الفقري؛ لذا على الآباء عدم ترك أبنائهم يحملون أثقالاً حتى لو كانوا يرون أنهم يحتملونها، وعليهم ملاحظة إذا ما جلس الابن منحني الظهر للأمام، والبحث فيما يدفعهم للانحناء. ويؤدي مثلاً ضعف البصر للانحناء من أجل الاقتراب مما يشاهده الطفل، أو يقرؤه حتى يراه بوضوح، وبذلك فإن علاج السبب وهو ضعف البصر، يمنع المسبب وهو الجنف، ويتسبب تكرار الجلوس الطويل لأعوام عديدة، في الأعمال المكتبية مثلاً، مع قلة النشاط البدني في التأثير في سلامة العمود الفقري واستقامته.اختلاف أطوالتتأثر أيضاً سلامة واستقامة العمود الفقري باختلاف طول الساقين عن بعضهما، إن كانت إحداهما أطول من الأخرى لعيب خلقي مثلاً، وبمشاكل نمو العظام عامة، وبأي أمراض عضلية أو عصبية، مثل شلل الأطفال والشلل الدماغي وهشاشة العظام، وكذلك الضمور العضلي وليونة العظام وتآكل الغضاريف.يؤذي حمل الأشياء الثقيلة بأساليب خاطئة العمود الفقري، وكذلك كثرة حمل ونقل الأشياء شديدة الثقل، ولو بطريقة صحيحة مما يجهد عضلات وأربطة الظهر، مما يزيد الحمل على الفقرات. ويسبب تكرار النوم الخاطئ على وسادة مرتفعة أو سرير شديد الليونة تقوس الظهر، ويصيب ترهل العمود الفقري الإناث أكثر من الذكور، كما توجد حالات كثيرة للجنف تعتبر مجهولة السبب، ولا ينطبق عليها أي من الأسباب المذكورة.عدم تماثل تختلف أعراض انحناء العمود الفقري باختلاف العمر، فيظهر على الرضيع انتفاخ في أحد طرفي الصدر، ويرتكز على أحد جانبيه دون الآخر، وربما يشعر الطفل بألم في الصدر وصعوبة في التنفس.تظهر الأعراض بالنسبة للمراهقين بدءاً من سن العاشرة، ويكون أبرز الأعراض عدم تماثل جانبي القفص الصدري، ويصبح كتف أعلى من الآخر، أو بروز ورك أكثر من الآخر، أو اختلاف طول الذراعين.ولا تأخذ الملابس شكلها الصحيح على الجسد، أو كون الرقبة ليست في منتصف الجسد، فأي عدم تماثل بين نصفي الجسم يمكن أن يشير إلى ترهل العمود الفقري، والحاجة إلى استشارة طبيب. وتعكس أحياناً آلام أسفل الظهر بعد الوقوف أو الجلوس كثيراً من الوقت وجود مشكلة ما في العمود الفقري، وكذلك آلام العضلات بالظهر أو عدم استطاعة الوقوف بطريقة مستقيمة بعد جلوس طويل حتى إذا لم يوجد ألم.طريقة زاوية كوبيلجأ الطبيب في تشخيص الجنف إلى استخدام الأشعات باختلاف أنواعها السينية والمقطعية والرنين المغناطيسي، والتي تكشف بوضوح تشوهات الفقرات.ويسأل الطبيب عن شعور المريض بأي ضعف في العضلات أو الإحساس بتنميل وخدر؛ وذلك للتأكد من سلامة الجهاز العصبي، وعدم حدوث ضغط من الفقرات عليه. ويستخدم الطبيب طريقة زاوية كوب، وهو أسلوب يتم فيه قياس نسبة الانحراف غير الطبيعي بين فقرتين من فقرات العمود الفقري، وتعتبر الانحرافات الأقل من 10 درجات خفيفة، والأعلى من 25 درجة عالية.ويتشوه منظر الجسد إذا ما ترك ترهل العمود الفقري من دون علاج، ويسبب آلاماً تصبح شديدة، وربما تؤدي للإعاقة، وأحياناً يضغط العمود الفقري على المعدة فيقلل شهية الطعام.المسكنات وأدوية الهشاشةيعطي الطبيب مسكنات للألم وأدوية علاج هشاشة العظام في الحالات الناتجة عن ضعف العظام وهشاشتها، ويكون العلاج مركزاً على المرض الذي أدى لتشوه العمود الفقري إن كان السبب مرضاً آخر.ويقيم الطبيب في الحالات الشديدة مدى نجاح الجراحة، فينصح مريضه بها، وربما يحتاج المريض لأكثر من عملية جراحية علاجية وتجميلية، وفي أحيان كثيرة يزداد طول المريض بمقدار بسيط، ولكنه ملحوظ نتيجة استقامة عموده الفقري بعد أن كان معوجاً.وتنمو عند الأطفال والمراهقين الفقرات ملتوية مع الانحناء، فلا يجدي معها سوى التدخل الجراحي، الذي ربما لا يستمر نجاحه في بعض الحالات، فيعود الانحناء مرة أخرى بعد بضع سنوات. ويوصي الطبيب بالعلاج الطبيعي للأطفال والمراهقين في الحالات الخفيفة، ويشمل الرياضة وخاصة السباحة وتمارين الإطالة؛ لزيادة مرونة العمود الفقري دون الضغط عليه.دعامات تمنع التدهوريتم تركيب تقويم أو دعامات حول الجسم في بعض الحالات، وخاصة مع زيادة زاوية الانحناء على 25 درجة، حيث تمنع تدهور الحالة، وهي مصنعة بحيث يمكن تحملها وارتداؤها معظم الوقت إن أمكن ذلك، فكلما طال وقت ارتدائها كانت فائدتها أكبر.تستخدم الجبيرة الدعامية لمنع زيادة الانحناء مع الأطفال من سن 10 وحتى 15 سنة، وأيضاً تصلح مع الحالات التي تزيد فيها زاوية الانحناء على 25 درجة، ويفحص الطبيب المصاب بحالة خفيفة كل 4 إلى 6 أشهر، حتى يقيم الحالة ومدى تحسنها، ويتم تكرار الأشعات كل بضعة أشهر لمقارنتها بالقديمة، وتحديد مدى تحسن الحالة.ويهتم أهل المريض بطعامه ليحتوي على الكثير من الكالسيوم وفيتامين «د»، وتتحسن حالة بعض الأطفال من تلقاء نفسها، فمع نموه يصحح الجسم نفسه، ويتم متابعة الطفل المريض، وتكرار عمل الأشعات حتى يكتمل اعتدال جسده مع اكتمال نمو عظامه.وتسهم الرياضة في عودة واستقامة العمود الفقري، ومن المفضل أن تكون تحت إشراف طبيب علاج طبيعي أو مدرب رياضي خبير، ولا بد من استمرار النشاط البدني كجزء روتيني من الحياة، والحفاظ على جسم ذي وزن مثالي. مضاعفاتتشير دراسة حديثة إلى أن اعوجاج العمود الفقري يؤدي إلى مضاعفات بعد فترة من الزمن، ومنها ضعف في عضلة القلب وفي عمل الرئتين، كما يؤدي ترك العمود الفقري منحنياً لزمن طويل إلى ارتفاع الحجاب الحاجز عن موضعه الطبيعي، فيضغط على الرئتين، ما يؤثر في كمية الأكسجين الواصلة لخلايا الجسم كله.وتصيب الإعوجاجات الخفيفة نحو 5 أفراد من كل ألف شخص، ويوجد بالولايات المتحدة الأمريكية وحدها 7 ملايين مصاب بالجنف.وكشفت دراسة طبية أخرى، وجود رباط في عظمة العجز قرب نهاية العمود الفقري السفلى يسمى بالفيلوم ترمينالي، وتؤدي إزالته بعملية جراحية لتوقف حدوث أي زيادة في انحناء العمود الفقري عن الموجود بالفعل، وأن إزالتها لا ضرر منها على البالغين، وهي خطوة مهمة لمنع تدهور الحالات الشديدة.ومن المعروف علمياً أن العمود الفقري يتكون من 33 فقرة غير متساوية في الحجم أو الشكل؛ ولكنها متناسقة ومتكاملة مع بعضها، ويصيب ترهل العمود الفقري 2% من الإناث و0.5% من الذكور.
مشاركة :