غيرت وكالة التصنيف الائتمانية الدولية «موديز» نظرتها المستقبلية للاقتصاد القطري إلى نظرة مستقبلية مستقرة بعد أن كانت سلبية، مؤكدة تصنيف الإصدارات طويلة الأجل والديون غير المضمونة بالعملة الأجنبية عند مستوى «AA3».أما السبب الرئيسي لتغير التوقعات إلى مستقرة، فيعود إلى تقييم «موديز» بأن قطر قادرة على تحمل الحصار الاقتصادي والمالي والدبلوماسي الذي فرضته دول مجلس التعاون الخليجي الثلاث المجاورة، بالإضافة إلى مصر (تصنيف B3، نظرة مستقرة)؛ إذ سواء استمر الحصار بنفس الشكل أو وضعت دول الحصار مزيداً من القيود لفترة زمنية طويلة، فلن ينتج عن ذلك تدهور جوهري في سجل الائتمان الخاص بدولة قطر. ويستند هذا التقييم جزئياً إلى دليل على مرونة المقاييس الائتمانية في قطر في مواجهتها الحصار الاقتصادي والمالي على مدار الأشهر الثلاثة عشر الماضية.
ويأخذ تأكيد التصنيف عند Aa3 في عين الاعتبار عدداً من نقاط القوة الائتمانية المضمّنة في السجل الائتماني لقطر، والتي من وجهة نظر وكالة «موديز»، تظل مدعومة بصافي الأصول الكبيرة التي تملكها حكومة قطر، والمستويات المرتفعة بشكل استثنائي من دخل الفرد، والاحتياطيات الكبيرة من الهيدروكربون، والاﻧﺨﻔﺎض النسبي ﻓﻲ أسعار النفط المكافئة للتكاليف، والتي ﺳﺘﺴﺘﻤﺮ جميعها في تعزيز قدرة قطر على امتصاص الصدمات.
وقد تم تأكيد التصنيف غير المضمون لشركة قطر للصكوك العالمية عند Aa3. ووفقًا لـ «موديز» فإن التزامات ديون شركة قطر للصكوك العالمية تمثل التزامات ديون حكومة قطر.
ولم يطرأ على سقوف السندات طويلة الأجل للعملات الأجنبية والإيداع في قطر أي تغيير وبقيت عند Aa3، وبقيت سقوف السندات قصيرة الأجل للعملات الأجنبية والإيداع دون تغيير عند P-1، كما بقيت سقوف السندات طويلة الأجل للعملات المحلية ومخاطر الإيداع المحلي دون تغيير عند Aa3.
فاعلية السياسات المتخذة في إعادة توجيه
الإمدادات بعد الحصار
تعكس النظرة المستقرة وجهة نظر وكالة «موديز» بأن المقاييس الائتمانية لقطر ستظل على الأرجح متفقة مع تصنيف Aa3 مع استمرار الحصار. وتشمل النظرة المستقرة احتمالية فرض بعض القيود الإضافية على قطر، وهي مدعومة أيضاً بوجهة نظر وكالة «موديز» بتدني احتمالية تبني حل سريع للمواجهة الدبلوماسية بين مجلس التعاون الخليجي في غضون الـ 12-18 شهراً المقبلة، بالإضافة إلى تدني احتمالية حدوث تصعيد كبير من شأنه أن يؤدي إلى تآكل المقاييس الائتمانية في قطر.
وقد بدأت مقاطعة المملكة العربية السعودية (بتصنيف A1، بنظرة مستقرة)، والإمارات العربية المتحدة (تصنيف Aa2، نظرة مستقرة)، والبحرين (تصنيف B1، نظرة سلبية)، ومصر لدولة قطر بتاريخ يونيو2017، متسببة بإغلاق طرق التجارة البرية والبحرية المنشأة لواردات قطر بشكل مفاجئ، وانخفاض صادراتها من السلع والخدمات إلى البلدان الأربعة، وتدفق كبير إلى الخارج للموارد المالية الأجنبية من النظام المصرفي القطري.
ويثبت الانتعاش السريع في الواردات، بالإضافة إلى استعادة المستويات الأولية في أقل من أربعة أشهر، مرونة الاقتصاد القطري وفعالية السياسات التي اتخذت في إعادة توجيه الإمدادات. وقد شمل ذلك تنظيم «جسر جوي» لتوفير الطعام والمواد الغذائية الأخرى في الأسابيع الأولى من الحصار، وزيادة قدرة ميناء حمد الذي اكتمل العمل عليه حديثاً على منع الاضطرابات في الاقتصاد الكلي والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.
ووفقاً لتقديرات وكالة «موديز»، فقد كان الأثر الاقتصادي للحصار بسيطاً ومؤقتاً بصورة عامة. أما القطاعات التي تأثرت بشكل واضح بالمقاطعة فهي السياحة، فقد شكلت نسبة السياح القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي ما يقرب من 50 ٪ من إجمالي السياح في عام 2016، إلا أنها هبطت بنسبة 40 ٪، ومن غير المرجح أن تتعافى في المستقبل القريب، كما تأثر قطاع النقل، أي الخطوط الجوية القطرية، التي حظرت من الطيران إلى 18 وجهة في الشرق الأوسط، وصرحت في وقت سابق من هذا العام بأنها تكبدت «خسارة فادحة» خلال العام المالي الماضي.
التنويع الاقتصادي كفيل بدرء آثار الحصار
ولن يكون للحصار تأثير اقتصادي مباشر، فما تحدثه الخسارة الدائمة في عائدات السياحة والنقل له آثار ضمنية رئيسية، تتمثل في إعاقة الجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق التنويع الاقتصادي. ومع ذلك، ومن وجهة نظر «موديز»، فإن هذه القيود على التنويع الاقتصادي لا تؤثر جوهرياً على صورة الائتمان السيادي.
وعلاوة على ذلك، فإن حشد الأموال الفعّال من احتياطيات البنك المركزي والأصول الأجنبية لصندوق الثروة السيادية حافظت على الاستقرار المالي والاقتصادي الكلي في مواجهة تدفق الأموال إلى الخارج من النظام المصرفي القطري. وبينما جاءت هذه التدخلات على حساب التآكل المادي في مخازن الاحتياطي التابعة للبنك المركزي، فقد أثبتت أيضاً فعالية التنسيق وقدرة إدارة الأزمات بين مؤسسات القطاع العام بما في ذلك البنك المركزي ووزارة المالية وصندوق الثروة السيادية.
وقد وصلت التدفقات الخارجة إلى ما يعادل 30 مليار دولار أو 18 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الثاني من عام 2017، حيث استعاد عملاء دول مجلس التعاون الخليجي ودائعهم، كما سحبت البنوك الخليجية تمويلها. واستقرت التدفقات الخارجة في نهاية عام 2017، وعاد نحو ثلثها في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2018. وقد أتاح هذا للبنك المركزي وجهاز قطر للاستثمار (صندوق الثروة السيادية) إعادة نقل جزء من أصولهما إلى الخارج. وفي الوقت نفسه، ارتفع احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي من 13.2 مليار دولار في نهاية العام الماضي إلى 23.3 مليار دولار في مايو 2018 (باستثناء الذهب)، وإن كان لا يزال أقل بكثير مما كان عليه قبل الحصار (أي 33.7 مليار دولار).
وتخفف القدرة المالية والمؤسسية المثبتة لاستخدام الأصول الأجنبية لصندوق الثروة السيادية من الضعف الخارجي لقطر، والنابع من تسديد الديون الخارجية الكبيرة للاقتصاد فيما يتعلق بمستوى احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي. من هنا، نجد أن غياب الشفافية حول الحجم الدقيق لأصول جهاز قطر للاستثمار وتكوينها يعيق إجراء تقييم تفصيلي حول القدرة المالية لقطر بشأن الحد من ضغوط ميزان المدفوعات المحتمل.
نهج حكيم تتبعه السلطات في وضع الميزانية
تكاليف مالية مباشرة محدودة بفعل الحصار الجائر
وفيما يتعلق بالميزانية، فقد كانت التكاليف المالية المباشرة للحصار الذي فرضته دول مجلس التعاون الخليجي محدودة للغاية، كما أنها محدودة حتى الآن بتمويل «الجسر الجوي» خلال الشهرين الأولين من الحصار (أقل من 0.1 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، بحسب وكالة «موديز». وكانت هناك تكاليف مالية غير مباشرة بسبب التأخر في تنفيذ إجراءات الإيرادات الجديدة المخطط لها، بما في ذلك رسوم المرافق العامة ورسوم الخدمات العامة التي كانت مقررة في منتصف عام 2017. تم تعليق هذه الإجراءات لمنح القطاع الخاص مساحة إضافية للتكيف مع الحصار، مما أدى إلى خسارة في الإيرادات الحكومية تقدر بنسبة 1.5- 2.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، تم تعويض هذا النقص في العائدات بالكامل بانخفاض النفقات الرأسمالية، وتتوقع «موديز» تنفيذ إجراءات الإيرادات المتأخرة خلال العام 2018. وبالمثل، تتوقع الوكالة أنه سيتم تنفيذ ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 ٪ في أوائل العام 2019، وقد كان من المفترض أن تنفذها السلطات بداية العام 2018 والتي ستنتج ما يصل إلى 0.9 ٪ من الإيرادات الإضافية غير الهيدروكربونية للميزانية، مما يعيد الإصلاح المالي إلى مساره.
تغطية العجز
كما أن أي عجز في الإيرادات لهذا العام سيقابله ارتفاع في أسعار النفط التي تفترضها ميزانية العام 2018 عند مستوى 45 دولاراً للبرميل، وسيكون على الأرجح أقل بكثير من المستوى المتوسط في العام 2018، مما يؤكد النهج الحكيم الذي تتبعه السلطات في وضع الميزانية.
بمقدور صندوق الثروة السيادية أن يستوعب، وبسهولة، الالتزامات المشروطة التي تمكن بلورتها على الميزانية العمومية السيادية في مقابل الخسائر الكبيرة للخطوط الجوية القطرية، المملوكة بالكامل لجهاز قطر للاستثمار. وتشير تقديرات «موديز» إلى أن صندوق الثروة السيادية امتلك أصولاً تقترب من 190 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام 2017، مقارنة مع 3.3 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في ديون الخطوط الجوية القطرية، جزء يسير منها سيتبلور.
«موديز»: ميزانية حكومة قطر متوازنة بشكل عام
لا يزال تصنيف قطر Aa3 مدعوماً بصافٍ كبير جداً في أصول الحكومة القطرية، والتي تقدرها «موديز» بـ 137 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2017؛ أي أن مستويات دخل الفرد عالية للغاية (61,282$ بالقيمة الحالية للدولار، و124,520$ على أساس تكافؤ القوة الشرائية)؛ بالإضافة إلى احتياطيات هيدروكربونية كبيرة جداً (بما في ذلك أكثر من 140 عاماً من إنتاج الغاز الطبيعي بالسعر الحالي).
كما يحظى تصنيف قطر بدعم الأسعار الخارجية والمتقلبة للنفط، أي مستويات الأسعار التي من شأنها أن توازن ميزانية الحكومة والحساب الحالي على التوالي. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، فإن سعر التعادل المالي في قطر يبلغ نحو 47 دولاراً للبرميل لعام 2018 (عندما يتم تضمين الدخل من أصول صندوق الرعاية السيادية في الإيرادات)، في حين أن سعر التعادل الخارجي هو 57 دولاراً للبرميل، وكلاهما أقل من مستويات أسعار النفط الحالية، ويتفقان مع افتراضات «موديز» متوسطة المدى (حوالي 45-65 دولاراً للبرميل الواحد).
علاوة على ذلك، تتوقع «موديز» أن ينخفض سعر التعادل المالي بما يصل إلى 20 دولاراً على المدى المتوسط مع خفض الحكومة للإنفاق الرأسمالي إلى النصف بعد كأس العالم 2022، بالإضافة إلى رفع إنتاج الغاز الطبيعي المسال بما يقرب من 30 ٪ لتنمية الغاز الجديد في الحقل الشمالي خلال 2023-2024. نتيجة لذلك، من المرجح أن تكون ميزانية حكومة قطر متوازنة بشكل عام، أو أن يكون لديها فائض على المدى المتوسط، مما يؤدي إلى انخفاض تدريجي في الدين الحكومي من حوالي 50 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 إلى 40 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي في أوائل العقد المقبل.
المخاطر التي يتعرض لها ملف
الائتمان القطري «متوازنة»
تعكس النظرة المستقرة وجهة نظر «موديز» بأن المخاطر التي يتعرض لها ملف الائتمان القطري متوازنة. ومن المرجح أن يدفع الانخفاض المستدام والجوهري في نقاط الضعف الخارجية لرفع مستوى التصنيف في ظل انخفاض الديون الخارجية وإعادة بناء احتياطيات النقد الأجنبي، خاصة إذا كان مصحوباً بشفافية محسنة لحجم وتكوين الأصول المالية للحكومة.
بالمقابل، من المرجح أن تخفض «موديز» من مستوى التصنيف في حال تصاعدت التوترات الإقليمية، التي من شأنها أن (1) تهدد بتعطيل صادرات قطر من الهيدروكربون على مدى طويل، (2) تثقل من كاهل الحكومة بضغوط مادية تخص مركزها المالي، بما في ذلك بيع وشراء التزامات القطاع العام على نطاق أوسع على الميزانية العمومية للحكومة، و(3) تؤدي إلى استنزاف آخر كبير للاحتياطات الخارجية. كما أن أي تباطؤ أو تراجع في التوطيد المالي الذي يعكس ارتفاعاً مستداماً في الدين الحكومي بما يفوق تقديرات «موديز»، من شأنه أن يتسبب في انخفاض التصنيف.;