من المجريات الواقعية أن تسقط طائرة لعطل فني في مسارها، أو ينفجر خزان ماء لخلل في إنشائه، أو ينحدر طريق كان ممهدًا، أو يطرأ خلل على أية حال، في أي الأمور، وبأي الأشكال.. كما هي أمور طبيعية أن يظهر بين الناس الطيبين بعض الفاسدين، وأن يكون بين الصادقين كاذبين، وبين العاقلين مارقين، وبين العارفين جاهلين، وبين الواعين ساذجين.. كما إن الداء قد يكون دواء، كما يولج الله الليل في النهار، ويخرج الحي من الميت، ويفصل العذب عن الأجاج ببرزخ، فإن الحقيقة تنبلج في كل أمر بنقيضها.. هكذا هي الحياة وهؤلاء هم البشر.. فيها هذه الحياة، وبينهم هؤلاء البشر تناقضات الواقع ظاهرة اعتيادية.. ومع أن الناس تسعى في أعمالها للسلامة، والكمال، وفي سلوكها لغاية الأخلاق، والفضائل العظام.. لكن الذي يجعل من واقعية الأحداث مادة لأخطاء الجاهلين، ولتهكم الجاهلين، ولسخرية الحاقدين، ولهتك الساذجين، وللتقليل من شأن الأفراد الفاعلين، والمؤسسات في مضائها الأمين، أو حتى المجتمعات الساعية لنهضتها باجتهاد، ويطرحها مادة في وسائل التواصل، والإعلام هو تواضع الإدراك، وضعف الوعي، بل غش بعض النوايا عند من لا يتعامل مع محصلات طبيعة المجريات بواقعيتها، وضوابط حقيقتها.. هناك كثرة تذهب مع كل ما تسمع عن أي واقعة طبيعية، وتقرأ في أي شأن اعتيادي فتردده، وتخوض فيه بما تعلم، وبما لا تعلم، حالهم كحال الراكضين مع الخيل في المضامير، إن اختبرت مدى معرفتهم بما يلوكون فيه لوجدتها هشة لا قِوام لها بما في ذلك من موضوعات علمية، وإن فحصت غاياتهم مما يرددون، أو يقولون لوجدت بعضها لا نبض فيها، يزجون أنفسهم فيما لا يعرفون، «يهرفون بما لا يعلمون» كما يُقال، فيزيدون نارًا بعضها لهبًا، وسيل هدرها طميًا، والأذهان في فضائها ضبابًا، إنهم يقلبون الحقائق عن وجهَهَا، ويلونون الوقائع بغير طبيعتها.. هؤلاء غثاء كالجراد، كالدود، كالعواء.. إنهم يحتاجون لأن يشربوا من منهل الطبيعة في الأشياء، والفطرة النقية في سيرورتها، التي ما أن يتعامل البشر معها بصفاء إلا سرت بينهم السكينة، والرضا، والنقاء.. ——————————————————- د. خيرية السقاف الجزيرة
مشاركة :