استقبال المزارعين في الفضاء قريبا بدأ مركز الفضاء الألماني تجربة فريدة في إنتاج محصول بعيدا عن الأرض، وهي خطوة جديدة تنضاف إلى مجمل التجارب السابقة الهادفة من قبل وكالة الفضاء الأميركية ناسا ووكالات فضائية أخرى إلى تذليل الصعوبات التي يمكن أن توجّههم على سطح المريخ، وتؤكد بعض البوادر أن طموح الرواد في التمهيد لاستيطان الفضاء بات قريبا، إذ أن محصول الطماطم ومن قبله الخس والبطاطا يعتبر خطوة نحو النجاح في زراعة أنواع أخرى من النباتات في الفضاء بريمن (ألمانيا) – يعمل العلماء بعيدا عن الأرض باستمرار ودون توقف على استنبات زراعات في مركبات الفضاء التي يستقلها الرواد إلى الفضاء. وما شجع العلماء على فتح سبيل إلى الفضاء الخارجي ما لمسوه من بوادر تسهّل إنشاء حياة متكاملة هناك، إذ اكتشفوا أن تربة كوكب المريخ وحدها تتكون مما نسبته 60 بالمئة من المياه، إضافة إلى وجود طبقة ثلجية مباشرة تحت تربة المريخ وعدد من الأنهار الجليدية والمياه الباطنية، وكميات من الماء في الحفر الموجودة بالكوكب، ولذلك يحاول العلماء الاستفادة من هذه الكميات لزراعة الطعام وحصده. وبعد عدة تجارب من المقرر قريبا زرع محصول من الطماطم داخل صوب زراعية تدور حول الأرض، على متن قمر اصطناعي على ارتفاع نحو 575 كيلومترا من سطح الأرض، وذلك بعد محاكاة الظروف فوق القمر والمريخ داخل المركبات الفضائية التي تنطلق في مهام تستغرق وقتا طويلا. وهذا الإنتاج من المحصول لن يعرف طريقه إلى موائد الطعام، ولكن ستكون هناك 16 آلة تصوير لرصد مرحلة نموه، كما أن هذا المحصول سيكون خارج العالم الأرضي. وقال جنز هاوسلاجه -عالم متخصص في دراسة تأثير الجاذبية على الكائنات الحية- “هذه التجربة سيكتب لها النجاح في حالة إنبات البذور ونمو النبات قليلا، وإذا طُرحت الثمار فستكون النتيجة مثالية”. قواعد صارمة مؤشر على جاهزية رواد الفضاء للاستغناء عن منتوجات الأرضمؤشر على جاهزية رواد الفضاء للاستغناء عن منتوجات الأرض يرأس هاوسلاجه الجزء العلمي من مهمة يخطط للقيام بها مركز الفضاء الألماني وتستغرق عاما ونصف العام، ويطلق على هذه المهمة اسما مختصرا هو “إي.يو: كروبيس” ومعناه “نبات وحيد الخلية وإنتاج الأطعمة العضوية بشكل متجدد في الفضاء”. ومن المقرر إطلاق مركبة الفضاء التي ستحمل هذه التجربة في وقت لاحق من فصل الصيف الحالي من ولاية كاليفورنيا الأميركية، وذلك على متن صاروخ من طراز “فالكون-9” من إنتاج شركة سبيس إكس الأميركية. وأوضح المهندس هارتموت موللر -مدير مشروع بناء الأقمار الاصطناعية بمعهد “دي.أل.آر” لأنظمة الفضاء بمدينة بريمن (شمال ألمانيا)- أن بذور الطماطم لم تُسقَ الماء بعد ولا تزال “في حالة سبات”. وتوجد قواعد صارمة تحدد الملبس المناسب لدخول الغرفة التي يتم داخلها حفظ البذور، إذ يجب وضع شبكة لتغطية الشعر وارتداء ثوب خارجي فضفاض وقفازات وتغطية الأحذية، وذلك لمنع دخول الأتربة أو تساقط الشعر أو جزئيات من الجلد حتى لا تؤدي إلى إعطاب الأجهزة الحساسة. ويرفع مهندسان بعناية شبكة تم نسجها بدقة ويحملانها إلى طاولة عمل متاخمة، ثم يضعانها فوق آنية ضغط مصنوعة من مواد مركبة من ألياف الكربون. ويتم وضع الصوب في آنية الضغط المصممة بحيث تكون بمثابة نسخة من الغلاف الجوي للأرض، كما صممت الشبكة لتحمي الآنية من القطع متناهية الصغر الناتجة عن حطام الأقمار الاصطناعية التي تسبح في الفضاء. وأفاد موللر بأن “مادة ألياف الكربون لم تستخدم من قبل على متن الأقمار الاصطناعية من هذه النوعية”، مشيرا إلى أن وزن الآنية أخف إلى حد كبير مقارنة بمادة التيتانيوم أو الألومنيوم. كما أن القمر الاصطناعي الخفيف الذي يبلغ وزنه 250 كيلوغراما سيحقق ريادة جديدة. وأشار موللر إلى أن القمر “سيكون أول مركبة فضائية تستخدم دورانها حول الأرض لخلق حالة من الجاذبية”. ولتنفيذ هذه المهمة سيستخدم القمر الاصطناعي الحقل المغناطيسي للأرض بمساعدة قضبان مغناطيسية تعمل على تقوية الدوران. وكالة ناسا أطلقت سابقا إعلانا تحت عنوان {المريخ بحاجة إليك}، وضمنته ما رأت أنه وظائف شاغرة، ومن بين ما ضمنته المزارعونوكالة ناسا أطلقت سابقا إعلانا تحت عنوان "المريخ بحاجة إليك"، وضمنته ما رأت أنه وظائف شاغرة، ومن بين ما ضمنته المزارعون ومن المقرر أن يدور القمر الاصطناعي لمدة ستة أشهر بواقع عشرين مرة كل دقيقة على محوره الطولي لمحاكاة الجاذبية على القمر، التي تبلغ نسبتها 0.16 مرة من جاذبية الأرض، كما سيحاكي القمر الاصطناعي لمدة ستة أشهر أخرى جاذبية المريخ التي تبلغ 0.38 مرة بالنسبة إلى جاذبية الأرض، وذلك عن طريق الدوران 32 مرة في الدقيقة الواحدة. وقال هاوسلاجه الشغوف بمشاهدة التأثيرات على الأنظمة البيئية المصغرة على متن القمر الاصطناعي “الجاذبية هي الشيء الثابت الوحيد الذي خبرته الحياة على الأرض عبر الزمان، وإذا تغيرت الجاذبية سيتغير كل شيء”. وأظهرت التجارب التي أجريت في وقت سابق أن النباتات يمكن أن تنمو وسط ظروف انعدام الجاذبية أو في ظل الجاذبية متناهية الصغر، وعلى سبيل المثال ابتكر منذ عشر سنوات علماء النبات من جامعة هانوفر الألمانية تجربة، تم خلالها إنبات الجرجير على متن محطة الفضاء الدولية لاختبار تأثير الجاذبية متناهية الصغر على تكوين الجذور. تجارب سابقة خاضت ناسا في السابق تجربة الزراعة على كوكب المريخ، حيث أعلنت في أغسطس 2015 عن تناول روّاد الفضاء أول طعام تتم زراعته وحصده خارج كوكب الأرض، حيث تمكن رواد يقيمون في محطة الفضاء الدولية من تذوق خس طازج زرع في الفضاء. وجاءت تجربة زراعة الخس ضمن المشروع الأميركي-الروسي “المزرعة الفضائية” الذي تم إطلاقه في 2002، بهدف دراسة وتطوير التكنولوجيات اللازمة لنمو النباتات في ظروف خاصة متعلقة بالجاذبية والمتغيرات الأخرى في مدار الأرض. وقال كييل ليندغرن رائد الفضاء من وكالة ناسا بعدما تذوق بعض الخس الأحمر الذي نبت في علبة خاصة في المحطة إنه “رائع”. وسبق أن صرحت غويا ماسا الباحثة في وكالة ناسا، قائلة “أعتقد أن أنظمة الزراعة في ظل انعدام الجاذبية ستكون من العوامل المهمة لكل الرحلات الفضائية الطويلة”. وأضافت “كلما ابتعد الإنسان أكثر عن الأرض صار بحاجة إلى الزراعة لتأمين طعامه وتدوير البيئة التي يعيش فيها، وللحصول على راحة نفسية”. كما أن ناسا أعلنت عام 2016 عن مشروعها الطموح الرامي إلى زراعة البطاطا على سطح المريخ بالتعاون مع المركز الدولي للبطاطا، بالإضافة إلى أنه وقع في السنة ذاتها من خلال نظام زراعة الخضروات الذي نفذته ناسا على محطة الفضاء الدولية، إنتاج زهرة الزينيا البرتقالية اللون، وذكرت الوكالة الأميركية أن هذه التجربة الناجحة يمكن أن تكون خطوة رائدة لزراعة الطماطم، حيث أن نبات الطماطم يزهر قبل أن يحمل الثمار. ولم يستطع ميشائيل ليبيرت -وهو عالم أحياء بجامعة إيرلانغن نورمبرغ ومشارك أيضا في المشروع الألماني لزراعة الطماطم في الفضاء- الإقرار بما إذا كانت الطماطم الألمانية ستكون هي الأولى من نوعها التي تنتج في الفضاء. الخضر قريبا في الفضاءالخضر قريبا في الفضاء وأضاف أن “الصينيين والروس أجروا تجارب كثيرة على زراعة النبات ولكنهم لم ينشروا الكثير عنها”. ولزراعة النباتات على القمر أو المريخ في يوم من الأيام ينبغي التوصل إلى نظام آلي للتحكم والإمداد، ويجب أن تتم إعادة معالجة الهواء والماء والمواد المغذية للنبات بشكل مستمر، حيث أن نقل هذه الإمدادات من الأرض إلى القمر سيكون باهظ التكلفة ومضيعةً للوقت، أما بخصوص نقلها إلى المريخ فسيكون أمرا مستحيلا. وقال موللر إنها “تكنولوجيا مساعدة للمهمات الفضائية التي تستغرق وقتا طويلا”. و”التربة” المعدة لنمو ما يبلغ 12 من نباتات الطماطم القزمة المحمولة على القمر الاصطناعي، عبارة عن نظام ترشيح يوفر سماد النترات بالتنقيط، والذي تم إنتاجه من صخر بركاني. ويحفل النظام بكائنات دقيقة تقوم بتحويل البول المخلوط بالماء إلى سماد، وسيقوم رواد الفضاء داخل محطة الفضاء بتوفير البول. وفي نظام حيوي ثان تقوم طحالب وحيدة الخلية بإنتاج الأوكسجين لنباتات الطماطم وللكائنات الدقيقة، وبحماية النظام برمته من مستويات الأمونيا المرتفعة، وستنظم أضواء الليد إيقاع الليل والنهار الذي تحتاج إليه الطحالب ونباتات الطماطم. وقال ليبيرت “لدينا نظامان مزدوجان لدعم الحياة في هذه التجربة، ويبدو الأمر مطابقا لما يحصل على الأرض، فالزراعات التي تقوم على محاصيل وحيدة ليست فكرة جيدة”. وسيكون نجاح زراعة الطماطم مؤشرا على مدى جاهزية المحطات الفضائية للاستغناء عن منتوجات الأرض، والاستعداد لاستقبال المزارعين في الفضاء، لا سيما أن ناسا سبق أن أطلقت إعلانا تحت عنوان “المريخ بحاجة إليك”، وضمنته ما رأت أنه وظائف شاغرة، وكان من بينها المزارعون.
مشاركة :