لندن - سلّط نشرُ تفاصيل جديدة عن عملية تحرير رهائن قطريين من أيدي خاطفيهم بالعراق، الضوء مجدّدا على الصلات الواسعة لقطر بالتنظيمات الإرهابية وامتلاكها لقنوات تواصل كثيرة معهم، وقدرتها على مفاوضتهم ومساومتهم حين يستدعي الأمر، وإبرام صفقات مالية ضخمة معهم متخطية بذلك الخطوط الحُمر لتمويل الإرهاب، والإضرار بمصالح قوى كبرى على رأسها الولايات المتحدة، التي تروّج الدوحة إلى علاقة ثقة وتعاون معها في مجال محاربة الظاهرة الإرهابية بحسب ما يردّده المسؤولون القطريون في الكثير من المناسبات. وتكشف التفاصيل التي تضمّنها تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”، عن دفع قطر لأكبر فدية في التاريخ تدفع لتنظيمات إرهابية بقيمة نحو 1.15 مليار دولار، فضلا عن انخراط مسؤولين رسميين بالدولة، بل أعضاء في الأسرة الحاكمة في عقد الصفقة التي انتهت بإطلاق سراح 28 رهينة قطرية بينهم شيوخ من آل ثاني، في شهر أبريل 2017، بحسب ما تظهره رسائل نصية وتسجيلات لمكالمات هاتفية. وذهبت الأموال التي دفعتها قطر لقاء استعادة رهائنها لجماعات وأفراد تصنّفهم الولايات المتحدة كإرهابيين، ويتعلّق الأمر بكتائب حزب الله العراق والتي قتلت جنودا أميركيين بعبوات ناسفة، وقائد قوات الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني الخاضع لعقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهيئة تحرير الشام جبهة النصرة سابقا والمصنّفة فرعا من فروع تنظيم القاعدة. ويرد في التقرير ضمن أسماء من قاموا بدور رئيسي في عقد الصفقة اسم الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وزير الخارجية الحالي، والذي لم يكن آنذاك قد تسلّم منصبه، وكان من بين المخطوفين اثنان من أقربائه، هما ابن عمّه وزوج خالته، وهو ما جعله حلقة وصل رئيسية مع السفير القطري لدى العراق زايد الخيارين، الذي أدار عملية التفاوض مع الإرهابيين بشكل مباشر وبنفس طويل على مدار قرابة السنة ونصف السنة، حتى أثمرت جهوده عن عقد الصفقة. ولدى حدوث عملية اختطاف الصيادين القطريين بصحارى جنوب العراق كان الخيارين يحمل رتبة عقيد في المخابرات القطرية، ولعلّ هذه إحدى نقاط قوّته، إذ لطالما نُظر إلى جهاز المخابرات القطرية على أنّه ضالع في صلات واسعة مع منظمات إرهابية وله علاقات بقادتها تؤّمن له التواصل مع تلك التنظيمات وحتى توجيه بعضها. في بداية عملية الاختطاف، يقول تقرير الـ”بي.بي.سي”، لم يكن لدى قطر خيوط واضحة لمتابع القضية لكنّ الأمور اتضحت في مارس 2016 حين علمت الدوحة أنّ الخاطفين ليسوا سوى عناصر من كتائب حزب الله، وهي ميليشيا عراقية شيعية مدعومة إيرانيًا. قدرة قطر على التفاوض مع التنظيمات الإرهابية تدل على امتلاك الدوحة قنوات تواصل مع تلك التنظيمات وأرادت الجماعة الحصول على المال. وحينئذ أرسل السفير زايد الخيارين رسالة إلى الشيخ محمد بن عبدالرحمن يعلمه فيها بمطالب الخاطفين. وتظهر الرسائل النصية والصوتية المتبادلة بين الخيارين وقيادته في الدوحة أن الخاطفين أضافوا إلى مطالبهم وطوّروها إلى مطالب سياسية من بينها اشتراطهم أن تغادر قطر التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وأن تؤمّن الدوحة إطلاق سراح الجنود الإيرانيين المحتجزين من قبل المسلّحين في سوريا. ومع ذلك ظلّ المال مطلبا رئيسيا، وفضلا عن الفدية الرئيسية أراد قادة الميليشيات مبالغ جانبية لهم. وعلى سبيل المثال تبين أن أحد مفاوضي كتائب حزب الله طلب من السفير الخيارين مبلغ 10 مليون دولار لنفسه، ولم يعترض السفير إلاّ أنّه اشترط استلام الرهائن جميعهم، وزاد على طلب القائد بالميليشيا عرضا بأن يشتري له شقّة في لبنان. واستعان السفير باثنين من الوسطاء العراقيين، وكلاهما كانا من الطائفة السنّية. وزارا وزير الخارجية القطري، وطلبا منه مقدما أن يعطيهما 150 ألف دولار نقدا وخمس ساعات من إحدى الماركات العالمية باهظة الثمن. وفي أبريل 2016 دخل على خطّ القضية قاسم سليماني الراعي الإيراني لكتائب حزب الله. وبحلول هذا الوقت -يقول التقرير- وصلت الفدية المطلوبة إلى مبلغ مذهل يساوي مليار دولار. ومع ذلك طالب الخاطفون بالمزيد. وأرسل السفير القطري رسالة نصية إلى وزير الخارجية قال فيها “لقد التقى سليماني بالخاطفين وضغط عليهم من أجل قبول المليار دولار. لم يستجيبوا بسبب وضعهم المالي.. سليماني سيعود”. وفي نوفمبر 2016، أدخل سليماني على قضية الرهائن طلبا جديدا يتعلّق هذه المرّة بالتدخّل الإيراني في سوريا، وقتال ميليشياته الإيرانية هناك. وطلب قائد فيلق القدس من قطر المساعدة في تنفيذ ما عُرف بـ”اتفاق المدن الأربع” في سوريا. والمدن المقصودة هي كل من كفريا والفوعة الشيعيتان المحاصرتان آنذاك من قبل جبهة النصرة، والزبداني ومضايا المحاصرتان وقتها من قبل ميليشيات شيعية موالية لنظام دمشق. ومرّة أخرى أعلم السفير الخيارين الشيخ محمّد بن عبدالرحمن، وبعد ذلك تمت الصفقة، مؤكّدة مجدّدا قدرة قطر على التواصل مع الإرهابيين سنّة وشيعة على حدّ سواء.
مشاركة :