استضافت روسيا خلال الفترة ما بين 14 يونيو و15 يوليو من العام الحالي بطولة كأس العالم، المسابقة الأضخم والأغلى على صعيد كرة القدم، وكان الحدث مميزا من جميع النواحي الفنية والتنظيمية، الأمر الذي جعل رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينيو يشيد بالحدث الكروي الأبرز في تاريخ الساحرة المستديرة واعتباره المونديال الأفضل في أرشيف بطولات كأس العالم منذ انطلاقتها سنة 1930. من خلال هذا التقرير، سوف نسلط الضوء على أبرز الأحداث التي حصلت في هذه البطولة وسنحاول تغطية أهم الأمور من خلال بعض النقاط تحت مسمى «حصاد» كأس العالم. 1. إقالة لوبيتيغوي سبب خروج اسبانيا من المونديال، وريال مدريد لا يُلام قبل انطلاق المونديال بـ 48 ساعة فقط أعلن نادي ريال مدريد أعرق أندية إسبانيا وبطل مسابقة دوري أبطال أوروبا تعيين جولين لوبيتيغوي مدربا للفريق الملكي الموسم القادم 2018/ 2019 رغم تواجده مع المنتخب الاسباني في مهمته الرسمية كمدير فني لهم في بطولة كأس العالم 2018، الخبر الذي أثار حينها موجة من ردات الفعل سواء كانت إيجابا أو سلبا من قبل المتابعين والجماهير واللاعبين وجميع المهتمين بشأن المنتخب الاسباني، إلا أن رئيس الاتحاد الاسباني لكرة القدم لويس روبياليس قد عبر عن غضبه وامتعاضه الشديد من الإعلان واعتبر وقتها القرار غير مهني نظرا لعدم احترامه قميص المنتخب فجاء إعلانه كرئيس للاتحاد الوطني بالضربة القاضية وإعلان إقالة لوبيتيغوي قبل المباراة الأولى لهم أمام البرتغال في ثالث أيام المونديال الروسي التي انتهت بتعادل مثير في قمة مباريات المجموعة بثلاثة أهداف لكلا الفريقين، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال وحال من الأحوال تحميل الملكي مدريد مسئولية خروج الإسبان، فالقرار غير المدروس من روبياليس يعتبر السبب الرئيسي لوداع الماتادور روسيا 2018، بعد أن تركت السفينة من دون ربان في ظل نقص خبرة المدرب الذي وُجد ربما للجلوس على الدكة فقط دون أن يأتي بأي حلول وهو فرناندو هييرو الذي بدا وأنه لا يملك أي لمسة خاصة على المنتخب داخل الميدان، ويعتبر إعلان القرار من قبل الميرينغي أمرا ملزما عليهم وهاما للنادي من حيث السمعة والتاريخ من ناحية، ومن ناحية أخرى لغايات تجارية دعائية وترويجية يطلبها الرعاة والمعلنون وكان عدم الإعلان قد يتسبب بخسائر مادية كبيرة تبلغ ملايين الدولارات، ما جعل الريال مضطرا للكشف عن هوية مدربه الجديد بشكل مفاجئ ودون أي تمهيد. 2. تقنية الفيديو المساعد (VAR) بين الفشل والنجاح: بدأ الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) استخدام تقنية الفيديو المساعد (VAR) لأول مرة في مونديال روسيا 2018 وجاءت تجربة هذه التقنية في كأس العالم بين الفشل برأي البعض ونجاحها لدى البعض الآخر، وقد أثبتت تقنية الفيديو المساعدة نجاحها عند استخدامها من قبل الحكام ومراجعتهم للكاميرا عند حدوث أي شك بأي لقطة، إلا أنني وكرأي شخصي اعتبر أن كرة القدم ليست بحاجة لتقنية الفيديو المساعد بقدر حاجتها لمستوى أعلى من التحكيم، خصوصا أن هذه التقنية أثبتت المزاجية في استخدامها من قبل الحكام، لهذا اذهب الى الرأي القائل بفشلها وإن أراد الفيفا نجاحها فعلا في قادم المسابقات الكروية فيجب على اتحاد كرة القدم سن قوانين جديدة وربطها بأسباب منطقية لاستخدام هذه التقنية وجعلها بعيدة عن قرارات تحكيمية مزاجية وعشوائية. 3. العرب كالعادة «تيتي تيتي، مثل ما رحتي جيتي»: دخل العرب المونديال هذا العام وكنا نتوسم فيهم خيرا، وخصوصا منتخبي المغرب ومصر، إلا أن الكرة العربية أثبتت أنها مازالت بعيدة كل البعد عن المستويات العالمية وعجزها عن مقارعة الكبار في العالم وأوروبا خصوصا بعد أن خرجت جميعها من المونديال دون فوز باستثناء الفوز العربي على عربي آخر في مباراة انتصار السعودية على مصر، وأظهرت المنتخبات العربية صورة سيئة لها من خلال تلقي الهزائم وعجز مهاجميهم عن تشكيل أي خطر على مرمى الفرق المنافسة، عدا ضعف خط الدفاع وتلقيه لعدد من الأهداف ولعل أسود الأطلس منتخب المغرب هو الوحيد الذي عانده الحظ وإلا لكان الحصان الأسود للبطولة لولا خروجه القاسي، والذي واجه من خلاله بعضا من الظلم التحكيمي خصوصا في مبارياته ضد البرتغال واسبانيا، وجاءت مشاركة مصر فاشلة بكل المقاييس من خلال تلقي ثلاث هزائم في مبارياتها بدور المجموعات، وكذلك المنتخب السعودي بتلقيه هزيمتين من روسيا وأوروغواي، أما تونس فربما كانت الأوفر حظا بتخطي مجموعتها لولا جودة التشكيل البلجيكي، وقوة أسود إنجلترا، حيث أُقصيت من المونديال كغيرها من العرب منذ الدور الأول. 4. منتخب اللاعب الواحد: لا شك أن خروج التانغو الأرجنتيني من البطولة هو أحد المفاجآت غير المتوقعة، خصوصا وأنه وصيف مونديال 2014 وعانى أبناء الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا من الضياع والتشتت داخل الملعب، ورافق ذلك تخبط كبير من المدرب خورخي سامباولي وعدم إيجاده الحل والتشكيل المناسب لمنتخبه، ووضع الضغوط كلها على ليونيل ميسي الذي فشل في إيجاد طريقة مناسبة لحفظ ماء وجه الأرجنتينيين، عدا ذلك كانت الأمور داخل غرفة الملابس غير مستقرة، وظهور أخبار تشير الى تحكم ميسي بالمنتخب وتسيير الأمور على هواه، فكانت النتيجة وداع البطولة منذ دور ثمن النهائي على يد الديك الفرنسي. 5. اليابان تقصي السنغال بالبطاقات التاريخية: بعد أن تساوى منتخبا اليابان والسنغال بالنقاط، ذهب الفيفا لحسم الأمور عن طريق فارق الأهداف فكانت المفاجأة بتساويهما من حيث عدد الأهداف ( له / عليه ) فتم حسم بطاقة التأهل الثانية للمجموعة الثامنة عن طريق المنتخب صاحب اللعب النظيف والأقل حصولا على البطاقات، فجاءت لصالح الساموراي الياباني في سابقة لا تحدث ربما إلا في حالات نادرة. 6. مشروع بطل: أعلنت بطولة كأس العالم هذه عن مشروع بطل وخصم ليس بالسهل على المنتخبات العالمية في المستقبل وهو صاحب الأرض والضيافة منتخب روسيا، ورغم أن الروس قد دخلوا البطولة وهم أصحاب أسوأ مركز في تصنيف الفيفا للمنتخبات إلا أنهم استطاعوا إبهار العالم من خلال المستوى الخرافي الذي قدمه الدب الروسي، واستطاع أن يقارع كبار الفرق في العالم وإقصاء المنتخب الاسباني في دور الستة عشر وعاندهم الحظ بعد أن وقعوا في الدور ربع النهائي ضد المنتخب الكرواتي وصيف هذه البطولة فكان إقصاؤهم بصعوبة عن طريق ركلات الحظ الترجيحية، ولعل أبرز اللاعبين الروس الذين ساهم المونديال في ظهورهم للعالم وزيادة شعبيتهم لدى متابعي الساحرة المستديرة هما: الكسندر جولوفين نجم خط وسط سيسكا موسكو ودينيس تشيريشيف مهاجم فياريال. 7. البطل غير المتوج: استحق منتخب كرواتيا الوصول للمباراة النهائية وذلك بعد ظهوره الأكثر من رائع في مرحلة المجموعات وتخطيه لمجموعته الحديدية التي ضمت الأرجنتين، نيجيريا وأيسلندا بالنقاط التسعة كاملة من خلال تحقيقها الفوز في مبارياتها الثلاث، وأثبت زلاتكو داليتش أنه مدرب من العيار الثقيل بعد أن قاد الكروات لهذه البطولة بشكل صعب من خلال الملحق الأوروبي واستطاع في فترة وجيزة (تسعة أشهر من بعد استلامه المهمة ) أن يجعل من رفاق لوكا مودريتش منتخبًا صعب المراس، واستطاع بناء تشكيلة بدءا من حراسة المرمى وحتى رأس الحربة يصعب التفوق عليها أو هزيمتها، وفعلا هذا ما حدث حتى السقوط الصعب في المباراة النهائية أمام فرنسا بأربعة أهداف لهدفين جاءت بعض أهداف الديوك من خطأ النيران الصديقة برأسية ماندزوكيتش في مرماه، وكذلك ضربة جزاء تسبب بها بيريستيش وربما لولا هاتان الكرتان لكانت الأمور سارت على غير هذه الشاكلة، ليكون الكروات الأبطال غير المتوجين أو كما قال عنهم المعلق الشهير حفيظ دراجي «كرواتيا فازت بالبطولة وفرنسا فازت بالكأس». 8. ديشامب رمز المجد يسكت المنتقدين ويقود الديوك للقب: عادت فرنسا من جديد لمنصات التتويج بعد غياب دام عشرين عاما، ويعود الفضل في قوة منتخب الديوك وتفوقه على أقوى الخصوم بالمونديال للمدرب ديديه ديشامب وطاقمه الفني من مساعدين وأفراد، وكذلك للاعبين وانضباطهم التكتيكي وتركيزهم العالي داخل الملعب وربما يكون هذا الفوز بلقب كأس العالم بداية لسيطرة جيل جديد وتربعه على عرش الكرة العالمية لسنوات عديدة قادمة، خصوصا في ظل التجانس الكبير الذي أظهره المنتخب ككل، وقدرتهم على إيجاد الحلول حتى في أصعب المواقف وقوة شخصية المنتخب الذي ظهر وكأن البطولة تناديه منذ بدايتها رغم المستوى غير المقنع في مرحلة المجموعات. وكان ديشامب قد تلقى العديد من الانتقادات خلال فترة التصفيات التأهيلية للبطولة وكذلك أثناء المنافسات العالمية وحتى في الأدوار المتقدمة من المونديال، لإعتماده بشكل كبير على الأسلوب الدفاعي رغم تشكيلة النجوم الواسعة التي يمتكلها بقوة هجومية ضاربة، إلا أن سياسة ديديه الدفاعية واعتماده على الهجمات المرتدة لقتل أي خصم وهزيمته قد أثبتت فعاليتها، ولا يوجد أي مفاجآت باعتماد ديشامب على هذا التكتيك خصوصا وأنه خريج المدرسة الايطالية التي لا يمكن أن تلعب أي بطولة أو تفوز بأي لقب دون نهج دفاعي. ختاما، أتذكر بدايات هذه البطولة عندما نُشر لي في هذه الصحيفة المميزة «صحيفة الأيام» الأولى في مملكة البحرين مقالة تحت عنوان «حان وقت حصاد الذهب يا فرنسا» والتي جاءت إيمانًا مني كمشجع فرنسي بقدرات الديوك على تحقيق لقب المونديال رغم التشكيك بهم من قبل بعض المحللين والمتابعين لكرة القدم، من خلال هذا المنبر العريق أبارك وأهنئ جميع عشاق البلوز الفوز بكأس العالم وهاردلك لمشجعي المنتخبات الأخرى، لقد كانت بطولة مميزة وزاردها إثارةً وجمالًا التجمع اليومي في مجلس صحيفة «الأيام» من خلال توفير وسائل الراحة لجميع الأبناء والمواطنين في مملكة البحرين، وعرض المباريات بجو اجتماعي يساهم في خلق أجواء طيبة بين هذه الجماهير إيمانًا من هذا المركز الإعلامي الكائن في منطقة الجنبية بدوره وواجبه نحو المجتمع البحريني، فشكرًا للأيام وشكرًا لجميع من قام برعاية هذا الحدث والمساهمة في نجاحه.
مشاركة :