واشنطن/ أثار المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي أمس، ردود فعل غاضبة من جمهوريين وديمقراطيين على حد السواء، فيما دافع مدير الاستخبارات الأميركية دان كوتس عن استنتاجه «الواضح» بتدخل روسيا في انتخابات 2016.واستنكر سياسيون أميركيون، كان في مقدمتهم بول رايان زعيم الجمهوريين في مجلس النواب والسيناتور جون ماكين وليندسي غراهام النافذان في الحزب الجمهوري، تعزيز الرئيس موقف بوتين من التدخل في الانتخابات الأميركية وانتقاده لمكتب التحقيقات الفيدرالي. وقد هاجم ترمب التحقيق الذي يقوم به المدعي الخاص روبرت مولر بشأن تدخل روسي محتمل في الانتخابات الرئاسية، وبدا مقتنعا بنفي بوتين لأي تدخل من هذا النوع.واعتبر ماكين أن المؤتمر الصحافي المشترك «كان أحد أسوأ لحظات تاريخ الرئاسة الأميركية». وأضاف هذا السيناتور الذي يحظى باحترام كبير في الولايات المتحدة، أنه «الأداء الأكثر عيبا لرئيس أميركي»، وتابع: «من الواضح أن قمة هلسنكي كانت خطأ مأساويا».بدوره، دعا راين الرئيس إلى أن «يدرك أن روسيا ليست حليفتنا». وقال في بيان إنه «لا يمكن المساواة أخلاقيا بين الولايات المتحدة وروسيا التي تبقى معادية لمثلنا وقيمنا الأساسية». وأضاف راين: «لا شك أن روسيا تدخلت في انتخاباتنا، وتواصل سعيها لإضعاف الديمقراطية هنا وفي العالم أجمع». واعتبر النائب عن ولاية ويسكونسن، أن «جهود الولايات المتحدة يجب أن تتركز على تحميل روسيا المسؤولية، ووضع حد لهجماتها المشينة ضد الديمقراطية»، كما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية.من جهته، اعتبر السيناتور بوب كوركر أن بوتين خرج «منتصرا إلى حد بعيد» من هذا اللقاء مع ترمب. وقال السيناتور الجمهوري المعارض لترمب: «على الأرجح إنه الآن يتذوق الكافيار»، وفق الوكالة الفرنسية.أما السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي غالبا ما يدعم سياسات الرئيس ترمب الخارجية، فقال على «تويتر»: «فوّت الرئيس ترمب فرصة ليحمّل روسيا بوضوح مسؤولية تدخلها في انتخابات 2016. وتوجيه تحذير حازم بشأن الانتخابات المقبلة». وأضاف: «سترى روسيا في رد ترمب علامة ضعف».كما قال جيف فليك، وهو سيناتور جمهوري آخر معروف بانتقاداته المتكررة لترمب، إن تصريحات الأخير «عار». وكتب في تغريدة: «لم أكن أتصور أبدا أن يأتي يوم وأرى فيه رئيسنا الأميركي يقف إلى جانب الرئيس الروسي، ويحمل الولايات المتحدة المسؤولية عن الاعتداء الروسي».ومن عالم الاستخبارات، قال دان كوتس في بيان: «كنا واضحين في تقييمنا للتدخل الروسي في انتخابات 2016 وجهود (روسيا) لتقويض ديمقراطيتنا، وسنواصل تقديم معلومات استخبارية دقيقة وموضوعية لدعم أمننا القومي». وكان كوتس، الذي يشرف على أنشطة أجهزة الاستخبارات الأميركية، صرح في أمام مجلس الشيوخ أن مما لا شك فيه أن روسيا ترى في انتخابات منتصف الولاية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل «هدفا لعمليات تحقق نفوذا».بدوره، رأى جون برنان المدير السابق لـ«سي آي إيه» بين عامي 2013 و2017 أن «أداء» ترمب في هلسنكي «ليس أقل من عمل خيانة». وغرد «لم تكن تصريحات ترمب حمقاء فحسب، بل بدا ألعوبة بأيدي بوتين» وتساءل «أين أنتم أيها الوطنيون الجمهوريون؟».وكانت آراء المشرعين في مجلسي النواب والشيوخ متباينة قبل انعقاد القمة، بين داعم للقاء ترمب مع بوتين وتحميله مسؤولية سلوكه الإقليمي وفي العالم، ومشكك في قدرات الرئيس الأميركي على مواجهة نظيره الروسي.وكان غراهام قد قدم نصائح كثيرة للرئيس ترمب للتحضير للقائه مع بوتين. ونصحه بعدم تكرار أخطاء الرئيس باراك أوباما مع روسيا وإخلاء الساحة السورية لروسيا، بذريعة إبقاء الجيش الأميركي آمناً من الحروب والأخطار، مشدداً على عدم الثقة بالرئيس بوتين فيما يقول حول رئيس النظام السوري بشار الأسد، إذ أن الدعم الروسي لقوات الأسد متواصل وسبب كارثة إنسانية، مثل استخدام الكيماوي.وقال كريس فان هولن، السيناتور الجمهوري عن ولاية ماريلاند، إنه سيتقدم إلى مجلس الشيوخ مع السيناتور ماركو روبيو بتشريع للتحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات، وأشار إلى أن الرئيس ترمب يريد علاقات جيدة مع روسيا «وهذا أمر جيد، لكنه يصدق الرئيس بوتين في نفيه للتدخل الروسي أكثر من تأكيدات أجهزة الاستخبارات الأميركية».وإلى جانب الجمهوريين، توالت إدانات الديمقراطيين لمواقف الرئيس الأميركي. وقالت زعيمة المعارضة الديمقراطية في مجلس النواب، نانسي بيلوسي: «كانت لدونالد ترمب فرصة لمواجهة بوتين. اليوم بعد أقل من 72 ساعة على توجيه وزارة العدل التهم إلى 12 مسؤولا روسيا جديدا بالتدخل في انتخابات عام 2016، يحمّل البلدين المسؤولية»، كما نقلت عنها وكالة الصحافة الفرنسية. بدوره، قال النائب الديمقراطي جيمي غوميز: «يستمر ترمب في بيع الولايات المتحدة لبوتين وروسيا. عدم الدفاع عن الولايات المتحدة أقرب إلى الخيانة».بدوره، اعتبر النائب داريل العيسى العضو الجمهوري في مجلس النواب من ولاية كاليفورنيا، خلال مقابلته مع شبكة «سي إن إن» الأميركية بعد المؤتمر الصحافي، أن الحكم بعدم تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية لعام 2016 أمر صعب، ويجب انتظار نتائج التحقيقات التي ما زالت الجهات المختصة تعمل عليها منذ أكثر من عام ونصف.من جهته، عبّر السيناتور تشاك شومر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، عن استيائه بتغريدات حادة وغاضبة عبر حسابه على «تويتر» أمس. وقال إن «الشعب الأميركي وعبر تاريخه الطويل لم يسبق له أن رأى رئيساً للولايات المتحدة يؤيد خصماً بالطريقة التي ساند بها الرئيس ترمب الرئيس الروسي بوتين». وأضاف أنه «بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة، فإنه يقف إلى جانب الرئيس بوتين ضد إنفاذ القانون الأميركي، وضد مسؤولي الدفاع الأميركي ووكالات الاستخبارات الأميركية الذي أظهرها خطيرة وضعيفة. الرئيس ترمب يضع نفسه أعلى من بلدنا».وانتقد شومر أداء ترمب خلال رحلته الأوروبية، التي هاجم فيها حلفاءه في «الناتو»: «والتي اختتمها بأدائه المخزي في المؤتمر الصحافي مع بوتين». وأضف شومر: «هناك سؤال واحد معلق الآن حول البيت الأبيض، لماذا يضع ترمب مصالح روسيا قبل مصالح الولايات المتحدة؟».من جانبها، قالت السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن إن الرئيس ترمب «أحرج مرة أخرى الولايات المتحدة في الساحة الدولية، وقوض مؤسساتنا وأضعف تحالفاتنا واحتضن ديكتاتورا». وأضافت: «فقد تدخلت روسيا في انتخاباتنا، وهاجمت ديمقراطيتنا ولا بد من محاسبة بوتين وليس مكافأته، هذا أمر مشين».ووصف السيناتور الديمقراطي تيم كين المؤتمر الصحافي وتصريحات ترمب ودفاعه عن بوتين بأنها «لحظة حزينة لأمتنا العظيمة». وقال عبر «تويتر»: «سنستعيد قيمنا، ونعيد تأكيد قيادتنا العالمية، وسنقوم بتحويل الصفحة في هذا الفصل المظلم، وعلينا جميعا أن نقف إلى جانب تطبيق القانون في الولايات المتحدة».وأصدر الديمقراطيون بمجلس النواب بيانا قالوا فيه إن الرئيس ترمب كان لديه الكثير من الفرصة ليظهر الولايات المتحدة في مظهر غير المتسامح مع التدخلات الروسية في الانتخابات الديمقراطية الأميركية وفشل في القيام بذلك في كل فرصة قدمت له.من جانبه، هاجم أرون ديفيد ميلر، نائب رئيس معهد «ودرو ويلسون» الرئيس ترمب في دفاعه عن روسيا وتشكيكه في التدخل الروسي في الانتخابات. وقال عبر «تويتر» إنه «لم يرَ رئيسا أميركيا يتنازل عن القيم والمصالح الأميركية بهذا الشكل المخجل والمهين».وأضاف ميلر الذي عمل بوزارة الخارجية الأميركية في عدة إدارات جمهورية وديمقراطية، أنها المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي ينكر فيها رئيس المصالح الأميركية بشكل كامل، في مقابل مصالحه الخاصة. وتابع: «ترمب لم يعط فقط بوتين الفرصة للدخول إلى الداخل الأميركي، بل أعطى له المفتاح أيضا».
مشاركة :