العبادي.. وعود معسولة ولا عسل

  • 7/19/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يقول الروائي والكاتب المسرحي الألماني إلياس كانيتي، الحائز على جائزة نوبل للآداب في العام 1981: من لا شكل له لا يمكنه التحول. وليس أكثر من نظام ما بعد الاحتلاليْن الأميركي والإيراني للعراق ما ينطبق عليه مضمون هذه المقولة، فهذا نظام لا شكل له ولا ثوابت ومؤسساته ومرجعياته كلها، بما فيها مجلس نوابه ورئاساته الثلاث، ضعيفة ومرتبكة، تقودها رموز فاسدة وتنظيمات بعناوين حزبية أو ميليشياوية أعظم فسادا. ومادام هذا النظام عاجزا عن تغيير نفسه، فلن يستطيع أن يحقق أي تغيير. الأزمة التي يعاني منها هذا النظام، والتي تمنعه من تحقيق أدنى تغيير هي أنه ظل منذ 15 عاما يُدار بنظام الحزب الواحد، فلم يأت إلى الحكم طوال تلك السنوات غير حزب الدعوة في ولاية إبراهيم الجعفري وولايتي نوري المالكي وولاية حيدر العبادي، ولو تسلّمَ الحكم أي حزب آخر لشهد العراق شيئا من التغيير. وكيف يحقق التغيير أناس يحرصون على طوائفهم وأحزابهم أكثر مما يحرصون على الوطن. يقول رئيس مؤسسة الإعلام والعلاقات الدولية صادق الموسوي “قالها لي العبادي شخصيا إذا حاربت الفساد فلن يبقى شيء اسمه حزب الدعوة”. نظام مثل هذا ماذا بوسعه أن يقدم من مكاسب للناس غير نثر الوعود المعسولة عليهم، ثم يمسح الناس أيديهم بالحائط ويزدادون فقرا وتزداد حياتهم مرارة وقتامة، مقابل إهدار لثروات البلد عمن يسمّيهم المجاهدين، الذين ابتدع لهم ما تسمى الخدمة الجهادية مقابل رواتب بأرقام فلكية، أخذها من السجناء السياسيين مرورا بالذين سكنوا مخيم رفحاء السعودي بعد حرب الخليج الثانية. ثم إلى تخصيصات الرئاسات الثلاث ونواب البرلمان وغيرهم من منتسبي الأحزاب الحاكمة، بما سمته مرة النائبة السابقة حنان الفتلاوي “تقاسم الكعكة”، وهذه العملية كلها تستنزف من الخزينة المليارات من الدولارات شهريا، فأي شيء بقي للمواطن البسيط وللخدمات التي تقدم إليه وهي حقوقه المشروعة، التي لم يحصل منها حتى على حقه في التوظيف بدوائر الدولة. وللتدليل على هذا فإن القرارات الأخيرة لرئيس الحكومة التي أصدرها لمواجهة انتفاضة البصرة تضمنت قرار تخصيص 10 آلاف درجة وظيفية توزع على المواطنين من دون محسوبيات، مما يعني أن جميع الدرجات الوظيفية كانت تستحوذ عليها الأحزاب الحاكمة. مثل هذا النظام يعجز عن تقديم أي منتج لصالح الناس، فعندما انتفض المواطنون في جنوب البلاد وفراتها الأوسط، ولمعالجة مشكلة شح الكهرباء، خفضّت وزارة الكهرباء العراقية حصة الموصل من الطاقة الكهربائية من 750 إلى 400 ميغاواط، لتعويض النقص الحاصل في الكهرباء في المناطق التي تشهد احتجاجات عارمة بسبب سوء الخدمات، في وقت تعاني الموصل من انقطاعات مستمرة وطويلة للكهرباء، ومن شأن هذا القرار أن يعمّق أزمات المدينة المنكوبة، وكذا فعلت الوزارة مع محافظات الغرب والشمال، وهو حل وقتي لن يدوم. الأحد 15 يوليو الحالي، نفت عضو مجلس محافظة البصرة، زهرة حمزة، وجود أي بوادر من الحكومة لتنفيذ الوعود المتعلقة بتلبية مطالب المحتجين، مؤكدة أن البصرة تموت عطشا بسبب ارتفاع نسبة الملوحة في المياه ما أدى إلى نفوق الكثير من الحيوانات، مبيّنة أنه “لا تتوفر الخدمات ولا فرص العمل، في حين يعمل في البصرة أكثر من 30 ألف شخص من خارج المحافظة”. ولم تر حمزة جدوى للزيارة التي أجراها العبادي إلى البصرة في خضم الحركة الاحتجاجية، وقالت “لو أسهمت الزيارة بحل مطالب المتظاهرين لما استمرت الاحتجاجات حتى الآن”. نظام لا شكل له لا يأمَن الإنسان العيش في ظله، خصوصا إذا كان الفساد قد ضرب أطنابه في أرجائه، وهو لن يتحول لأنه لن يستطيع إصلاح نفسه ويعجز عن أبسط تغيير، فإذا أرادت هذه الكتلة شيئا فإن الأخرى لا تريدها ويبقى الشعب ينتظر “غودو” الذي لا يأتي بين ما تريد هذه الكتلة وما لا تريده الأخرى، والغريب أن الكتل تتوافق وتصدر القوانين، بنحو عاجل، إذا كان الأمر يحقق لها شخصيا المكاسب. ولهذا انتفضت البصرة وتبعتها بغداد وذي قار وميسان والنجف، وربما ستتبعها محافظات أخرى تعيش المرارات نفسها، ولا تطعم غير تلك الوعود المعسولة التي يطلقها السياسيون.

مشاركة :