الإمكانيات الهائلة التي تمتلكها كلّ من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية الصين الشعبية، تتيح لهما مجالا واسعا للتعاون المفيد للطرفين معا، وأيضا للأطراف الإقليمية الراغبة في الاستفادة من مبادرة الحزام والطريق التي ترى بكين في دولة الإمارات بما لديها من ميزات ونقاط قوة سياسية ودبلوماسية، ومن مقدّرات مالية واقتصادية، شريكا نموذجيا لإنجاحها. أبوظبي - برزت، الخميس، مع أوّل أيام زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى دولة الإمارات العربية المتّحدة، ملامح الشراكة الاستراتيجية متعدّدة الأوجه والمجالات، التي يتّجه البلدان بثبات إلى استكمال أسسها من خلال توسيع نطاق التعاون والتنسيق بينهما وفتح مجالات جديدة أمامه، مستثمريْن ما يمتلكانه من مقدّرات مادية ضخمة ومن وفاق سياسي وتقارب في الرؤى والمواقف بشأن العديد من القضايا سواء ما تعلّق منها بالتنمية، أو ما تعلق بحفظ الأمن وتحقيق الاستقرار. وعلى أجندة الزيارة التي بدأها الرئيس الصيني، الخميس إلى الإمارات، وهي الأولى له خارج بلاده منذ إعادة انتخابه رئيسا في مارس الماضي، مروحة واسعة من المواضيع والملفات الاقتصادية والتجارية التي تخصّ التعاون الثنائي الإماراتي الصيني، وغير المنفصلة عن المبادرة الصينية المعروفة بالحزام والطريق، والتي ترى بكين في الإمارات طرفا رئيسيا في وضعها موضع التطبيق الفعلي لتكون إطارا جديدا لتعاون الصين مع المنطقة التي يمتدّ عبرها ما يعرف تاريخيا بطريق الحرير. كما لا تخلو الزيارة، بحسب مصادر مطّلعة على تفاصيلها، من بحث لملفات وقضايا إقليمية، سعيا لتنسيق المواقف الصينية الإماراتية بشأنها، بما في ذلك الملفات المتصلة بإنهاء الصراعات في المنطقة لأجل التفرغ لشؤون الاستقرار والتنمية في بلدانها. وخلال استقبالهما الضيف الصيني، أبرز كل من نائب الرئيس الإماراتي حاكم دبي الشيخ محمّد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان، ما توليه دولة الإمارات من اهتمام بتطوير التعاون وتكثيف التنسيق مع جمهورية الصين الشعبية. ووصف الشيخ محمّد بن راشد زيارة الرئيس الصيني بالتاريخية، مذكّرا بأنّ الإمارات هي أول دولة خليجية أقامت علاقات استراتيجية مع الصين، قائلا “هناك توافق بيننا وبين الصين في الكثير من الملفات الإقليمية والعالمية، ونسعى لترسيخ علاقات ثقافية وشعبية وإنسانية بجانب علاقاتنا الاقتصادية والسياسية القوية”. واعتبر الشيخ محمّد بن زايد، من جهته، أن زيارة الرئيس الصيني للإمارات توثّق لمرحلة جديدة من مسارات التعاون بين البلدين في كافة المجالات بما يعود على شعبيهما نماء وتطورا وازدهارا. وقال إنّ اهتمامات عديدة تجمع الإمارات والصين “تشمل السلام والاستقرار والتنمية والاستثمار والاستعداد للمستقبل، وعلاقتنا الراسخة وشراكتنا القادمة تأتي استجابة للمتغيرات ومتطلبات التنمية في كلا البلدين”. وبدوره قال الرئيس الصيني بمناسبة الزيارة إنّ الإمارات ظلت تتقدم دول الشرق الأوسط من حيث التنوع الاقتصادي والتسامح والانفتاح الاجتماعي وتعتبر نموذجا مثاليا للتنمية والازدهار في العالم العربي، وتلعب دورا إيجابيا في صيانة وتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. وبشأن علاقات بلاده بدولة الإمارات قال إنّ البلدين ظلاّ منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما قبل 34 عاما يتعاملان مع بعضهما البعض باحترام ومساواة وشهدت علاقاتهما تطورا كبيرا وحقق تعاونهما العملي في كافة المجالات إنجازات مثمرة. كما أكّد ما يوليه الجانب الصيني من اهتمام بالغ لتطوير علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الإمارات وحرص على العمل مع الجانب الإماراتي على مواصلة توسيع وتعميق التعاون المتبادل بين البلدين في كافة المجالات في إطار بناء “الحزام والطريق” بما يرتقي بالعلاقات الصينية الإماراتية إلى مستويات أعلى. وظلّ التعاون الإماراتي الصيني منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في نوفمبر 1984 يسجّل قفزات نوعية في مختلف المجالات، وصولا إلى توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية واضحة البنود في نوفمبر 2012 لتكون إطارا شاملا لتفاصيل العلاقات الثنائية بين البلدين ولتنسيق مواقفهما بشأن العديد من القضايا والملفات. وتعد دولة الإمارات الشريك التجاري الأول غير النفطي للصين. وقد شهد التبادل التجاري الثنائي نموا بلغت نسبته 18.5 في المئة ليصل إلى 54.8 مليار دولار خلال الفترة 2013 – 2014، وإلى 55 مليار دولار في 2015. وفي عام 2017 بلغ إجمالي التبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات والصين أكثر من 53.3 مليار دولار بنمو وصل إلى 15 في المئة مقارنة مع 2016. ولم يقتصر التعاون الإماراتي الصيني على المجالات الاقتصادية والسياسية والتجارية فقط بل شمل مجالات أخرى مثل مجالي الثقافة والتعليم. وتم حتى سبتمبر 2017 توقيع أكثر من 25 اتفاقية ثنائية وتجارية ومذكرات تعاون بين الإمارات والصين شملت عدة مجالات، فيما سجلت السياحة الصينية الوافدة إلى الإمارات خلال عام 2016 زيارة 870 ألف زائر صيني للدولة. وتحتضن الإمارات على أرضها نحو 300 ألف مواطن صيني يعملون في مختلف القطاعات الاقتصادية، فيما تعمل في الدولة أكثر من 4000 شركة صينية.
مشاركة :