تفشي ظاهرة تدخين النارجيلة في العاصمة بغداد ازداد بعد اجتياح القوات الأميركية للعراق، حتى بات يدخنها المراهقون والفتيات معتبرينها إحدى وسائل التسلية بعد الضغوط اليومية، دون الاكتراث بمضارها الصحية. هذا الإقبال دفع بعض المقاهي إلى خلط المعسل المنتهية صلاحيته بالمخدرات لجلب المزيد من الزبائن وتحقيق الربح بغداد - ازداد عدد المقاهي التي تقدم النارجيلة لزبائنها في بغداد بعد العام 2003 من 30 مقهى إلى أكثر من 275 في عموم العاصمة. وكثرت المحلات التي تبيع النارجيلة من 10 حتى صار عددها أكثر من 25 محلا في الشورجة، وحدها بسبب الطلب عليها. وتنوعت أشكال النارجيلة بألوان وأشكال مختلفة، وصارت لها موديلات وفيها ما يخصُّ الأغنياء، وأخرى للفقراء، وبعضها يذكرنا بالنارجيل، الذي دخل إلى مقاهي الموصل لأول مرة في العام 1900، المستورد من إسطنبول على شكل ثمرة جوز هند ولها ثقبان أحدهما لينفث من خلاله دخان التبغ، والأخر من الجانب الآخر لشفطه. تغيرت أشكال النارجيلة الحديثة، واهتم صانعوها بتقديم أشكال أكثر جمالية، مكونة من قاعدة زجاجية ملونة بألوان الطَّيف، ومغلفة بقاعدة مزخرفة، ولها نبريج أحمر (خرطوم) ينتهي بأنبوب (بز) برونزي أو فضي -يوضع في الفم لمص الدخان- ومزودة بحامل نحاسي (الرأس)، يحيطه صحن خزفي، لتجميع الرماد وبقايا التبغ المحروق. وظهر زبائن أصغر عمرا مما هو معتاد لاقتناء النارجيلة بأعمار 15 و16 سنة، وتزايد عدد الفتيات اللاتي يدخنّها متأثرات بما تعرضه الفضائيات من مسلسلات. يقول عادل جاسم (35 سنة) أحد أصحاب محلات بيع النارجيلة ببغداد الجديدة لـ”العرب”، “كنت اعمل ذات العمل في أحد أكشاك بيع النارجيلة عندما خرجنا من العراق إلى مصر عام 2007 بسبب تردّي الأوضاع الأمنية في بغداد. صديق مصري قدمني إلى صاحب الكشك لمساعدته في بيع الشيشة (النارجيلة)، كما يطلق عليها في مصر. خلطة بنكهات على مزاج الزبونخلطة بنكهات على مزاج الزبون وكنت أرى مهارة زميلي في العمل، وهو يرغّب الزبون لاقتناء الشيشة، التي يختارها له، ذاكرا مواصفاتها، ومبالغا بوصف الماء، الذي ينقي الدخان من مكوناته الضارة، وتبريده للدخان”. ويضيف جاسم، “عدنا إلى بغداد عام 2011 وعملت كبائع في هذا الدكان، واقترحت على صاحبه توصيل النارجيلة إلى أماكن الزبائن. وقد بدأنا العمل بدراجة هوائية، والآن توجد لدي دراجة نارية لتوصيل الطلبات. وأسعار النارجيلة تتراوح بين 10 و500 ألف دينار (الدولار يساوي 1200 دينار) والسعر حسب الحجم، ونوع النبريج (الخرطوم) وشكل الزجاجة، ومعدن البز، ونضيف مبلغا صغيرا إلى السعر حين يطلب الزبون منا توصيل طلبه إلى البيت، ولدينا أيضا الفحم الخاص، الذي يستخدم في النارجيلة، ونضيف إلى الطلب أنواعا من المعسل، كمعسل المشمش والنعناع والليمون والفراولة والمعطر”. يقول الإعلاميّ ياسين عبيد لـ”العرب” في الماضي اقتصر زبائن النارجيلة على المتقاعدين والشيوخ، وكانوا عادة يمارسون تدخينها في مقاه قليلة تخصّص زواية منها لتقديمها، كمقهى أم كلثوم، مقهى خليل، حسن عجمي، الزهاوي، الشابندر، الفضل، الصدرية، وغيرها ولكن ازدادت المقاهي والكافيهات، والكوفي شوب، وصارت بالمئات في كل أحياء بغداد ومناطقها، وحرص أصحابها على تقديمها لزبائن جدد أصغر عمرا، وأقل تجربة مع هذا النوع من التدخين”. ويضيف عبيد، “قسم كبير من هؤلاء الشباب، وبسبب الحالة الأمنية غير المستقرة في العاصمة بغداد، ومخاوف العائلة عليهم، فقد عمدوا إلى شراء نارجيلتهم الخاصة، ووضعوها في بيوتهم، وما أن يحل المساء حتى تبدأ سهرة تدخين النارجيلة إلى منتصف الليل، موهمين العائلة أنها أقل ضررا من السجائر”. النفاخون ناشطونالنفاخون ناشطون ومن جهة أخرى يقول الحاج ظافر (65 سنة) صاحب مقهى في باب الشيخ وسط بغداد، “النارجيلة لم تكن تقدم إلا لكبار السن من المتقاعدين أما اليوم فأغلب زبائن مقهانا من الأعمار بين 14 و35 سنة إضافة إلى كبار السن، الذين يمضون وقتهم بتدخين النارجيلة لساعات متواصلة”. ويضيف ظافر، “حتى الصغار الذين يعملون في السوق في دفع عربات اليد لنقل البضائع يجيئون بعد الظهر للاستراحة في المقهى، وخلال ذلك يدخنون النارجيلة، ويلعبون الدومينو. ولا يمكننا إلا تنفيذ طلباتهم بالرغم من معرفتنا أنها مضرة لهم، أنبههم إلى مخاطرها بشكل أبوي، ولكن بلا فائدة، فهم يضحكون من نصائحنا، ويقولون، لا أحد يموت في غير أجله، ويطلبون من عامل المقهى أن يغير لهم خرطوم النارجيلة أو يضيف المزيد من الجمر”. ووفرت النارجيلة مهنة جديدة للشباب العاطلين عن العمل، أحدهم، مهند عزيز (20 سنة) يقول لـ”العرب” عن توصيله للنارجيلة إلى الزبائن، “في البداية كان أصحاب المقاهي يطلقون علينا اسم (الديليفري) ولكن طريقة نقلنا لحاملات جمر النرجيلات، ونحن نحركها في الهواء، مطلقة الشرر، وألسنة النار بطريقة ملفتة، أثناء قيادتنا لدراجات توصيل الطلبات، ونحن نمر بها في الأسواق، ما جعل الناس يطلقون علينا اسم (النفَّاخة)”. ويضيف عزيز، “النفَّاخون لا يحركون المجامر عبثا بل لنفض الرماد عن الفحم المشتعل لإبقاء جذوة النار مستعرة، ليتم تسليم الطلب للزبون جاهزا. وليس عليه سوى نصب النارجيلة، وتنشق الدخان باردا معطرا يحمل لصاحبه لحظات من التأمل وراحة النفس مع صوت قرقرة ماء الزجاجة”. نكهات مختلفةنكهات مختلفة ويكمل ضاحكا، “وكل يوم لا تنطفئ نار النفَّاخة إلا بعد منتصف الليل عند إقفال المقهى. وأجرة النفَّاخ اليومية 20 ألف دينار ماعدا الإكراميات. وسعر الطلبية الواحدة تتراوح بين 5 و7 دينار وداخل المقهى بـ1500 دينار”. كريم العماري موظف حكومي (45 سنة) من رواد مقهى المدينة ببغداد الجديدة من الزبائن المواظبين على تدخين النارجيلة في المقهى وفي البيت، يقول، “عادة في أيام العطل الرسمية، وهي كثيرة في العراق أجد متعتي بتدخين النارجيلة في البيت مساء بعد العشاء، وأنا أشاهد برامج التلفزيون، ولا تكلفني النارجيلة الديليفري سوى 5 آلاف دينار مع الإكرامية للنفَّاخ الذي يجلبها لي”. يقول الأخصائي في الأمراض التنفسية الدكتور يوسف حسن عن الأضرار التي تسببها النارجيلة، “من يستخدم النارجيلة لمدة ساعة يعادل تدخين خمس علب سجائر. وهذا له ضرر كبير على قدرة الرئتين لتوفير الأوكسجين الكافي للجسم، كما أن استخدام النارجيلة من عدة أشخاص يتسبب في نقل مختلف الأمراض، وحتى إذا كانت خاصة بواحد، فهناك الكثير مما يسمى بظاهرة التخمر في الخرطوم ويتسبب بنشوء مستعمرات جراثيم مؤذية على الصحة بالتراكم”. ويضيف حسن، “وانتشر استخدام المعسل المنتهي الصلاحية، والمخلوط بالحشيشة والبانغو والحبوب المخدرة، مع الكحول، لإعطاء مشاعر الانشراح للمدخن، ولدفعه إلى تكرار التجربة، وهذه المواد تسبب أنواعا من الحساسية ينتج عنها سعال دائم لا تمكن معالجته، لشدة الضرر الذي يسببه للقصبة الهوائية والرئتين، كما أن احتمالات الإدمان واردة على هذه المخدرات بشكل غير مباشر”.
مشاركة :