لا يزال العالم يعيش صدمة كبيرة من الأخبار الواردة من قطر حول مئات الآلاف من المهاجرين الآسيويين العاملين في مشاريع كأس العالم 2022 المقرَّر في قطر، الذين يموتون بسبب ظروف متعددة، منها العمل تحت أشعة الشمس الحارقة دون النظر للجوانب الإنسانية، أو بسبب نظام العمل الذي وصفته الصحافة الأجنبية بـ«العبودية المطلقة».الاتحاد النقابي الدولي أكد بحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية أن نحو 4000 عامل معرضون لخطر الهلاك في قطر بحلول المباراة الافتتاحية في عام 2022 علماً بأنه مات نحو 520 عاملاً من نيبال والهند وبنغلاديش بينهم 385 توفوا لأسباب غامضة.ووسط هذه الأحداث المأسوية التي يعيشها العمال في قطر لا يزال هناك تكتيم على أعداد الوفيات من قبل السلطات القطرية.ويبدو الوضع غامضاً بشأن الأعمال الجارية على صعيد البناء للملاعب التي تستضيف المباريات، حيث يتساءل المراقبون بشكل دائم عن جاهزية قطر للبطولة في ظل الظروف الحالية.من ناحية، يُشتبه في كون الحرارة الشديدة التي تحتدم هناك خلال فصل الصيف، مع درجات حرارة لا شك أنها تتجاوز 50 درجة، سبّبت العديد من الوفيات في مواقع البناء.ومن ناحية أخرى، يبدو نظام الكفالة في قطر من الأسباب الرئيسية التي تجعل العمال يعيشون تحت ضغط شديد، إذ إن أحوالهم الصعبة مرتبطة بأصحاب العمل، وهم مَن يتحكمون فيهم، وهو ما أجبر منظمات حقوق الإنسان على دقِّ ناقوس الخطر وسط مطالبات لا تنتهي بإلغاء نظام الكفالة.ويشكل العمال القادمون من تلك الدول ثلاثة أرباع القوى العاملة في قطر، الذين يُقدر عددهم بنحو مليوني شخص.ويقول سوشانت، رجل يبلغ من العمر 21 عاماً، وعمل لمدة عام ونصف العام في موقع بناء ملعب الوكرة: «عليك التركيز كثيراً، فالعمل شديد الخطورة. في بعض الأحيان نعمل في ارتفاعات عالية جداً، أصغر قطعة تسقط منك يمكن أن تسبب ضرراً هائلاً. وكانت هناك إصابات طفيفة في الآونة الأخيرة، ولكن لم تحدث وفيات».أما تك، الذي يعمل سائق شاحنة ويبلغ من العمر 31 عاماً عمل لمدة سبعة أشهر في الوكرة، يرى من جانبه أن «الأمن مُشدد عليه للغاية».وأقنعت منظمة العمل الدولية بإغلاق قضية «العمل القسري»، التي تخضع للتحقيق منذ عام 2014 ضد قطر. وفي المقابل، افتتحت هذه المنظمة التابعة للأمم المتحدة مكتباً في الدوحة، مهمته متابعة نظام الكفيل، وما يُستجد حوله، وسيلغى في غضون عام.وذلك بحسب هوتان هومايونبور، ممثل منظمة العمل الدولية في الإمارة. ومن بين التطورات، إنشاء لجنة لحل النزاعات العمالية، التي من المفترض أن تعمل أسرع بكثير من الهيئة الموجودة من قبل. ووضع الحد الأدنى للأجور، الذي حُدِد حالياً بـ176 يورو، وهو مبلغ بخس حتى لو كان يشمل السكن والطعام والنقل.ويبدو الاتحاد الدولي لنقابات العمال مترقباً لوعود قطر بإلغاء الكفالة لكن ذلك لم يحدث رغم أن كأس العالم لم تتبق عليها سوى أربع سنوات فقط، وما زلنا ننتظر الإصلاحات البنيوية لإثبات أنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح.وفيما يخص قضية الضحايا في العمل، التي تم تجاهلها من قبل الاتحاد الدولي لنقابات العمال، لا يزال التعتيم حاضراً وبقوة، حيث لم تنشر الحكومة القطرية أي إحصائيات منذ عام 2012. وفي عام 2016، وبعد الضغط من قبل منظمة «هيومان رايتس ووتش»، اعترفت السلطات بمقتل خمسة وثلاثين عاملاً. وكانت اللجنة المنظمة لبطولة كأس العالم قد أعلنت من جانبها عن مقتل عشرة عمال بين أكتوبر (تشرين الأول) 2015 ويوليو (تموز) 2017 من بين عمال الملاعب، ثمانية منها اعتبرت «خارج العمل».ومع ذلك، وفي عام 2016، وردّاً على إحدى المنظمات غير الحكومية في نيودلهي، كشفت الممثلية الهندية في قطر عن أن 241 من رعاياها قد ماتوا في عام 2013، و279 خلال عامي 2014 و2015 وفيات نادراً ما تكون طبيعية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الفئة من الشباب صغيرة في السن.ويُفسر التناقض في الأرقام المقدمة إلى «هيومان رايتس ووتش» بحقيقة أن غالبية حالات الاختفاء هذه توصف بأنها «غير مبرَّرَة»، أو تُنسب إلى «قصور في القلب». ويعتقد بعض الخبراء أن السبب الحقيقي يكمن في أنه خلال فصل الصيف يتزايد عدد الوفيات بالسكتة القلبية بسبب الحرارة.ووفقاً لصحافي نيبالي سابق، موجود في قطر منذ عشر سنوات، حيث يقول: «تواصل الشركات انتهاك التشريعات، التي تحظر العمل في الهواء الطلق خلال الساعات الأكثر سخونة في الصيف». وقال نيكولاس ماكغيهان: «من الغريب أننا ما زلنا لا نعرف عدد العمال الذين ماتوا منذ عام 2012 ولماذا». ويجب على الاتحاد الدولي لكرة القدم أن يطالب الحكومة القطرية بتسليط الضوء على هذه القضية.رام، سائق سيارة أجرة نيبالي، لن يدلي بأفضل من ذلك. منذ عام 2011، توفي أربعة أشخاص من قريته «التي بها قرابة المائة منزل» في شبه الجزيرة. شقيقه وعمه تُوفِّيا نتيجة حادث على الطريق الذي يعملون فيه، واثنان من الجيران؛ واحد عن طريق الانتحار، وفقاً للنسخة الرسمية، والآخر وهو نائم، كما هو الحال في كثير من الأحيان بسبب درجات الحرارة. ولدى رام كثير من الأسى في قلبه، بسبب الجالية النيبالية التي ليست بالشيء الكثير في قطر، بحسب تعبيره.
مشاركة :