علة تغير الفتوى: قد تختلف الفتوى باختلاف اعراف الناس، ومن ذلك ما نجده مثلاً للشافعي او احمد او مالك وأبي حنيفة، نجد لهم اكثر من قول في المسألة الواحدة، والسبب في ذلك كما قرر اهل العلم ان مناط الحكم الاول قد انتقل الى ما يقتضيه الاجتهاد الجديد، وقد يكون التغير اما الى اعلى و إما ادنى، واما الاقدام واما الاحجام بحسب المصلحة الشرعية. ضوابط تغير الفتوى: استغلت بعض الجماعات السياسية هذا المبدأ لتروج أفكارها تحت ذريعة اختلاف الظروف... ولكن فقهاء الاسلام ضبطوا هذه المسألة وحددوها بإطار يضمن سلامة الاستدلال فقالوا: 1 - ان تكون السياسة الجديدة مبنية على اصول الشريعة وليست على نظام حزبي مؤسسي لا يرتبط بالاجتهاد الفقهي في فهم النصوص، حيث ان الامة لا تملك الا الاجتهاد في فهم النصوص الشرعية وتطبيقها على ما يجد من الحوادث والنوازل، وليس للفقهاء ولو اجتمعوا على صعيد واحد ان يتجاوزوا الاطار الذي تحدده هذه النصوص في فهم الكتاب والسنة وعلى فهم سلف الامة فقط.2 - عدم احداث سياسة جديدة تؤدي الى مفسدة مساوية للمصلحة التي تحققها او ارجح منها، ومقصود هذا الضابط هو معرفة جدوى هذا الرأي هل يحقق مصلحة أولا؟ فاذا كانت الفتوى أو الرأي يؤدي الى عمل مشروع، فهو مشروع، وان كان يؤدي الى عمل ممنوع فهو ممنوع أو كان يتضمن مفسدة ارجح من المصلحة المتوقعة، وذلك اعمالاً للقاعدة الفقهية «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».3 - تحقق المصلحة المعتبرة، لان القاعدة المقررة في عمل الحاكم هي التصرف وفق مصلحة الرعية، بحيث يراعى حال من تُسنّ لهم القوانين والتشريعات برفع الحرج عنهم والتيسير عليهم بما يتفق مع عاداتهم الحسنة ومعاملاتهم العادلة وقت سن الانظمة، وليس العكس كما هو حاصل اليوم في من افتى الناس بجواز الخروج في ثورات الربيع العربي، حيث اوقعوهم بحرج يصعب الخلاص منه، حيث كانت احوالهم السابقة احسن منها بعد الثورة، والواقع خير شاهد.4 - عدم تفويت السياسة الجديدة المبنية على تغير الفتوى لمصلحة ارجح. يقول العز بن عبدالسلام «يتصرف الولاة ونوابهم بما هو اصلح للمولى عليهم درءا للضرر والفساد وجلبا للنفع والرشاد، ولا يقتصر احدهم على الصلاح مع القدرة على الاصلح الا ان يؤدي الى مشقة شديدة». وهذا كلام نفيس لهذا العالم الجليل، والامثلة لهذه القاعدة كثيرة مثل تدخل الدولة في تحديد الاسعار وذلك اذا تحكم التجار في الاسواق واحتكروا السلع وحصل بهذا ضرر على الفقراء. وكذلك مسألة اضطرار الدولة الى فرض الضرائب اذا داهم العدو بلاد المسلمين ولا يوجد في اموال الدولة ما يكفي لصده فللحاكم فرض ضرائب موقتة على التجار لتتحقق المصلحة في دفع هذا العدو وتكون مقدرة بمدة .5 - عدم معارضة السياسة الجديدة لمقاصد الشريعة، وذلك بأن يكون نطاق هذه السياسة الجديدة هو النطاق الذي سمحت به الشريعة، وهو محل اجتهاد وتجدد حسب الظروف والزمان، مثل الامور الادارية والمالية والأمنية ونظام العمل والأنظمة المحاسبية. والمقصود من ذلك تحقيق مصالح الناس مثلما عمل عمر رضي الله عنه بوقف توزيع ارض السواد على المجاهدين وجعلها مورداً خاصاً لبيت المال، كما انه عمل على تسجيل المجاهدين واسمائهم وعائلاتهم ومدة سفرهم وعودتهم، كما انه اتخذ سجناً في مكة مع انه في عهد الرسول صلى الله علية وسلم وعهد ابي بكر، لم يكن هذا موجوداً.dr.aljeeran2017@gmail.com
مشاركة :