بيروت: رنه جونيعند خط طول سياحي يقع بين ثلاث قلاع تاريخية هي: تبنين ودوبية والشقيف، تقع بلدة «خربة سلم» جنوبي لبنان، وفيها «قلعة شعبان» الأثرية، القلعة التي بناها موسى شعبان بنفسه واستغرق العمل بها زهاء عشر سنوات لتتحول إلى موقع سياحي تراثي أنتجته أنامل جنوبيين قرروا أن يبهروا العالم بأفكارهم وإبداعاتهم.اختار شعبان المغترب بلدته «خربة سلم» ليشيد عليها حلمه الذي هو عبارة عن دار جمع فيها نمطين من الهندسة، ما أضفى جمالية خاصة على موقع بات يحجز مكانه بين المواقع السياحية في جنوبي لبنان.عند مدخل الدار يستقبلك أسدان وحمار وفلاح في مشهد تحسبه طبيعيًا قبل أن تتأكد أن ذلك «مجرد أشكال» في حين تتولى العصافير عزف الموسيقى، إذ خصص شعبان مساحة واسعة للطيور لتصدر موسيقاها التي تنعش الروح، وتدخل السكينة على نفوس زوار أتوا للاسترخاء في كنف الطبيعة، حيث الطاووس والبط وغيرها من حيوانات تفترش جزءًا من الدار جاء تصميمه على هيئة «عرازيل» واحدها «عرزال» وهو مأوى في الحقول أو بين أغصان الشجر وعلى هيئة غابة، وهي رحلة استكشاف للذات قبل المكان وفق ما تشير إحدى الزائرات التي ترى أن السياحة الطبيعة باتت أكثر جذبًا للناس، خاصة الباحثين عن الهدوء هربًا من ضجيج الحياة.طريق متعرجة تحملك من أحياء «خربة سلم» الضيقة إلى قمة جبل مطل على كتف الوادي في موقع يدخلك في عالم الطبيعة بعيدًا عن الأسمنت.. تدخل الدار فيراودك ألف سؤال هل أنت في لبنان؟ وهل أنت حقًا في «خربة سلم» البلدة الصغيرة التي ما تزال تطغى عليها صفات القرية قبل أن تقطع تساؤلك لافتة عملاقة كتب عليها: «أهلا بك في الدار دارك - خربة سلم» ومعها صوت عجوز يتكلم باللكنة الجنوبية في تأكيد لأهمية الهوية الجنوبية والتراثية تحديدًا.. هوية تصاحبك في مسيرك داخل الدار، حيث تصل إلى غرفة كبيرة تشبه القبو الحجري صممت خصيصًا لعرض التراث القديم من مناجل وعدة الفلاح والدار ومقتنيات الضيعة التي رافقت الجدود طوال سنوات، تزينها صورة الجد الأكبر لشعبان بالزي القروي القديم المستوحى من العهد الفرنسي بشنبه المفتول.. القبو يشبه إحدى مغاور البلدة الأثرية ذات الأقبية والممرات الضيقة، وكأنما أراد شعبان أن ينقل كل الطبيعة إلى داره، بعيدًا عن الاستنساخ الذي أصبح سمة المقاهي والمنتجعات في السنوات الماضية، وربما هذا ما أهله ليحتل رتبة سياحية مميزة أسوة بجارته قلعة شعبان الأثرية القلعة، التي أنجزت ودخلت كتاب السياحة التراثية من بوابة فردية وصنعت لنفسها اسمًا على خريطة السياحة التراثية المميزة التي باتت مقصد كل عشاق التراث والباحثين عن حرف قديمة امتهنها الأجداد وصنعوا منها رجالًا حققوا الكثير من الإبداعات على مر التاريخ، ذلك أن «واتس أب» و«فيسبوك» لم يخترقا حياتهم الاجتماعية ولم يهددا شمل العائلة، بل كان الحوار والنقاش سيد الجلسات التي غالبًا ما كانت تتناول مواضيع تهم العائلة وفق ما يقول شعبان، لافتاً إلى أهمية الحفاظ على الوحدة بين الناس، لأنها القوة التي يحال تفكيكها في عصر الحرب الناعمة، ومن هنا كان العمل الجدي على توحيد التراث والطبيعة والأصالة في مكان لنخبر الزائر بأهمية ما يملك رغم بساطته ليحافظ عليه، لأن زرع الثقة والقناعة في نفس الشخص لازم لتغيير الواقع بصورة حضارية متينة، وهذا يبدو جليًا من خلال تصميم الدار الذي يرمز إلى العائلة، و«العرازيل» التي ترمز إلى محبة كانت سائدة في الماضي، إذ كان «العرزال» ملتقى الأحبة على سهرات المجوز والعتابا بحضور للحيوانات يرمز إلى قيمة المحبة والتمسك بالأرض، ولا يتردد شعبان في القول إن «الدار دارك» هو من أجل أن تصبح للإنسان بذرة يتمسك بها، ويكون انتماؤه إلى مكان يعيش فيه بهدوء.
مشاركة :