يمهِّد بحث جديد الدرب إزاء إيصال الأدوية المضادة للسرطان إلى الأورام بمعدل دقة لم نشهده سابقاً. يستخدم نظام جديد «ذكي لإيصال الأدوية» كبسولة نانوية لا تفرغ حمولتها من الدواء إلا عندما تصادف إشارتي أورام بالترتيب الصحيح. يصف تقرير «إثبات المبدأ»، الذي نُشر أخيراً في مجلة العلوم الكيماوية، كيف حقق هذا النظام النجاح بتفاعله مع تعاقب حالتين تحدثان داخل الأورام. الحالة الأولى ارتفاع الحموضة فوق عتبة محددة، والثانية وجود مادة تُدعى الغلوتاثيون تكون معدلاتها أعلى في بعض أنواع الأورام. يُعلِم حدوث هاتين الحالتين بالترتيب الدقيق هذا الكبسولة النانوية بأنها تدخل «بيئة ورم ميكروية متعددة المراحل»، فتطلق حمولتها من الدواء. ولكن إذا واجهت حالة من هاتين الحالتين أو إذا حدثتا بترتيب معكوس، فلا تطلق الكبسولة الدواء. اختبر وي-هونغ زو، باحث بارز أشرف على إعداد تقرير الدراسة وبروفسور متخصص في الكيمياء في جامعة شرق الصين للعلوم والتكنولوجيا في شنغهاي، وفريقه هذا النظام أولاً على خلايا في المختبر، ثم على فئران حية. «جيل» جديد من الأدوية تطلق الكبسولة مؤشرين فلوريين فريدين (تطلق مؤشرها الأول عندما تستوفي شرطها الأول ثم تطلق مؤشراً ثانياً مختلفاً عندما تستوفي شرطها الثاني)، ما يعني أن العلماء يستطيعون تتبع عملية إيصال الدواء بدقة أثناء حدوثها. يفتح هذا في المجال أيضاً إزاء استخدام هذا النظام «كوسيلة استشعار فلورية ذكية» تتيح التوصل إلى تشخيص أكثر دقة. يذكر البروفسور زو أنه هو وزملاءه يعتقدون أن بحثهم سيقود إلى «جيل جديد من الأدوية» يمكن برمجتها للتفاعل مع محفزات معينة بطريقة منطقية. تشمل الأسباب التي تجعل نظامهم الجديد يحمل عملية إيصال الدواء إلى مستوى آخر استعماله «منطق AND (و) يستند إلى التسلسل» لا منطق OR (أو) بغية إطلاق الدواء. يطلق نظام الإيصال، الذي يستخدم منطق OR (أو)، الدواء عندما يستوفي أحد الشروط التي بُرمج للتفاعل معها. ولكن مع منطق AND (و) الذي يستند إلى التسلسل، لا يُطلق النظام الدواء إلا عند استيفاء الشرطين بالتسلسل الصحيح. يوضح العلماء أن هذه المقاربة تحمي الدواء بشكل أفضل من «البيئات المدمرة والتفاعلات غير المرغوب فيها» وتضمن تحفيز عملية إطلاق أكثر دقة «عند الحاجة». طريقة عمل النظام قد يبدو ملائماً أن نصف نظام إيصال الدواء هذا بـ«بكبسولة نانوية تحمل دواء»، إلا أن هذا الوصف لا يعبّر بدقة عن طريقة عمله. يضم النظام في الواقع جزيئات طويلة مصنوعة من ثلاثة أجزاء: يصدر الأول إشارة فلورية ويتشكل الثاني من «دواء أولي». أما الثالث، فهو «ذيل بوليميري» طويل. ويتحول الدواء الأولي أيضياً إلى دواء مضاد للسرطان عند إطلاقه. يتفاعل «بحساسية فائقة»مع التغييرات في معدل pH أو مستوى الحموضة. فعندما ينتقل من مجرى الدم (حيث تكون الحموضة متدنية) إلى بيئة الورم (حيث تصبح الحموضة أعلى)، يرصد التدني في معدل pH. عندما يكون معدل pH أعلى من العتبة المبرمجة، تشكّل الجزيئات الطويلة شكلاً يُدعى «مذيلة». يشبه هذا الشكل كرة تكون فيها كل الأذيال البوليميرية نحو الخارج والوحدات الفلورية في الوسط. وهكذا تُكبح الإشارة الفلورية في هذا التشكيل. ولكن عندما تدخل المذيلة بيئة ينخفض فيها معدل pH إلى ما دون عتبة معينة، يتفكك هذا التشكيل وتتحرر الجزيئات الطويلة. يكون أول ما يحدث نتيجة ذلك أن الإشارة الفلورية لا تعود مكبوتة بل يمكن رصدها بنجاح. وهكذا تشير إلى أن الشرط الأول في منطق AND (انخفاض معدل pH) قد تحقق. بالإضافة إلى ذلك، يسمح تحرير الجزيئات الطويلة للشرط الثاني، عند استيفائه، بأن يكون له التأثير المطلوب. في هذه الحال، يخدم التعرض للغلوتاثيون كرابط بين الجزيء الطويل والدواء الأولي. وعند إطلاقه، يصبح الدواء الأولي حراً ليتحول أيضياً إلى دواء نشيط مضاد للسرطان. إشارتان فلوريتان يعني تحرير الدواء الأولي أن الجزيء الطويل يصبح أقصر، ما يسبب تبدلاً في «لون» الإشارة الفلورية (التي لا تزال تُبث) أو طول موجتها من «الأخضر إلى الأحمر الأرجواني». ويشير هذا إلى أن الشرط الثاني من منطق AND (و) استوفي بالتسلسل الصحيح. يذكر الباحثون أن هذه الفلورية المزدوجة طول الموجات تجعل النظام «مناسباً لإجراء تصوير حيوي فوري ثلاثي الأبعاد»، ما يشكّل «أداة قوية لتشخيص المرض بدقة، خصوصاً في حالة الآفات المريبة». عندما اختبر الفريق النظام على خلايا وفئران حية، اكتشف أنه يعرب عن «قدرة ممتازة على استهداف الأورام المتعددة المراحل». وفي حالة الفئران، عكس أيضاً «تحسناً كبيراً للنشاط المضاد للأورام... قاضياً تقريباً على الورم». يختم الدكتور زو: «يقدّم هذا البحث النانوي المنطقي نموذجاً لتطوير أساليب بحث ذكية في الحياة تتمتع بقدرة استشعار حيوية بغية التوصل إلى أنظمة إيصال أدوية دقيقة قابلة للبرمجة».
مشاركة :