ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أن ولي عهد السعودية الحالي محمد بن سلمان -الذي فرض نفسه زعيماً للجيل الجديد في الأسرة الحاكمة- عاكف فيما يبدو على العودة بالمملكة إلى عصر ما قبل التحديث، فقد تشبث بنظام الملكية المطلقة بصرامة وإصرار بشكل لم يسبقه إليه أي واحد من أسلافه.وأضافت الصحيفة -في مقال للدكتور عبدالله العودة، باحث الشؤون الإسلامية والحضارة في جامعة ييل البريطانية- أن ملوك وأمراء السعودية، منذ إنشائها في ثلاثينيات القرن الماضي، حاولوا إدخال أو وعدوا ببعض الآليات الديمقراطية، لكن بن سلمان أتى وأقصى الحديث عن الديمقراطية، كما تجلى في عدد من الحوارات مع وسائل إعلام غربية، قال فيها إن الملكية المطلقة لا تضر أحداً، بل إنها تفيد الولايات المتحدة الأميركية. وقال العودة إن بن سلمان لم يقل في حواراته إن المستعمرات كانت تنتفض ضد الحكم المطلق، مضيفاً أن ولي العهد -بهذا الموقف- قد تبنى وضع السعودية في عصر ما قبل التحديث على يد الملك عبدالعزيز. وأكد العودة أن بن سلمان -وعبر الترويج للملك المطلق، وهجر وعود الديمقراطية- يعود بالمملكة إلى نظام مظلم حتى من قبل أسلافه. وذكّر العودة بن سلمان أن جده عبدالعزيز قد وعد بإنشاء مجلس منتخب يقوم على أساس الشورى كمبدأ إسلامي أصيل، كما أن الملك الراحل كان يمقت الانتخابات الصورية، وتقديم وعود زائفة لشعبه، بل وعد بإنشاء برلمان منتخب يحاسب السلطة التنفيذية، ويقر الميزانية، ويقرر التشريع، لكن حلمه قد دُفن معه بعد مماته. وأكد العودة أن خلفاء الملك عبدالعزيز وعدوا بتقديم إصلاحات ديمقراطية، لكنها لم تحدث، حتى جاء الملك الراحل عبدالله، الذي قبل التماسات عام 2003 من مفكرين وكتاب يدعوه فيها إلى الإصلاح والانتخابات وفصل السلطات، مشيراً إلى أن تلك اللحظة كانت ذروة النشاط الشعبي في السعودية الداعي إلى إقامة ملكية دستورية ونظام ديمقراطي. وواصل العودة القول إن الملك عبدالله مثله مثل أسلافه نكث بوعوده. أما بن سلمان -يقول العودة- فإنه لم يعد بشيء سوى حكم مطلق وقبضة مشددة على السلطة، وأنه ورغم وعوده بمستقبل اقتصادي باهر، فإن ولي العهد وعد أيضاً بارتكاسة دينية تؤدي إلى نفس الظروف التي قادت إلى الهجوم الإرهابي الشهير على المسجد الحرام عام 1979. ويشرح العودة أن ملوك وأولياء عهد السعودية السابقين لم يكونوا متحمسين لتبني الديمقراطية أيضاً، ولم يتحركوا ربما باتجاهها، لكن مناورتهم لقبول المبدأ الديمقراطي كغاية أتاح بعض التفاعل بين الحكام ومواطنيهم، الذي أدى بدوره إلى نشوء فرصة كبيرة لعقد اجتماعي بين الشعب والعائلة الحاكمة لتأسيس مستقبل ديمقراطي ومستقر. وأكد العودة أن تغيير بن سلمان لنهج أسلافه وتبني الملك المطلق الأبدي، يعد تحولاً كبيراً عن الوعود الديمقراطية السابقة التي قدمت للسعوديين، وأن محاولة تصوير إدارة ولي العهد على أنها منفتحة تسمح للمرأة بالقيادة، وتتيح التحول الاقتصادي، تخفي وراءها نهجاً يعود بالمملكة إلى العصور الوسطى.;
مشاركة :