يعد البروفيسور محمد فؤاد زسكين رائداً لتاريخ العلوم العربية والإسلامية، وأحد أبرز الضالعين في تراثها على مستوى العالم. ولد في ولاية بتليس؛ جنوب شرقي تركيا، في 1924، وهو أحد طلاب المستشرق الألماني هلموت ريتر، الذي أقنعه بدراسة التاريخ الإسلامي، فتعلم اللغة العربية، وحصل على الدكتوراة في 1954 في موضوع «مصادر البخاري»، ومن ثم أصبح أستاذاً في جامعة إسطنبول. واصلَ دراساته في جامعة فرانكفورت، وفي 1965، نال دكتوراة ثانية عن جابر بن حيان، وحصل على لقب بروفيسور. قبل وفاته، كان يكتب المجلد الـ18 من «تاريخ التراث العربي» الذي صدر مجلده الأول في 1967، ويعد أوسع مؤلف يتناول تاريخ البشر إذ شمل كثيراً من الاختراعات والاكتشافات والإبداعات التي أنتجها العلماء المسلمون. وقسّم زسكين هذا العمل وفق التخصصات العلمية، منها: العلوم القرآنية، علم الحديث، التاريخ، الفقه، علم الكلام، الشعر العربي من الجاهلية إلى سنة 430 هـ، الطب، الصيدلة، ونال عنه جائزة الملك فيصل للعلوم الإسلامية. ويعد زسكين الداعي إلى تأسيس معهد دولي متخصص في تاريخ العلوم العربية والإسلامية، وشاركت 14 دولة عربية ومنظمات عدة من العالم الإسلامي في إنشائه عام 1982م قربَ جامعة فرانكفورت. ويضم المعهد مكتبة تحتوي آلاف الكتب ومئات المخطوطات العربية النادرة. كما أسس زسكين في سنة 1983م متحفاً فريداً من نوعه داخل المعهد جمع فيه أكثر من 800 نسخة طبق الأصل من الأجهزة العلمية التاريخية والأدوات والخرائط التي ابتكرها المسلمون، خلال العصر الذهبي للإسلام. كما أسس متحفاً مشابهاً له في العام 2008م في إسطنبول. وفي مجال النشر أصدر المعهد دورية أكاديمية عنوانها «مجلة تاريخ العلوم العربية والإسلامية»، ونشر ترجمات لأمهات الكتب العلمية العربية إلى اللغات الأوروبية، وأصدر سلسلة من الكتب التي تضمنت مقالات المستشرقين المتفرقة كما نشر فهارس للمخطوطات العربية. بالإضافة إلى تنظيم الندوات والملتقيات التاريخية بهدف الكشف عن الموروث الحضاري الإسلامي، والتعريف بمكانة العلوم في الحضارة الإسلامية، وتصحيح الأفكار الخاطئة الراسخة لدى الكثير من الغربيين الذين يجهلون مساهمات المسلمين الكثيرة في الحضارة الإنسانية. وأنشأ زسكين سنة 2010م وقف أبحاث تاريخ العلوم الإسلامية بهدف دعم أنشطة متحف العلوم والتكنولوجيا الإسلامية في إسطنبول. وأشار المقربون من زسكين إلى أنه أمضى شهور حياته الأخيرة في مكتبات إسطنبول من أجل جمع مكتبة علمية جديدة، بعد أن قررت الحكومة الألمانية وضع يدها على مكتبته الضخمة، التي تحوي كماً هائلاً من الوثائق والمخطوطات بكثير من اللغات؛ لأنها صنفتها ضمن التراث القومي الألماني. وزار زسكين دولاً عربية عدة، وألقى محاضرات تناولت قضايا ضبط منهجية البحث في مجال التراث العربي، أهمية الإسناد في العلوم العربية والإسلامية، مصادر كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني. وتطرّق إلى مساهمات العلماء المسلمين والعرب في تطوير العلوم بخاصة الطب، الكيمياء، الرياضيات، والفلك. ودرس أيضاً تأثيرات التراث العلمي العربي في أوروبا، وتطرق إلى قضايا فكرية لها صلة بالواقع العربي والإسلامي المعاصر، من خلال مناقشة «أسباب ركود الثقافة الإسلامية»، واقتراح العوامل المساعدة على النهوض والتطور. ودافع زسكين بشدة عن مبدأ وحدة العلوم، واعتبرها تراث البشرية العلمي وهو يرى أن مهمته تكمن في أن يبين مساهمة العرب في تاريخ العلوم العام، ويبين ذلك للمسلمين أنفسهم بهدف منحهم ثقة بالنفس، ويبينه كذلك للغربيين ليدركوا أن ازدهار العالم الحديث يرجع الفضل فيه -إلى حد كبير- للإنجازات العلمية للبيئة الثقافية العربية الإسلامية. وبحث كذلك في تاريخ العلوم العربية والإسلامية من أجل إيقاظ المسلمين من سباتهم بوصف الدواء الناجع لهم ولمجتمعاتهم الذي يسميه «ترياق الحياة»؛ وهو معرفة مساهمة العلوم العربية والإسلامية في تاريخ العلوم العالمي. ذلك في رأيه أهم ما يمكن أن يعطى لهم لتحريرهم من عقدة النقص وإعطائهم دفعة تحركهم لتقليص الفجوة بينهم وبين الغرب. وكان محقاً في قوله: «أن تجعل المسلمين يفهمون عظمة الحضارة الإسلامية أصعب من أن تجعل الغرب يفهمها». أيضاً نذكر له سعيه واجتهاده للاستفادة من وقته لتحقيق أحلامه وقد دفعه إلى القول: «إنني أحتاج في الحقيقة إلى خمسين عاماً أخرى كي أنجز كل ما ينبغي القيام به». وأخيراً؛ يعد فؤاد سزكين من العلماء العرب والمسلمين الذين ساهموا فى تكوين أجيال من المستشرقين الأوروبيين والباحثين العرب المختصين في مجال الدراسات العربية والإسلامية في ألمانيا. وتكريماً لجهوده أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا تعتزم إعلان سنة 2019 «عام البروفيسور فؤاد سزكين لتاريخ العلوم الإسلامية».
مشاركة :