كانت ماري آن بيفان، ممرضة بريطانية في عمر الزهور، تزوجت وأنجبت أربعة أطفال، وعندما بلغت 32 عاماً ظهرت عليها أعراض «مرض العملقة» فجأة، فتضخم وجهها وأطرافها... ثم تبدد جمالها شيئاً فشيئاً، ولم يقف سوء حظها إلى هنا... فتوفي زوجها وألقي على كاهلها رعاية أسرة لا دخل لها. وسط مخاوف ماري آن بيفان من الجوع الذي سيطول أطفالها، والتشرد القادم لا محالة، أعلن السيرك القريب من بيتها عن مسابقة «أقبح امرأة في العالم»، فقررت أن تضع كرامتها جانباً... ويسوقها ذل الحاجة للمشاركة، ثم من حسن حظها - أو من سوئه ربما - حازت ذلك اللقب... رضيت بمرارة أن تجلس أمام جمع غفير، يشير إليها متندراً... ويضحك!هذا الأمر ألهم السيرك أن يطلب منها المشاركة في عرضه التجوالي، وأن تجوب مع أفراده البلاد مستعرضةً «قبحها» مقابل مبلغ من المال... بعد أن رضخت للواقع المهين، شاركت على مضض، كانت تجلس أمام الجمهور الساخر الذي لم يرق قلبه ليستدرك حرقة الموقف.قصة قاسية قد تكون ماري آن بيفان ضحيتها، والسيرك يبدو المجرم الظالم للوهلة الأولى، لكن عزيزي إن أخذت دقيقة إضافية للتفكير، فستجد أن المجرم الأول كان «ضميراً مستترا»!ما كان السيرك ليوظف ماري في عروضه، لولا طلب الجمهور وحضوره للسخرية منها! السيرك يلبّي نداء الناس... هم الدافع الحقيقي وراء امتهان كرامة سيدة كانت لا تملك شيئاً سوى عاهتها المستديمة لتستعرضها أمام جمهورٍ منها يضحك ويضحك!على الأقل كان هدفها إنسانياً... لو كانت ماري تعيش بيننا الآن، وترى ما يفعل الناس من هدر لكرامتهم مقابل المال، ليس لأنه ضرورة! بل لأنه جوع المال فقط... ليتك ترين يا ماري كيف يتدافع البعض ليكونوا مادة دسمة للسخرية على خشبة المسرح... ليضحك الجمهور من قصر قامتهم أو شدة بدانتهم أو من عاهات ليست بهم وإنما ابتكروها كي يكونوا في مؤخرة أي طرفة لا معنى لها، فقط لأن شهوة الشهرة تولت القيادة، فقط لأن عطش الدينار أعمى بصيرتهم... ارقدي بسلام يا ماري وليرقد أطفالك بسلام... كم كنت تدوسين الإبر، وخلفاؤك الذين تبعوك تشابهوا وقرود السيرك يستعرضون هرجهم أمام الجمهور... وما زال الجمهور يضحك... ويضحك... ويضحك!
مشاركة :