قانون يهودية الدولة تشريع عنصري يهدد الوجود الفلسطيني

  • 7/23/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كي نضع الأمور في نصابها الكلي وننظر إلى دلالتها العامة، يجب القول إن صدور القانون الصهيوني بيهودية دولة إسرائيل مؤخرا يقول للفلسطينيين: إذا لم تعجبكم صفقة القرن كحل يقوم صوريا على دولتين، وشبه دولة فلسطينية بلا سيادة تتنازل عن القدس عاصمة لها، وتتمدد في اتجاه سيناء قليلا، وتتخلى عن كل مسلماتها التاريخية، فإن حل الدولة الواحدة التي تجمع القوميتين العربية والصهيونية على أرض فلسطين المحتلة غير موجود على طاولة المفاوضات أيضا، وليس أمامكم سوى البحر تلقون أنفسكم فيه. كان الفلسطينيون يلوحون أحيانا حينما تتعقد المسارات التفاوضية لإقامة الدولة الفلسطينية بعد انطلاق عملية السلام أوائل تسعينات القرن الماضي في مؤتمر أوسلو، بالعودة إلى خيار الدولة الواحدة الديمقراطية لكل مواطنيها عربا وصهاينة، وهو الخيار الذي طرحوه قديما في سبعينات القرن الماضي عندما وصلت القضية إلى بداية الطريق الذي أوصلها إلى وضعها الحالي، وهو التلويح الذي يصيب الإسرائيليين بالذعر الشديد، فمعناه تفكيك المشرع الصهيوني العنصري، وتحول يهود الصهيونية في فلسطين إلى مجرد مواطنين في دولة ديمقراطية ليبرالية أو ثنائية القومية. لكن جاء القانون الصهيوني الجديد ليستبق الخيار الفلسطيني، فخيار الدولة الواحدة يسهل ترويجه والدفاع عنه عالميا، بمرجعية أنه دعوة إلى السلام والتعايش والتغلب على الصورة النمطية التي تريد الولايات المتحدة والصهاينة تصديرها عن العرب، وهو خيار يشبه سحب الاعتراف بدولة إسرائيل لكن بشكل دبلوماسي منمق، فالاعتراف بالدولة كان وفق حل الدولتين والتخلي عن حل الدولتين يعني التخلي عن الاعتراف بالدولة ضمنيا، لذا يعد تكتيك الدولة الواحدة واحدا من أمهر تكتيكات التفاوض في جعبة الفلسطينيين. يأتي قانون قومية الدولة اليهودية بهدف التضييق على المفاوض العربي الفلسطيني، ويراهن على عدم قدرته على العودة إلى المربع صفر، واستخدام تكتيكات حافة الهاوية نظرا للظروف الإقليمية الصعبة التي تمر بها الدول العربية حاليا، والتي يشبهها البعض ببدايات القرن الماضي وتفكك السلطة العثمانية، بما يجعل من الصعوبة بمكان توفر الدعم العربي لقرار فلسطيني بتصعيد المواجهة السياسية من طرف واحد كما تفعل إسرائيل، لكن الفلسطينيين أثبتوا مؤخرا قدرتهم على ابتكار الحلول السياسية، رغم قلة أوراق الضغط في أيديهم. ويطالب الفلسطينيون بحل الدولتين حاليا على أساس القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية بحدود عام 1967، التي أكلت في الأساس المزيد من الأرض الفلسطينية المحددة وفق قرار التقسيم عام 1947م، لتعود للفلسطينيين بشكل أساسي السيطرة سياسيا على الضفة وغزة والقدس الشرقية، في حين يقدم الصهاينة بدعم أميركي مخططات للإدارة الإنسانية والاقتصادية لمناطق الوجود الفلسطيني دون سلطة سياسية محددة المعالم، ويقدمون بديلا مقترحا عن القدس عاصمة للدولة المقترحة، مع خطط لزحزحة حدود قطاع غزة قليلا نحو سيناء. وهو الأمر الذي يرفضه المفاوض الفلسطيني ويبحث في سبل مواجهة ترويجه تحت اسم “صفقة القرن”. قد يقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأفكاره الصدامية والعنصرية وراء القرار الصهيوني بشكل غير مباشر، فالقانون الاسرائيلي يحاول دفع الفلسطينيين دفعا للقبول بمشروع ترامب لتصفية القضية الفلسطينية وتفريغها من كل مبادئها التاريخية، تحت اسم صفقة القرن، والتي كان قرار ترامب بنقل السفارة الأميركية للقدس بالون اختبار مفصلي لها، حيث أدرك حجم رد الفعل العربي، وأدرك كذلك حدود رد الفعل الروسي ومدى الجهود الصينية وقدرته على امتصاص الموقف الأوروبي. ومن الملاحظات التي صاحبت إقرار القانون في الكنيست الإسرائيلي أن القانون وفق أحد بنوده الخمسة عشر اتخذ تسمية تعطيه صفة التشريع الأعلى الحاكم لكل قوانين دولة إسرائيل، ونص هذا البند على أن “القانون الأساسي وغيره من القوانين يجب ترجمتها في هذا الإطار وكأن التوراة اليهودية السياسية التي يجب أن تضبط كل التفاسير والشروح وحركة الدولة تحتها، مع الأخذ في الاعتبار أن الدولة منذ إعلانها لم تقر دستورا حتي الآن، إنما تتعامل وفق مجموعة من القوانين تعطيها تعريفا أقرب للدستور عند الدول التقليدية. ويحمل القانون تشريعات عنصرية بحتة تفرق بين الناس على أسس هوياتية، بما يخالف كل الاتفاقيات الدولية ومبادئ الأمم المتحدة خاصة حق تقرير المصير، فنص البند الأول للقانون على أن “لليهود فقط في إسرائيل الحق في تقرير المصير”، أي أنه اعتبر المبدأ الإنساني الذي أقره العالم أجمع لحق تقرير المصير حكرا على اليهود دون غيرهم من الديانات الأخرى، وكأن المسلمين والمسيحيين في فلسطين كائنات موجودة بالصدفة تُنزع عنها الأهلية الإنسانية. ومن ضمن البنود ذات الدلالة البندان السادس والتاسع، فهما يهدفان إلى تغيير تعريف الوجود داخل دولة إسرائيل وفق التصور الصهيوني المتمركز حول ذاته تماما، النافي لحق الآخر العربي ووجوده الأصيل في فلسطين التاريخية، فالبند السادس يقر بحق تعزيز بناء المستوطنات لتجميع يهود الشتات وتوفير الموارد لذلك، بينما حين انتقل القانون إلى البند التاسع في ما يخص السكان غير اليهود وحقهم في السكن على أرضهم، لم يعترف صراحة بملكيتهم لأرضهم التاريخية إنما أقر بإمكانية أن يقيموا مستوطنات، في صياغة مربكة تحيل ربما إلى نية صهيونية بخلخلة الوجود الجغرافي للفلسطينيين في مناطق بعينها، وإعادة توطينهم في أماكن أخرى.. والمثير للانتباه أن بنود القانون تتحدث صراحة دون مواربة عن تقسيمات وتوصيفات هوياتية وعنصرية بحتة على أساس الطائفة أو الدين أو القومية. وتهدف إسرائيل بذلك إلى وضع الفلسطينيين بين شقي الرحى، فتقطع الطريق من جهة على تلويح الفلسطينيين باللجوء إلى خيار التصعيد بحل الدولة الواحدة، لأن القانون المذكور يكرس لدولة يهودية أحادية القومية عنصرية السياسات تماما، ومن جهة أخرى تضع الفلسطينيين تحت سندان ترامب، لأن تصوره لحل الدولتين لا يحقق الحد الأدنى من الموقف التاريخي الفلسطيني، على حدود 67 وبالقدس الشرقية عاصمة فلسطينية. وتحاول واشنطن وإسرائيل دفع الفلسطينيين نحو المزيد من العزلة وغياب خيارات التفاوض، إذ تريدان أن تجعلا ظهر الفلسطينيين للحائط ووجههم إلى البحر، وذلك بقضم المعروض على طاولة المفاوضات باستمرار أمام العرب، لتجعلاهم يتحسرون على ما رفضوه بالأمس.

مشاركة :