بعد حصاد درامي لم يأت بما يبهر «إلا ما رحم الرب»، يفتح الموسم المقبل مصراعيه باكراً، بخاصة من ناحية خيار إنتاج أجزاء جديدة، من أعمال تحصد نجاحاً فنياً أو جماهيرياً أو تجارياً، والأهم أنها تحصّل طلب القنوات العارضة. في أروقة شركات الإنتاج، يتم الحديث جدياً عن جزء رابع من «عطر الشام» وخامس من «طوق البنات» من إنتاج «قبنض»، وجزءين عاشر وحادي عشر من «باب الحارة» من إنتاج «ميسلون» إذ ما توافرت الظروف، بينما أعلن «الصبّاح» عن جزء ثالث من «الهيبة»، وجزء ثالث من «كلبش» وفق ما كشف بطله الممثل المصري أمير كرارة، على أن يكون ما بعد عام 2019، فيما أعرب جمال العدل منتج مسلسل «أرض النفاق» عن حماسته لإنتاج جزء ثان منه. يحمل هذا الخيار منذ اتخاذه، سلبيات وإيجابيات عامة لأي عمل يسير به، فهو يتمتع بقاعدة جماهيرية مسبقة «كسر الجليد» معها، لكنه يفقد حتماً صدمة «الإبهار الأولي» والجديّة (من جديد). ويثير تساؤلات وجدالات متجددة، حول الجدوى الفنية لعمل «قديم جديد»، واتهامات بـ»العقم الفكري» و»اجترار النجاح». لهذه الإتهامات ما يبررها، بسبب أعمال «تشطّ وتمطّ» الى أن تصبح خالية من كل حدث أو فن، ركنها الوحيد هو تعّود الجمهور وتعلقه بالشخصيات، وأيضاً بسبب أعمال أخرى تفقد بريقها وتسنفذه الى أن ينطفئ في الأجزاء اللاحقة، على رغم عظمة النسخة الأولى، مثل مسلسل «صح النوم» في مقارنة بين جزئه الأول والثاني، والفشل الذريع في «عودة غوّار - الأصدقاء» في عام 1998. من حيث الشكل، يعتبر التعميم برفض خيار الأجزاء في شكل قاطع، ودق ناقوس الخطر والتحذير منه عند مجرد الإعلان عنه، ضرباً من السخافة والشعارات الفارغة التي لكانت حرمت الشاشة الصغيرة من أعمال تحولت لاحقاً الى أيقونات فنية، مثل «رأفت الهجان» المؤلف من ثلاثة أجزاء، و»ليالي الحلمية» المؤلف من ستة أجزاء و «ضيعة ضايعة» المؤلف من جزئين، و»المصراوية» الذي سبّب عدم إنتاج جزء ثالث منه حسرة لدى متابعيه، و «الولادة من الخاصرة» المؤلف من ثلاثة أجزاء، وغيرها الكثير. ويعتبر أيضاً، لزوم ما لا يلزم في حالات بناء المشروع الفني اساساً وتوزيع أحداثه وحبكته وشخصياته على مدى أكثر من جزء، مثل مسلسلي «خاتون» و «الدالي». وفي إطار الشكل ومدى مقبولية خيار الأجزاء، تبدو المقارنة، من حيث المبدأ، مشروعة مع أعمال عالمية مثل المسلسل الأميركي «دالاس» الذي استمر 14 موسماً بين عامي 1978 و1991. وحديثاً، أعلن صنّاع سلسلة «لعبة العروش» في وقت سابق عودته في جزء ثامن وختامي في عام 2019 المقبل، بعدما حقق الجزء السابق أعلى نسبة مشاهدة بين كل الأجزاء السابقة، وحصدت الحلقة الأخيرة عند عرضها، 16 مليون مشاهد ونصف المليون مشاهد، بما في الأمر من دلالة على «حليّة» (من حلال) خيار الأجزاء. ولكن من حيث المضمون، وبما يتعلق بالمواسم الأخيرة، وبعيداً من الأعمال العالمية، تكسب الآراء الرافضة لخيار الأجزاء، نقاطاً يفرضها واقع الدراما المعروضة، والتي لا تحقق شروط الأجزاء الفنية قبل الذهاب إليها، بل تعتمد مبدأ الاستسهال غالباً، والذي يصل إلى حد «المسخرة» أحياناً، عندما يخلو انتاجها من المسببات الفنية المرتبطة بالقصة الأساس، ويقتصر على مسوّغ طلب المحطات التلفزيونية، وحديثاً المحطات الرقمية مثل «نتفليكس» و»ايفليكس». والأمثلة على المطبّات التي تواكب معظم الأجزاء كثيرة. من أبرزها سهولة استبدال الشخصيات بين نسخة وأخرى، و»قبض روحها» عند الخلاف بين صنّاع العمل والممثل. ومن أشدها ضعفاً، عدم احترام الزمن الدرامي في الحقبات المتناوب عليها بين نسخة وأخرى، لا سيما من جهة الأحداث ومن جهة عامل السن لدى الشخصيات. في «باب الحارة» مثلاً تتناوب الممثلتين ناهد الحلبي وصباح بركات على أداء شخصية «ام حاتم»، ويستمر حمل «خيرية» لمدة ثلاث سنوات. ووقع الجزء الثاني من «الهيبة» في «عودته»، في مطبات قليلة جداً، تشجع على إنتاج جزء ثالث من الناحية الفنية، بخاصة أنه مبني على أرض بكر درامياً، ولكن قبل الذهاب إليه، لا بد من التطلع الى مقارنة بين النسخة الأولى والثانية التي واكبها حوار أضعف من سابقتها وأقل عمقاً، وجنحت الى الإستعراض والمبالغة في كثير من المشاهد والأداء، في نقطة ضعف هي الأبرز فيه، إلى جانب قصة حب وانفصال «شاهين» و»منى»، والتي جاءت منفصلة كلياً عن الجزء الأول الذي خلي من أي أثر لها، علماً أنه في زمن متأخر عن الثاني. في كل الأحوال لا تقتصر الأجزاء في وجودها على خانة واحدة، فهي قد تكون «سبّوبة» بالتعبير المصري العامي، وقد تكون فعلاً فنياً مبرراً، لكنها دائماً مغامرة لن تُعرف نتائجها الا بعد الإقدام عليها، ولا تقبل الحلول الوسط، هي إما تنجح عالياً وإما تسقط عميقاً، كحال الجزء الثاني من «ضيعة ضايعة» في النجاح، وحال «ليالي الحلمية» في جزئه الأخير.
مشاركة :