ثورة 23 يوليو علامة مضيئة في التاريخ الثقافي المصري

  • 7/23/2018
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

تحتفل مصر اليوم "الإثنين "بالذكرى السادسة والستين لثورة 23 يوليو وهي ثورة تشكل علامة مضيئة في التاريخ الثقافي المصري ومازالت تلهم المثقفين مع اتفاق عام على أهمية " تقييمها بصورة موضوعية لا تغفل السياقات التاريخية بقدر ما تستخلص الدروس المفيدة من أجل المستقبل".وبالتزامن مع الذكرى السادسة والستين لثورة 23 يوليو أصدر الكاتب صلاح منتصر كتابا بعنوان :"شهادتي على عصر عبدالناصر :سنوات الانتصار والانكسار" ليثير هذا الكتاب الذي جاء في 142 صفحة اهتماما ملحوظا بين المثقفين باعتباره محاولة موضوعية لرصد ايجابيات وسلبيات حقبة مهمة في تاريخ مصر اعتبارا من عام 1952 وحتى رحيل الرئيس جمال عبدالناصر في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 1970.وكان الكاتب صلاح منتصر قد أكد على أن الهدف من كتابه "مساعدة الأجيال الشابة في رؤية المستقبل" فيما اعتبر مثقفون مثل الكاتب محمد سلماوي الأمين العام لاتحاد كتاب إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أن "حجم الاتفاق مع ماجاء بهذا الكتاب الجديد من ايجابيات يفوق كثيرا نقاط الاختلاف" منوها بأن الكاتب صلاح منتصر تحدث في كتابه عن "إخلاص عبدالناصر للأهداف التي نذر حياته لها والتي نجح في تحقيق بعضها وأخفق حسب رأي المؤلف في البعض الآخر".وبين انتصاراتها وانكساراتها ثمة حاجة لمزيد من الدراسات المتعمقة حول "النموذج الثقافي لثورة 23 يوليو" بروح من الموضوعية ومراعاة السياقات التاريخية ومعطيات زمنها وعصرها الذي يختلف عن الواقع الراهن بتحدياته الجديدة.واتفق الكثير من المثقفين في طروحاتهم بمناسبة الذكرى السادسة والستين لثورة الثالث والعشرين من يوليو على أهمية تقييم هذه الثورة المصرية ضمن سياقاتها التاريخية وضراوة الحروب التي استهدفتها ومعطيات المشهد في المنطقة والعالم ولفت بعضهم إلى أن الأدب كضمير للأمة رصد أوضاعا بائسة لفئات متعددة من المصريين ومشاهد لحالات صارخة من "اللامساواة واستشراء الفقر وغياب العدالة الاجتماعية" قبل انفجار ثورة يوليو كما يتجلى في روايات مثل "القاهرة الجديدة" و"بداية ونهاية" للنوبلي المصري نجيب محفوظ.ويقول السيد محمد فائق رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان والذي أطلق أثناء توليه منصب وزير الإعلام ، "البرنامج الموسيقي" في الإذاعة المصرية في الأول من مايو عام 1965 لبث روائع التراث الموسيقي العالمي أن ثورة 23 يوليو أحدثت تغييرا عميقا في المجتمع المصري لافتا لدورها على وجه الخصوص في اقرار العدالة الاجتماعية.وفي سياق احتفالات المؤسسات الثقافية المصرية بالذكرى السادسة والستين لثورة 23 يوليو انطلقت من "قصر الغوري في قلب القاهرة التاريخية" احتفالية بعنوان "وطن بلا حدود" تحمل رسالة سلام إلى العالم من خلال عرض فني تشارك فيه عدة فرق بعضها قادم من الأقاليم.وثورة 23 يوليو 1952 حلقة في سلسلة متصلة من كفاح المصريين من أجل الحياة الحرة الكريمة بقدر ماعبرت عن أصالة إرادة المواجهة في لحظة التحدي حتى لحسابات ومصالح قوى كبرى في العالم وهو ما تجلى أيضا في ثورة 30 يونيو 2013 و التي جاءت ردا على تحديات وجودية كانت تهدد بفداحة مصر والمصريين وهويتهم ومنظومة قيمهم ودولتهم الوطنية التي هي دولة كل المواطنين تحت سماء الوطن الواحد.وها هو مشروع "التأمين الصحي الشامل" كإنجاز جديد لثورة 30 يونيو والذي يشكل ثورة في منظومة العلاج وخاصة للفئات المحدودة الدخل وتحمل نفقات علاج غير القادرين يصب في مربع العدالة الاجتماعية التي رفعت ثورة 23 يوليو أعلامها وتبنت فلسفتها من أجل حياة كريمة لكل المصريين.وإذ اعتبر أن بعض التحديات التي واجهتها ثورة 23 يوليو تتماثل مع بعض التحديات التي واجهتها مصر بعد ثورة 30 يونيو 2013 يقول الكاتب البارز في جريدة الأهرام مرسي عطاالله :"لعله لايغيب عن كثيرين أن طبيعة العصر الذي تفجرت فيه ثورة يوليو كانت مليئة بتحديات ومخاطر دبرتها القوى الاستعمارية من أجل فرض حصار على الثورة المصرية".ولعل حقيقة الارتباط بين الثورتين ضمن السلسلة المتصلة لكفاح شعب مصر من أجل الحياة الحرة الكريمة وعلى قاعدة قيم إنسانية هي قيم الحق والخير والجمال تتجلى في أن ثورة 23 يوليو تعرضت وتتعرض دوما لهجوم شرس وافتراءات ومغالطات تاريخية عديدة من جانب الجماعة التي أرادت خطف الدولة الوطنية المصرية حتى جاءت ثورة 30 يونيو لتنقذ مصر والمصريين من التسلط الظلامي والإرهابي لهذه الجماعة التي تتوهم الآن أن ممارسات الإرهاب يمكن أن تعيد عقارب الساعة للوراء أو تعود بها إلى ما قبل ثورة 30 يونيو.وإذ تستمر عملية التحليل والتقييم الموضوعي لثورة 23 يوليو شأن أي حدث تاريخي كبير تؤكد هذه الثورة المصرية الخالدة على مكانتها العالية في التاريخ الثقافي العربي وأصالة مواريثها الثقافية سواء على مستوى القضايا الفكرية التي مازالت تلهم كبار المثقفين العرب وتحفزهم على مزيد من البحث والإبداع أو على مستوى الإنجازات الثقافية المضيئة حتى الآن على امتداد الوطن.ولئن كانت ثورة 23 يوليو قد شكلت ثقافة وطنية ضد الهيمنة الأجنبية مرتكزة على حضارة شعب راسخ في أرضه عبر آلاف الأعوام فإنها امتلكت الإرادة لصنع تاريخ جديد حافل بصفحات مضيئة وأفكار بناءة ومشاريع تترجم على الأرض هذه الأفكار بقدر ماتمنحها مصداقية لدى الجماهير.وهذه الثورة بما شكلته من مشروع وطني وماتبنته من رؤى قومية للأمة العربية كان تأثيرها الثقافي عميقا بكل المقاييس فيما منحت القاهرة المزيد من التألق كعاصمة ثقافية للمنطقة كلها واحد أهم المراكز الثقافية على المستوى الكوني.والثقافة التي شكلت وعي ورؤية جمال عبدالناصر باعتباره قائد ثورة 23 يوليو موضع اهتمام من كتاب وباحثين أشاروا لتأثره واعجابه بأفكار الكاتب والفيلسوف الفرنسي فولتير الذي ولد في الحادي والعشرين من نوفمبر عام 1694 وقضى في الثلاثين من مايو عام 1778 وكان من أعلام عصر التنوير ودافع عن الحرية والمساواة والكرامة الانسانية.كما تأثر قائد ثورة 23 يوليو وهو "قارئ من الطراز الأول وعاشق للكلمة" بقصة "الزهرة القرمزية" للكاتبة الانجليزية بارونس اوركزي والتي تدخل في أدب المقاومة والثورة الفرنسية وكتاب "الأبطال" لتوماس كارليل ورواية تشارلز ديكنز "قصة مدينتين" ومسرحية "ست شخصيات تبحث عن مؤلف" للأديب الإيطالي لويجي بيراندللو وعبقريات عباس محمود العقاد ناهيك عن أعمال توفيق الحكيم وخاصة رواية "عودة الروح" وبطلها "محسن".وكان جمال عبدالناصر قد شرع في كتابة قصة "في سبيل الحرية" تمجيدا لمقاومة الشعب المصري لحملة استعمارية هي "حملة فريزر" على مدينة رشيد عام 1807 والتي هزمت أمام بسالة المقاومة المصرية فيما أهدى كتابه "فلسفة الثورة" الذي صدر عام 1954 لاثنين من الآباء الثقافيين المصريين المعاصرين وهما عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والأديب الكبير توفيق الحكيم.وإذا كانت الرؤية المتعمقة للكتابات والطروحات السياسية عن ثورة 23 يوليو تكشف عن اختلافات وخلافات في النظرة والتقييم فإن الرؤية ذاتها تكشف في المقابل عن نوع من الاتفاق العام بين المثقفين على أن هذه الثورة قدمت الكثير من الانجازات الثقافية فيما رأى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أن "ازدهار الثقافة في مجال الفكر" لايقل أهمية عن الصناعات الثقيلة.وانطلقت ثورة 23 يوليو في انجازاتها الثقافية في إنجازاتها من "مفهوم العدالة الثقافية" وبلغت هذه الإنجازات ذروتها في ستينيات القرن العشرين وبقيادة أحد ثوار يوليو وهو الدكتور ثروت عكاشة الذي كلف بحقيبة وزارة الثقافة لتبلغ القوة الناعمة المصرية حينئذ ذروة عالية وازدهرت المجلات الثقافية و فنون السينما والمسرح فضلا عن تميز المضمون الإذاعي الثقافي كما تجلى في "البرنامج الثاني" وقيام الدولة بدور رائد في صناعة السينما وإنتاج أفلام هادفة ومهمة في تشكيل الذائقة العامة للمجتمع.ولئن كانت الذكرى الـ 66 للثورة 23 يوليو مناسبة لاستدعاء ذكرى "الضمير الثقافي لهذه الثورة كما تجسد في الراحل العظيم الدكتور ثروت عكاشة بإنجازاته الثقافية الخالدة كأبرز وزير ثقافة في الحقبة الناصرية " فإن من دواعي الإنصاف وطبائع الأمور القول بأن هذا الوزير المفكر لم يكن لينجز كل ماانجزه لولا دعم ومساندة جمال عبدالناصر قائد الثورة ورئيس الدولة.وهكذا وفي ظل هذا الدعم والمؤازرة تسنى لثروت عكاشة "فارس السيف والقلم والوجه الثقافي المضيء لثورة 23 يوليو" أن ينقذ آثار النوبة ومعابد أبو سمبل وفيلة من الغرق أثناء تنفيذ مشروع السد العالي وأن يقيم صرحا عملاقا مثل اكاديمية الفنون بمعاهد الباليه والكونسرفتوار والسينما والفنون المسرحية وينشر قصور الثقافة لتقديم خدمة ثقافية لن ينساها التاريخ لجماهير شعبنا في كل مكان .إنه حقا "الوجه الثقافي المضيء والنبيل لثورة 23 يوليو" الذي أنشأ قاعة سيد درويش للاستماع الموسيقي وأعاد تكوين اوركسترا القاهرة السيمفوني وفريق أوبرا القاهرة فضلا عن عروض الصوت والضوء بالأهرام والقلعة ومعبد الكرنك.إنه ثروت عكاشة وزير الثقافة في عصر ثورة 23 يوليو والعضو بالمجلس التنفيذي لليونسكو الذي أوفد معارض الآثار المصرية للخارج لأول مرة ليحقق التواصل الحضاري والثقافي بأروع معانيه وهو الذي اقام متحف مراكب الشمس ومتحف المثال محمود مختار ودار الكتب القومية ونظم احتفالية باقية في ذاكرة التاريخ الثقافي المصري والعالمي في العيد الألفي للقاهرة عام 1969.وفي غمار كل هذا الجهد الثقافي العملاق لم يتوقف ثروت عكاشة الحاصل على درجة الدكتوراه في الأدب من جامعة السوربون بباريس عام 1960 عن الكتابة والابداع ليقدم للثقافة العربية والعالمية موسوعته في تاريخ الفن :"العين تسمع والأذن ترى" والتي جاءت في 20 جزءا ويحقق "كتاب العارف لابن قتيبة" ويقدم كتاب "مصر في عيون الغرباء من الرحالة والفنانين والأدباء"وعشرات المؤلفات والأبحاث بالانجليزية والفرنسية.والدكتور ثروت عكاشة الذي قضى في السابع والعشرين من فبراير عام 2012 هو أيضا صاحب المعجم الموسوعي للمصطلحات الثقافية فيما لاغنى لأي باحث جاد في دراسة "الحياة الثقافية في مصر الناصرية" عن كتابه المهم "مذكراتي في السياسة والثقافة" ثم انه صاحب كتاب مهم عن القائد المغولي جنكيز خان بعنوان "اعصار من الشرق" ولايمكن أيضا تناسي طروحاته عن مبدعين في حجم ليوناردو دافنشي أو الموسيقار الألماني ريتشارد فاجنر وترجماته لروائع جبران خليل جبران.والذاكرة الثقافية المصرية والعربية على وجه العموم تحتفظ بكل هذه الجهود العملاقة والإبداعات للوجه الثقافي المضيء لثورة 23 يوليو ومن بينها ترجمات هي سحر في البيان مثل رائعة "فن الهوى" ورائعته الأخرى "مسخ الكائنات" وكتاب الايرلندي الخالد برنارد شو : "مولع بفاجنر".ومن هنا قال عنه الناقد الراحل رجاء النقاش :"الدكتور ثروت عكاشة رجل له صوت وضوء والمؤسسات الرفيعة التي أنشأها بل أنجبها هذا الرجل سوف تبقى مابقيت مصر" ولاريب انه في ذلك كله يعبر عن رؤية ثقافية لقائد ثورة 23 يوليو جمال عبد الناصر الذي ارتبط به وجدانيا.و مصر التي ثارت منذ 66 عاما في يوم خالد لم تبتعد أبدا عن روح ثورة 23 يوليو وأحلامها النبيلة وطموحاتها العظيمة وها هي تؤسس بعد ثورة 30 يونيو للتقدم كسبيل لتجسيد معاني الاستقلال في هذا العصر بتحولاته العميقة التي تتطلب استحقاقاتها علما وخيالا وإرادة وتجددا معرفيا مستمرا.. فتحية لثورة مصرية في ذكراها السادسة والستين ..تحية لثورة تشكل علامة مضيئة في التاريخ الثقافي المصري وتبقى دروسها حاضرة في استشراف افق المستقبل لشعب قدره صنع معجزات في تاريخ الإنسانية.

مشاركة :