فلسطين أشعلت شرارة ثورة 23 يوليو/ تموز 1952

  • 7/23/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يسجل زعيم الضباط الأحرار، «البكباشي» ـ المقدم ـ جمال عبد الناصر حسين، 34 عاما، أن فلسطين احتضنت أحلام الضباط المصريين الشباب لإنقاذ وطنهم بثورة، وأن فلسطين كانت «بوابة» ثورة 23 يوليو / تموز 1952، وحينما كانت رائحة البارود تهب على ربى فلسطين..«وكان رصاصنا يتجه إلى العدو الرابض أمامنا في خنادقه، كانت قلوبنا تحوم حول وطننا البعيد الذي تركناه للذئاب ترعاه، كان حديثنا عن الوطن الذي يتعين علينا أن نحاول إنقاذه».     فلسطين أشعلت شرارة ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 الارتباط بين الأحداث المشتعلة في فلسطين، وبين الأحداث داخل مصر والساحة العربية، كشف عنه عبد الناصر في كتاب فلسفة الثورة: «كانت شعوبنا العربية جميعا تبدو في مؤخرة الخطوط ضحية مؤامرة محبوكة، أخفت عنها عمدا ما يجرى، وضللتها حتى عن وجودها نفسه .. وكنت أحس في فلسطين أنني أدافع عن بيتي وعن أولادي، وكان ذلك عندما التقي في تجوالي فوق الأطلال المحطمة ببعض اطفال اللاجئين الذين سقطوا في براثن الحصار، بعد أن خربت بيوتهم وضاع كل ما يملكون، وأذكر من بينهم طفلة صغيرة كانت في مثل عمر ابنتي وكنت أراها وقد خرجت إلى الخطر والرصاص الطائش مندفعة أمام سياط الجوع والبرد .. وكنت دائما أقول لنفسي قد يحدث هذا لابنتي، وكنت مؤمنا أن الذي يحدث في فلسطين، كان يمكن أن يحدث ـ وما زال احتمال حدوثه قائما ـ لأي بلد عربي، وأكثر من هذا.. لم يكن الأصدقاء هم الذين تحدثوا معي عن مستقبل وطننا في فلسطين، ولم تكن التجارب هي التي قرعت بالنذر والاحتمالات عن مصيره، بل إن الأعداء أيضا لعبوا دورهم في تذكيرنا بالوطن ومشاكله..إنه «فالوجة» أخرى على نطاق كبير..وطننا هو الآخر حاصرته المشاكل والأعداء وغرر به».     إسرائيل مجرد أثر من آثار الاستعمار كان الضابط الشاب عبد الناصر، يتابع تطورات الموقف في المنطقة العربية، فيجدها ـ كما يقول في كتاب فلسفة الثورة ـ منطقة واحدة، نفس الظروف، ونفس العوامل، ونفس القوى المتآلبة عليها جميعا، وكان واضحا ان الاستعمار هو أبرز هذه القوى، حتى إسرائيل نفسها، لم تكن إلا أثرا من آثار الاستعمار، فلولا أن فلسطين وقعت تحت الانتداب البريطاني، لما استطاعت الصهيونية أن تجد العون على تحقيق فكرة الوطن القومي في فلسطين، ولظلت هذه الفكرة خيالا مجنونا ليس له أي أمل في واقع..« ولقد خلوت إلى نفسي مرات كثيرة في خنادق عراق المنشية، كنت يومها أركان حرب الكتيبة السادسة التي كانت تقف في ذلك القطاع وتدافع عنه أحيانا، وتهاجم في أكثر الأحيان، وكنت أخرج إلى الأطلال المحطمة من حولي بفعل نيران العدو، ثم أسبح بعيدا مع الخيال، كانت الفالوجة محاصرة، وكان تركيز العدو عليها ضربا بالمدافع والطيران تركيزا هائلا مروعا..وكان تفكيري يقفز فجأة عبر ميادين القتال وعبر الحدود، إلى مصر، وأقول لتفسي: هذا هو وطننا هناك، إنه «فالوجة» أخرى على نطاق كبير، إن الذي يحدث لنا هنا، صورة من الذي يحدث هناك».     تشكيل تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين 1948 كان عبد الناصر أثناء مشاركته في حرب فلسطين قد اكتشف عددا من الحركات السرية التي يموج بها الجيش المصري..ولم تكن أي منها تعلم بحقيقة الحركات الأخرى أو إتجاهاتها أو أعضائها، ولكن جمال عبد الناصر الذي كان قائدا متميزا، علم بوجود تنظيم شيوعي في الجيش يقوده يوسف صديق، وتنظيم وطني آخر يقوده الضابط أحمد شوقي، بالإضافة إلى عدد آخر من التنظيمات السرية التي كان يعج بها الجيش في تلك المرحلة، التي سادها القلق والترقب قبل قيام الثورة..وبعد عودته إلى مصر من حرب فلسطين، شرع عبد الناصر في بناء تنظيم الضباط الأحرار، الذي كان يضم في الواقع أكثر من تنظيم سري، وأكثر من اتجاه سياسي وعقائدي، وكان ذلك في عام 1949 وهو التاريخ الصحيح لبداية تنظيم الضباط الأحرار.   أسس قومية عربية للثورة وإذا كانت ثورة 23 يوليو تحقيقا لأمل كبير راود شعب مصر منذ بدأ في العصر الحديث يفكر في أن يكون حكمه في أيدي أبنائه ، وفي أن تكون له الكلمة العليا في مصيره..فإن التجربة الثورية للحكم في مصر انطلقت من معايير قومية، وكانت الاهتمامات القومية والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، والإيمان بأن الطريق الأهم والأفضل يتمثّل في تحقيق وحدة متكاملة عربية، كل هذه الأمور كانت حاضرة في ضمير الرئيس جمال عبد الناصر، الداعم والمساند لكثير من الحركات التحررية العربية، والعمل على تقوية الجيش المصري وتسليحه بالسلاح المتطور استعداداً لمعركة التحرير الكبرى في فلسطين.     تحرير فلسطين ولمّ الشمل العربي قامت الثورة بعد سبع سنوات من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وإعادة رسم خريطة الإقليم العربي، وتوزيع الغنائم بين الدول الاستعمارية..وحين تحرك الضباط الأحرار في المساء المتأخر من يوم 22يوليو/ تموز 1952، ليعلن صباح يوم الثلاثاء 23 يوليو ، مولد الثورة ، كان الموعد مع بدء شروق عهدا جديدا على الأمة العربية، امتد إلى العالم الثالث، ومن أمريكا الجنوبية إلى إفرقيا وجنوب شرق آسيا، وقد جاءت اعترافاتهم توثيقا لتلك الحقيقة التي عبر عنها زعيم كوبا «كاسترو» وأيقونة المناضلين العالميين « شي جيفارا » : «لقد تعلمنا من ثورة عيد الناصر»..وبطبيعة الحال كان من الأهمية بمكان ترتيب البيت المصري داخلياً كي تستطيع أن تقوم مصر لاحقاً بالأعباء القومية، ومؤهّلة لقيادة نضال الشعوب العربية لمساعي تحرير فلسطين، ولمّ الشمل العربي، والكشف عن صورة العرب الحقيقية أمام العالم.   دعم الأمن القومي العربي قبل 66 عاما..تضافرت جهود الضباط الأحرار في الجيش المصري، وانطلقت الثورة كنقطة تحول جوهريَّة في التاريخ المصري؛ كما أنها غدت مُنطلقًا لكل الثورات، وحركات التحرُّر الإقليميَّة، والعالميَّة..وقادت مطالب، وأحلام الشعب المصري، في القضاء على التبعيَّة، والإقطاع، وسيطرة رأس المال، وإرساء أُسس عدالة اجتماعية، وحريَّة، وبناء جسر قومي قوي، يدعُم الأمن القومي لكامل المدى العربي، تعبيرا عن الرؤية والفكر القومي العروبي الذي تميز به الرئيس جمال عبد الناصر.     وثائـــــــــــــــــــــــــق الثورة : وثيقة تنازُل عن العرش   أمر ملكي رقم 56 لسنة 1952   «نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان لما كنا نتطلب الخير دائما لأمتنا ونبتغي سعادتها ورفاهيتها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة و نزولا على إرادة الشعب قررنا النزول على العرش لولي عهدنا الأمير احمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه» صدر بقصر رأس التين في ذي القعدة سنة 1371 ( 26 / 7 /1952 )     البيان الأول للثورة : «اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة و الفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش، وتولى أمره إما جاهل أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها ، وعلى ذلك فقد قمنا بتطهير أنفسنا، وتولي أمرنا في داخل الجيش رجال نثق في قدرتهم وفي خلقهم وفي وطنيتهم ، ولا بد أن مصر كلها ستلقى هذا الخبر بالابتهاج والترحيب..أما من رأينا اعتقالهم من رجال الجيش السابقين فهؤلاء لن ينالهم ضرر، وسيطلق سراحهم في الوقت المناسب ، وأني أؤكد للشعب المصري أن الجيش اليوم كله أصبح يعمل لصالح الوطن في ظل الدستور، مجردا من أية غاية ، وانتهز هذه الفرصة فأطلب من الشعب ألا يسمح لأحد من الخونة أن يلجأ لأعمال التخريب أو العنف، لأن هذا ليس في صالح مصر، وأن أي عمل من هذا القبيل سيقابل بشدة لم يسبق لها مثيل، وسيلقى فاعله جزاء الخائن في الحال، وسيقوم الجيش بواجبه هذا متعاونا مع البوليس، و إني أطمئن إخواننا الأجانب على مصالحهم وأموالهم، ويعتبر الجيش نفسه مسئولا مسئولية كاملة عن أمن أشخاصهم وممتلكاتهم ومصالحهم » أركان حرب جمال عبد الناصر   .

مشاركة :