ميتيران خصص طائرة لتزوده بالجبن كل صباح من المزرعة

  • 7/23/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تأليف بياتريس هوشار | ترجمة وإعداد سليمة لبال | تعاقب على فرنسا منذ اعلان الجمهورية الخامسة، ثمانية رؤساء، كانت لهم بصماتهم في الحكم وإدارة مفاصل الدولة. ومن الجنرال شارل ديغول الى إيمانويل ماكرون، غالباً ما كان مزاج الرئيس هو ما يفرض نفسه على ادارة قصر الإليزيه ومؤسسات البلد كلها. في كتاب «نزوات رؤساء الجمهورية الخامسة» والصادر مطلع هذا العام، تروي الصحافية الفرنسية بياتريس هوشار، التي غطت ستة انتخابات رئاسية لمصلحة «لانوفيل ريبوبليك» و«لا في» و«لوباريزيان» و«لوفيغارو»، قصصا غريبة عن هؤلاء، وترصد أهواء البعض، وتدخلات البعض الآخر في كل شيء في الدولة، مهما كان بسيطا، ولا يرقى الى مستوى اهتمامات الرئيس، كما تهتم بجانب غير معروف عن حياتهم الخاصة، كطائرة الفالكون التي كانت تتحرك من اجل شراء الجبن الخاص بالرئيس، الى تدخل البعض في تعيينات مديري المتاحف، وتوقيت وتفاصيل برامج التلفزيون الحكومي. إنها قصص غير معروفة على الإطلاق، امضت بياتريس هوشار سنوات في جمعها، عن نقاط ضعف رؤساء فرنسا منذ 1958، لتشكل رواية حقيقية عن السلطة في فرنسا. ونحن في القبس ننقل بعضا مما اخترناه من هذه القصص. يُنتخب الرئيس الفرنسي من خلال الاقتراع العام، ولكن هل يحق له أن يفعل ما يريد؟ طبعا لا، من الناحية الدستورية، ولكن شهدت فرنسا خلال عدة سنوات فضائح وسلوكيات مفاجئة وملكية في السلطة. كان الجنرال شارل ديغول يذهب الى كولومبي لي دو زيغليز، حين يغيب عن قصر الإليزيه، وحين يغيب عن كولومبي، يكون حتما في زيارة رسمية، ولكنه كان دوما تحت أنظار الدولة، ولكن لم يحصل أبدا أن اختفى من دون أن يبلغ أحدا، إلا في مرة واحدة، تحولت إلى حادثة تاريخية. ففي الـ30 مايو 1968، غادر رئيس الجمهورية برفقة كامل افراد اسرته من فيلاكوبلي على متن مروحيتين باتجاه كولومبي، ولكن بعد ذلك فقد أثر الجميع. حينها، تساءل الوزير الأول جورج بومبيدو إن كان الجنرال سيعود أو إن كان قد فر، بينما كانت البلاد تشهد تظاهرات مايو 68. قبل مغادرته تحدث الرئيس مع رئيس حكومته وقال له بشكل غير مألوف «قُبلاتي». حطّت المروحيتان في بادن – بادن. وبعد لقاء مع الجنرال ماسو، عاد ديغول إلى كولومبي وفي الساعة الرابعة والنصف عصرا، وجه خطابا للفرنسيين ليس عبر التلفزيون، وإنما من خلال الاذاعة، قال فيه «لن أنسحب ولن أغير رئيس الحكومة وأحلّ اليوم الجمعية الوطنية، وهكذا قلب الرئيس الوضع لمصلحته بسبب تصرفه الملكي هذا، لتمنحه في ما بعد الانتخابات التشريعية التي نظمت في يونيو أغلبية ساحقة. شيراك والليدي ديانا وموجة الحر أين كان جاك شيراك، خلال موجة الحر التي ضربت فرنسا في النصف الاول من شهر أغسطس عام 2003؟ حين كانت طوارئ المستشفيات تعجّ بالمراجعين وقوائم الجنائز تمتد على طول أعمدة الصحف المحلية؟ تأثر الرأي العام الفرنسي في ذلك الوقت بغياب الرئيس وتأخر رئيس الوزراء جان بيير رافاران في العودة من إجازته وأيضا من تدخل وزير الصحة جان فرنسوا ماتي من حديقة منزله. لم يكن وجود الرئيس الفرنسي سيغير شيئا في حصيلة قتلى موجة الحر، الذين تراوحت أعدادهم بين 15 الفا و20 ألف قتيل، ولكن السياسة هي مسألة رموز وكلمات. لم يعد يحق للوزراء الفرنسيين منذ موجة الحر تلك أن يبتعدوا مسافة ساعتين عن باريس، وأما اجازاتهم فلا تتعدى اسبوعين. ولم تكن هذه المرة الاولى التي غاب فيها شيراك وفُقد الاتصال به. فخلال ليلة 30 إلى 31 أغسطس 1997، سقطت الليدي ديانا ضحية حادث مرور درامي في نفق ألما. كان وزير الداخلية جان بيير شوفانمان هو من أعلن وفاتها في حدود الساعة الرابعة صباحا، لتنتقل بعد ساعات السيدة الأولى برناديت شيراك بمفردها لإلقاء نظرة على جثمان اميرة الغال، ممثلة لزوجها، إذن اين كان الرئيس انذاك؟ لم يكن أحد يعرف السبب في تلك الفترة الى أن ذكرت مجلات بيبول انه كان برفقة ممثلة شهيرة تلك الليلة. جيسكار وحده على الطرقات كان جورج بومبيدو مجنونا بالسيارات، وكان يحب دوما الذهاب إلى مكتبه في قصر الإليزيه في سيارته من نوع {بورش} برفقة زوجته كلود، كما كان يحب أيضا قيادة سيارته الشخصية وغالبا ما كانت سيارة خضراء من نوع بيجو. وقد سأل جيسكار ديستان، العرق البارد، عدة مرات لوالي «باي دي دوم» وأيضا منطقة لوار إي شار، حيث كان يقضي إجازات نهاية الاسبوع. ويقول شارل نويل هاردس والي المنطقة الى غاية 1981، أنه لم يكن يعرف مكان وجود الرئيس خلال أيام الاحد والسبت التي يقضيها في منطقته، إلا عندما يتصل به ليلا ليخبره بأنه عاد إلى مقر إقامته. في بداية ولايته، نشرت {لوكانار اونشيني} خبرا عن اصطدام عنيف تسبب به جيسكار ديستان وهو عائد عند الفجر إلى قصر الاليزيه، يقود سيارة من نوع فيراري، هي ملك المخرج روجي فاديم مع سيارة يقودها بائع حليب. منذ ذلك الحين أصبحت الأجهزة الامنية أكثر وجودا مع الرئيس، وحين قضى فرانسوا هولاند الليل في شقة الممثلة جولي غاييه، على بعد خطوتين من قصر الإليزيه، كان ضابط الشرطة هو من حمل لهما الكرواسان.. والمفاجئ أن سيزار أرمون ورومان بونغيبولت ذكرا في كتابهما «في ظل الرؤساء» نقلا عن كلود بيير بروسولات، الذي كان أمينا عاما لقصر الاليزيه في زمن ديستان أن جيسكار ديستان، كان متكتما اكثر من فرانسوا هولاند وكان يتنقل إلى أي مكان في سيارة زجاجها مظلل، فيما كانت الشرطة تقوم بوقف حركة المرور في شارع ما، في مساره، حتى يتم تضليل من كانوا يرغبون في رصده أو تتبعه. وتابع الأمين العام السابق للاليزيه، متحدثا عن الحادث الذي وقع بين بائع الحليب والرئيس «لم يتحدث الدرك ولا الشرطة عن الموضوع. في فرنسا إذ لم تكن هناك صورة ولم يكن هناك اسم الفتاة لا يمكن ان يتم تصديق الأمر أو الحديث عنه، وهو ما لم يحدث مع فرنسوا هولاند». ولكن الفرق بين 1974 و2010 هو هذه الصحافة البيبول ومواقع التواصل الاجتماعي وعلى الخصوص تويتر، جميعها تتسابق على الخبر الحصري. مازارين في زمن {تويتر} لو كانت مجلة كلوزر ومواقع التواصل الاجتماعي موجودة، هل كان في مقدور فرنسوا ميتيران ان يعيش حياة مزدوجة لمدة 14 عاما، وأن يحرسه الدرك في شارع بيافر في باريس، حين كان يقضي الليل هناك وينفق على أسرتين على حساب الجمهورية، من دون ان يدري أحد باستثناء الاسبوعية اليمينية مينوت وجان ايديرن هاليي؟ رغب هذا الكاتب في كتابه الذي أصدره تحت عنوان «شرف فرنسوا ميتيران الضائع، الكشف عن وجود طفلة للرئيس تدعى مازارين من زوجته آن بينجو»، غير أن قصر الرئاسة استغل قانون التنصت على المكالمات الهاتفية، الذي اقر لمواجهة الارهاب، من أجل معرفة ما يدبره جان إيدرن ولم يكن المدير السابق لمجلة «الغبي الدولي» الضحية الوحيدة، فقد تم التنصت على عشرات الشخصيات، بينهم الكاتب بول لو سوليتزر، صاحب عدد من الكتب الرائجة والممثلة كارول بوكيه والعديد من الصحافيين. واعترف جان ايدرن بكرهه للرئيس الذي أجبره على حضور زياراته لنصب البونتيون، وقد شوهد على شاشة التلفزيون خلفه، حتى أنه اعتقد أنه يمكن أن يعينه على رأس قناة تلفزيونية مثلا، ولكن ميتيران الكريم لم يكن ساذجا لهذه الدرجة، حيث انتهى الكاتب إلى حرق مخطوط كتابه امام قصر الاليزيه ولم يحصل على تعويض الا في 14 مايو 2008، أي 9 سنوات بعد وفاته، حيث ادانت المحكمة الادارية في باريس الدولة، وقضت بأن تدفع 70 الف يورو لابنه وابنته و20 الف يورو لشقيقه، تعويضا على ما جرى. مسدسا بوشكين لم يمل برنار دوبريه، نجل رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق ميشال دوبريه، من تكرار هذه القصة التي يقول فيها «تلقى والدي هدية، هي عبارة عن المسدسين اللذين تم بواسطتهما قتل بوشكين وقد سلمناهما إلى متحف بريد أومبواز». وكان الشاعر الروسي قد قتل في عام 1837 من قبل عشيق زوجته ناتالي، البارون جورج شارل دي هيكيرين، الذي استخدم في قتله مسدسي صديقه الذي يدعى ارنست جي بارونت. وقد تمكن جامع التحف بيير بول من الحصول على هذه الاشياء الثمينة وسلّمها لميشال دبري لوضعها في متحف بريد أومبواز في مدينة أندر إي لوار، بصفته رئيسا للبلدية. ولكن بالاعلان عن زيارة ميخاييل غورباتشوف، ملك الغلاسنوست (الشفافية) والبيروسترويكا (اعادة البناء)، الى فرنسا في عام 1989. يقول برنار دوبريه «وصل أفراد الحرس الجمهوري في حدود الساعة السابعة صباحا… فتحوا المتحف وأخذوا المسدسين وهم يرددون بأنها أوامر فرنسوا ميتيران». ويبدو أن الأمر يتعلق بإعادة المسدسين الى الاتحاد السوفيتي. علق برنار دبري «بأن الامر غير معقول» لأن المسدسين ملك للمدينة وليسا للدولة. وأضاف «لم اكن عمدة للبلدية في ذلك الوقت، لكن العمدة قال لنا انه لا يستطيع أن يفعل شيئا، لأن وزير الثقافة حينها جاك لانغ، وعده بأنه سيحصل على لوحة لبيكاسو بدلا من المسدسين في ظرف ستة اشهر..». عمت حالة من الدهشة، وصلت حتى البرلمان، حيث وجهت السيناتورة جوزلين دي روهان سؤالا مكتوبا للحكومة بشأن هذا الموضوع. لم يتطور الموضوع إلى أزمة بين الاتحاد السوفيتي وفرنسا، لأن وزير الثقافة جاك لانغ ردّ على النائبة بقوله أن المسدسين تمت إعارتهما لمتحف لينينغراد والسلطات السوفيتية رغبت في استعادة هذين المسدسين، اللذين يرتبطان بشاعر محبوب في الاتحاد السوفيتي، وان ما حصل هو في اطار الصداقة بين الشعبين. بعد بضعة شهور، أعيد المسدسان الى متحف بريد أمبواز ولكن متحف بوشكين في موسكو، لا يزال يعرض صندوقا يقول انه يحتوي على المسدسين اللذين قتل بهما بوشكين، وهنا يتساءل دوبريه عما اذا كان المسدسان الموجودان في المتحف الفرنسي حقيقيين. بعد سنوات اصبح ميشال دوبريه وزيرا للتعايش وطبيبا لفرانسوا ميتيران، واثناء جلسة بينهما سأله الرئيس: لماذا ازعجتني بهذه القصة؟ ما الذي كانت ستضيفه لك؟ وهنا علق دوبريه على ما سمعه من الرئيس «لقد كان يعتبر كل شيء ملكا له، وأنه كان بمقدوره ان يأخذ اي شيء ما لم يكن ملكا لأحد». جبن ميتيران كان فرانسوا ميتيران يعشق التجول والتردد على مكتبات الحي اللاتيني او زيارة الاصدقاء لتناول الافطار. وكان يستخدم في تجواله طائرة مروحية او أخرى من نوع فالكون ليذهب على سبيل المثال لمنطقة شارونت ماريتيم، حيث كان يفضل ممارسة رياضة المشي. غير أن هذه المنطقة كانت محببة لدى الرئيس، لانها كانت تصنع نوعا خاصا من الجبن يحبه الرئيس ويقدم في سلات من نبات الحلفاء، لم يكن متوفرا في باريس. ويقول الوزير السابق دومينيك بوسرو إن طائرة من نوع فالكون كانت تحط يوميا في القاعدة العسكرية روشفور – سانت انيون، وكان في إمكان السكان أن يروا سيارة رسمية مع دراجتين في ذهابهم وإيابهم. ولكن أي شخصية يمكن ان تكون داخل السيارة؟ في الواقع لم يكن داخل السيارة سوى الجبن الذي كانت تصنعه مزرعة سانت انيون. ساركوزي: أنا القائد في ما يتعلّق باستخدام وسائل نقل الجمهورية، يعد نيكولا ساركوزي الرقم واحد. ويتحدث وزراء سابقون عن رحلاته برفقة 6 اشخاص فقط، بينما تستطيع الطائرة أن تقل 20، أو تلك المروحيات التي كانت تنتظره. كان ساركوزي يحب المظاهر الخارجية للسلطة. تلقى دومينيك بوسيرو في ابريل 2008 بينما كان وزيرا للنقل ونادين مورانو وزيرة مكلفة بالاسرة مكالمة هاتفية مفاجئة من الرئيس. كانت عطلة نهاية الاسبوع والوزير في بيته في شارونت ماريتيم، حين اندلع جدل بخصوص تخلي الدولة عن تمويل بطاقات النقل عبر السكك الحديدية للعائلات الكبيرة العدد. طلب الرئيس من الوزير العودة مباشرة الى باريس، ولكن الاخير سأله ان كان في مقدوره حل الامر عن طريق الهاتف فرد ابدا، عليك ان تعود. يقول دومينيك بوريسون ان ساركوزي ارسل له طائرة كبيرة من نوع فالكون 90 ليعود الى باريس ويحضر اجتماعا لم يكن ذا اهمية، ولكن قال فيه الرئيس للوزراء «أنا القائد، وانا من سيحل المشكلة».

مشاركة :