عمليا لم تعد الولايات المتحدة هي القوة الوحيدة في العالم، ولم يعد القرن الـ21 هو «القرن الأمريكي» كما كان يطمح (المحافظون ولوبي التجمع الصناعي-العسكري الأمريكي)، فقد دخل على خط التفرّد هذه المرة ليس (الثنائية القطبية) التي كانت بين أمريكا والاتحاد السوفيتي قبل سقوطه، وإنما تعددت القوى العالمية المهمة والمؤثرة على المستوى (الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي والمالي والاستثماري) مثل الصين والهند وروسيا والاتحاد الأوروبي، بحيث لم يعد من الممكن أن يستمر «التحكم الأمريكي» في العالم، كما كانت تفعل في العقود الأخيرة، لأن المتنافسين الجدد على احتلال مركز القوة والتأثير في العالم قد يدخلون (مرحلة الصراع والحروب) لتثبيت أقدامهم على المستوى العالمي، وهذا ما تحاول أمريكا إيقاف قطاره المنطلق حتى لو أوصلت العالم إلى (حرب عالمية) هي الأكثر كارثية على كل شعوب العالم! { ونحن اليوم بكل شفافية وصراحة نقول إننا أمام مشروعين في العالم: - الأول: هو المشروع الصيني التنموي وعنوانه الأبرز «طريق الحرير الجديد» الذي يريد ربط الشرق بالغرب (تنمويا) وفي الجوانب الاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية، ولا يتحقق ذلك إلا في مناخ عالمي جديد يسوده الأمن والاستقرار! - الثاني: هو المشروع الأمريكي-الغربي «التدميري»، الذي يعمل على استعادة مفردات وأبجديات الاستعمار القديم في إطار «العولمة الرأسمالية المتوحشة» هذه المرة، وذلك لا يتم إلا بإشاعة الفوضى والحروب، وجعل البلدان -وخاصة دول المنطقة العربية والبحر الصيني- بؤرة تلك الحروب الجديدة، لكي تتفرد أمريكا بالمصير العالمي مجدداً، وبدون منافسة القوى الكبرى الأخرى! { سواء بلقاء أمريكي-صيني او أمريكي-روسي، من المهم للعالم اليوم أن تنتج تلك اللقاءات (تفاهمات دولية عالية المستوى) تعيد إلى العالم أمنه واستقراره، وأن تقبل الولايات المتحدة بالقوى «المتعددة»، وأن تعمل تلك القوى معاً لاصلاح النظام الدولي الجديد، وفق رؤية عالمية جديدة، تنكسر معها (قاعدة الشرّ الدولي)! الذي من اجل الاستفراد والنفوذ والسطوة أُدخل العالم والمنطقة العربية بشكل أكبر في فوضى كبيرة على المستوى الاقتصادي والمالي، وتحكّم آليات (العولمة المتوحشة والتجارة الدولية) بقيادة أمريكا! فالتوازن بين المصالح الدولية والإقليمية معها بإمكانه أن يعيد إلى العالم (الروح المفقودة) والمأسورة بيد من يتحكم فيها اليوم ويريد الاستمرار في هذا التحكم وبشكل منفرد! ولكن الواضح أن «ترامب» ليس أمره بيده كما يعتقد البعض وربما الكثيرون اليوم، إذ إن قوى التحكم والحكم في أمريكا لن تسمح بأن تكون طرفا بين أطراف قوية أخرى في العالم، وميولها كالعادة هي (صناعة الأزمات ثم الحروب) حتى لو تسبب ذلك في دمار العالم وفناء أغلب الشعوب! فتلك هي عقليتهم، وهذا هو جنونهم!
مشاركة :