يعاني النظام الايراني وضعاً اقتصادياً صعباً للغاية بعد انسحاب الرئيس الامريكي ترامب من الاتفاق النووي الموقع معه في مايو 2015، هذا الاتفاق الذي روج له الرئيس الامريكي السابق أوباما على انه فرصة لتحقيق الامن والاستقرار في الشرق الاوسط ودعا قادة دول مجلس التعاون لاجتماع في كامب ديفيد قبل التوقيع على الاتفاق لطمأنتهم. هذا الاتفاق الذي وجدت فيه دول مجلس التعاون تحولاً في الاستراتيجية الامنية الامريكية وتغيير جذري لميزان القوة في منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي على وجه التحديد، مما أدى الى فتح الأبواب أمام ايران لمد سيطرتها وهيمنتها على المنطقة تحت شعار محاربة الارهاب وحماية حقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير. وكان لها ما أرادت او ما أرادته الولايات المتحدة في إطار استراتيجية التغيير او خطة الفوضى الخلاقة التي أعدتها وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس عام 2005 كرد فعلٍ على هجوم سبتمبر الارهابي عام 2001 على برجي التجارة العالميين في نيويورك الذي شارك فيه تسعة عشر ارهابياً سعودياً من تنظيم القاعدة الارهابي. منذ ذلك التاريخ الأسود في تاريخ البشرية، بدأت الولايات المتحدة في ولاية الرئيس الامريكي جورج بوش الابن في إعداد الخطط مع حلفائها الأوروبيين وخاصة بريطانيا من اجل إسقاط الانظمة الخليجية الشرعية القائمة بدءًا من البحرين التي اجتاحتها أحداث مؤسفة عام 2011 لتكون هذه الجزيرة الصغيرة التي تقع في قلب الخليج العربي - وتبعد عن السعودية خمسة وعشرين كيلومترا وعن ايران مائة وخمسين كيلوا مترا - جسراً لتحقيق مخططاتها الولايات المتحدة لانهاء الحكم في السعودية الذي سيتبعه تساقط بقية أنظمة الحكم في الخليج العربي عدى قطر - كما صور لها - التي كانت شريكاً استراتيجياً وداعماً مادياً لتنفيذ خطط الادارة الامريكية لإحداث التغيير المطلوب في المنطقة العربية ككل والتي أدت في نهاية المطاف الى إسقاط الانظمة العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا. أما اليوم وبعد وصول الرئيس ترامب الى البيت الابيض والضغوط الشديدة التي تمارسها الولايات المتحدة ضد ايران خاصة وقف الدول شراء النفط الايراني قبل الرابع من نوفمبر 2018 مما سيزيد من تدهور الاقتصاد الايراني وانخفاض العملة الايرانية الى الحد الادنى في تاريخ ايران ويهدد حسابها الجاري ويضع مجموعة من السلع الاستهلاكية خارج ميزانية الطبقة المتوسطة من الشعب الايراني. ففي نهاية عام 2017 كان سعر الدولار 42.800 ألف ريال ليصل الى 65.000 ألف ريال عشية الانسحاب الامريكي من الاتفاق النووي والى 90.000 ألف ريال اعتباراً من 27 يونية الماضي. لذلك وأمام تلك الارقام الفلكية والمقلقة وتحويل الإيرانيين لأموالهم بالدولار للخارج وحظر الحكومة الايرانية استيراد 1300 سلعة استهلاكية باعتبارها غير أساسية واستمرار هبوط سعر صرف العملة الايرانية في السوق السوداء والمتظاهرون يرفعون في شوارع طهران والمدن الرئيسية لافتات عناوينها فشل سياسة الحكومة الاقتصادية، التي لم تزل تدعم أحلامها التوسعية بتمويل العمليات الارهابية في كل العواصم الأجنبية وتدخلها في الشؤون الداخلية العربية خاصة العراق وسوريا ولبنان واليمن وقطاع غرة، وخشيتها من خسارة تحالفها مع روسيا ودعمها في سوريا وعدم قدرتها على تزويد الأسد بنفس القدر من الدعم السخي الذي قدمته سابقاً. كل تلك المعطيات تضع الحكومة الايرانية أمام خيارين كما أعتقد: الأول: الاتصال بالحكومة الامريكية لإبرام صفقة جديدة تتفق والنقاط الـ 13 التي أعلنها وزير الخارجية الامريكية مايك بومبينو ومن أهمها: التخلي عن دورة الوقود النووي وبرنامج الصواريخ البالستية والتراجع عن سياستها في الشرق الاوسط. أما الثاني فهو: اتخاذ الحكومة الايرانية الطريق الأكثر خطورة بتسريع برنامجها النووي على أمل التوصل الى صفقة أفضل من إدارة ترامب او من يأتي بعدها. إلا أن تطورات الاحداث المتسارعة حول مصير الاتفاق النووي توضح بأن ايران تتجه نحو التصعيد بالعودة الى تخصيب اليورانيوم وإنتاج مايصل الى 60 وحدة طرد مركزي يومياً من طراز (6-IR) المطورة كما صرح بذلك رئيس المنظمة الايرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي. إن ايران التي كانت نموذجاً ناجحاً للمساواة والتعايش في عهد الشاهنشاهية - قبل انقلاب الملالي عام 1979- وللتعددية والإثنيات وتنوع الأديان والمذاهب، تراجعت مائة عام الى الوراء بسبب الايدولوجية الشيعية التي أدت الى التراجع الداخلي المدمر وخلق حالة غير مسبوقة في الصراع السني الشيعي في المنطقة، كما أدت الى تراجع كبير في «مجال الديمقراطية والعدالة»، كما صرح بذلك الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي. وتحتاج ايران كما صرح بذلك رضا بهلوي الثاني الابن الأكبر لشاه ايران السابق وولي عهده الى العلمانية التي يرى انها هي الحل الذي يضمن حماية الحريات الدينية للجميع، التي سوف تؤدي كذلك الى ضمان عدم استغلال الدين سياسياً، هذا الاستغلال الذي يعيش عليه النظام الحالي ويقود به ايران ومحيطه الاقليمي الى وجهة عنوانها الدمار والخراب. ولكي تستطيع ايران أن تتصالح مع نفسها وإقليمها المحيط بها والعالم، فإنها تحتاج ايضا الى إعادة النظر في سياستها الخارجية تجاه الدول العربية وخاصة دول مجلس التعاون من أجل بناء علاقات صداقة تقوم على المصالح الاقتصادية المشترك وبناء جسور من الثقة الهادفة الى استتباب الامن والاستقرار في المنطقة بما يساعد على حرية التنقل للأفراد والجماعات من الجانبين وحرية التبادل التجاري وتبادل المنافع المشتركة التي تنصب في التنمية الشاملة وبناء الانسان الايراني الحر الذي يستحق ان يكون له دور في بناء الحضارة. المحلل للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
مشاركة :