تبدو وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الحالة ليست فقط سوقا آمنة تعج بالمستثمرين والباعة بل أيضا يتخفى فيها لصوص من هنا وهناك ويجري اقتفاء أثرهم. ينغمر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في العديد من الميزات التي أتاحتها هذه المنصات. خدمات رقمية من أبسطها سهولة الاتصال الصوتي والصوري المجاني الذي لم يكن متاحا من قبل وكان يتطلب إنفاق المال للحصول على تلك الخدمة. لكن المستخدمين الكثر المنصرفين لهذه الميزات وخاصة الاتصال المجاني قد لا يتنبهون كثيرا إلى أنهم يعيشون في سوق كبيرة تمثلها وسائل التواصل الاجتماعي. لولا الاستخدام التجاري والدخول في أسهم البورصة والاستثمار والترويج التجاري لما انتعشت منصة مهمة مثل فيسبـوك إلى هـذه الـدرجة وبمـا فيها تحملها تكلفة الاتصالات الصوتية والصورية وغيرها من الخدمات الأخرى المجانية. تذكر دراسة أعدها مركز رصد الاستخدامات التجارية لوسائل التواصل الاجتماعي أن قرابة مليار شخص يستخدمون فيسبوك يوميا وهو رقم ضخم للغاية أن تمر كل هذه الملايين من البشر عبر منصة واحدة. هو واقع أغرى الشـركات التجارية الكبرى والمتـوسطـة وحتى الصغيرة للـدخول إلى الميدان بقوة لغرض اجتذاب ولو جزءا يسيرا من ذلك المليار البشري اليومي. يفيد المركز المذكور بأن أكثر من 66 بالمئة من الشركات التجارية اتخذت لها موطئ قدم في فيسبوك بمعنى أنها أخذت مساحة للترويج والإعلان والتعريف بها وبمنتجاتها. اثنتان من كل ثـلاث من تلك الشركات التي تعدادها بعشرات الألوف تتخذان فيسبوك فضاء للترويج التجاري ولفت انتباه المليار مستخدم للفضاء الاتصالي الأزرق. عملية ضخ الأموال وبيع الإعلانات وصفقات الشراء تجري من حول المواطن المنغمر في جلسات الدردشة أو تتبع أخبار الرياضة أو غير ذلك من الاهتمامات. ثمانية مليارات دولار قيمة سوقية بالنسبة لفيسبوك للعام الماضي تقرّب الصورة إلى المدى الذي بلغه الاستثمار التجاري لواحدة من أكثر وسائل التواصل الاجتماعي انتشارا. أن يصل الأمر إلى إعطاء قيمة سوقية لكل مستخدم تصل إلى ما يقارب ستة دولارات للشخص الواحد عندها يمكننا تخيل أهمية الثروة البشرية قبل المادية التي تمثلها هذه المنصات عند هذه النقطة لا بد من إدامة تلك الموارد الضخمة واستثمار ماكنات المجتمع الاستهلاكي لكي تلاحق جمهورا مليونيا عريضا من المستهلكين لكي يطل بين حين وآخر على سلع تباع وعروض تجارية تنتظر من يتعاطى معها. ليس مستغربا أن تكرس أدوات وقوى بشرية وخوارزميات متطورة من أجل الظفر بالمستهلك والاحتفاظ به وتاليا جلب المزيد من المستهلكين. لكن الشركة العملاقة، وقد اكتنزت بتلك الأعداد الضخمة من المستخدمين، ذهبت بعيدا في الاستثمار في البشر حتى تورطت في التأثير في الرأي العام وإفساح المجال لشركات تبث معلومات مضللة، وهو ما سمعنا الكثير منه في ما يتعلق بمسار الانتخابات الأميركية الأخيرة وما جرى حولها من جدل. لم تخف هذه الشركة الضخمة استخدام باحثين مرموقين وخوارزميات متطورة تعقبت مواقف وتعليقات الملايين من القراء سواء أكانت سلبية أو إيجابية والبناء عليها في التأثير على الجمهور الأوسع. لعل كل ذلك يبدو كافيا من جهة أخرى لكي يسيل لعاب قراصنة وشبكات نصب واحتيال، حيث تذكر إحصائيات الأمن السيبراني أن حوالي 60 بالمئة من عمليات النصب والاحتيال السيبراني تجري من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وذكرت التقارير أن تلك العصابات توهم المستخدم بصفحات مزيفة يطلب فيها منه أن يؤكد بياناته الشخصية، وما إن يفعل ذلك حتى يتم استخدام تلك البيانات لعمليات الانتحال الشخصي والسرقة والنصب والاحتيال. تبدو وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الحالة ليست فقط سوقا آمنة تعج بالمستثمرين والباعة بل أيضا يتخفى فيها لصوص من هنا وهناك ويجري اقتفاء أثرهم. أن يصل الأمر إلى إعطاء قيمة سوقية لكل مستخدم تصل إلى ما يقارب ستة دولارات للشخص الواحد عندها يمكننا تخيل أهمية الثروة البشرية قبل المادية التي تمثلها هذه المنصات وخاصة فيسبوك ولماذا تحولت إلى سوق كبيرة ومستثمرين كثر ومستخدمين منشغلين بالدردشة فيما هم هدف آلاف الشركات التي تترصدهم فيما تتوارى خلف ذلك الستار الأزرق.
مشاركة :