مع توحش الجماعات والتنظيمات الإرهابية فى عملياتها حول العالم، ومساعى عناصرها للسيطرة على مساحات واسعة من أراضى الدول الموجودة عليها؛ لم يعد إقليم بعينه بمأمن عن تهديدات تلك الجماعات، ولعل إقليم «الجنوب الأفريقي» كان آخر الأقاليم المُستهدفة من قبلِ الإرهابيين.و«الجنوب الأفريقي»، ظل لحقب طوال بعيدًا عن اهتمامات الحركات الإرهابية لأسباب متعددة، من أهمها بُعد المسافة بينه وبين مركز عمل الحركات المتطرفة فى منطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن الظروف البيئية لأفريقيا، خاصة منطقة جنوب الصحراء، إضافة إلى انتشار أنماط معينة من التدين لا تتناسب مع طبيعة المتشددين، وهناك أسباب أخرى جعلت من الصعوبة أن تجد تلك الحركات موطئًا لأقدامها؛ إلا أن كثافة النشاط الذى طرأ على عمل تلك الحركات فى منطقة الساحل وغرب أفريقيا بعد انحسارها فى منطقة الشرق الأوسط جعل التهديدات الإرهابية غير بعيدة عن دول أفريقيا.حركة السنة والجماعة أحدث المؤشرات على تركيز الجماعات الإرهابية أنشطتها الإجرامية فى دول أفريقيا، تُمثل فى بروز إحدى الحركات المتطرفة والعنيفة التى تُطلق على نفسها اسم «السنة والجماعة» خلال الأعوام الأخيرة فى «موزمبيق»، ما يُعد سابقة فريدة من نوعها فى هذا البلد الذى لم يعرف نشاطًا لحركات الإسلام السياسى من قبل؛ ووفقًا لدراسة أعدها معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية IESE فإن الجماعات المتشددة أصبحت لديها قواعد داخل موزمبيق.ولعل الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية لعبت دورًا فى ظهور تلك حركة «السنة والجماعة» بالمناطق الشمالية لإقليم «كابو ديلجادو» فى موزمبيق، وظهرت هذه الحركة فى هيئة جماعة دينية، ثم تحولت إلى خلايا عسكرية بداية من عام ٢٠١٥، وهو ما أسفر عن تزايد التوترات بين الدولة وبقية المسلمين، وسهَّل انسياب الأقلية المسلمة فى موزمبيق (٥٧.٦٪ مسيحيين، ١٨٪ مسلمين، ١٧.٩٪ غير منتمين لأى دين)، خاصة فى الولايات الشمالية مثل: «تمبولا، وزمبزيا، ونياسا»؛ حيث يقتصر حضورهم الاقتصادى على الاشتغال بالزراعة وصيد الأسماك والعمل فى مناجم الفحم والماس واليورانيوم. ويعانى المسلمون فى موزمبيق من التهميش من جانب، ومحدودية مشاركتهم فى الوظائف الحكومية، فضلًا عن تهميشهم تعليميًّا وصحيًّا، نتيجة قلة المدارس والمستشفيات فى مناطق وجودهم، إضافة إلى محدودية الإمكانات لممارسة شعائرهم الدينية. وبجانب ما سبق، فقد لعب السياق الاجتماعى دورًا فى بلورة الأفكار العامة لهذه الجماعة؛ إذ تُطلِقُ على نفسها اسم «السنة والجماعة»؛ حيث يرى أفرادها أن الشعائر الإسلامية فى مساجد موزمبيق آخذة فى التلاشى، وأن هناك انحرافًا عن التعاليم النبوية، وبالتالى تزعم هذه الجماعة أنها تسعى لاستعادة القيم التقليدية للإسلام، إلى أن اتجهت الحركة للدعوة إلى فرض الشريعة الإسلامية قسرًا، كما تتشدد فى توجهاتها إلى الحد الذى ترفض معه الاعتراف بالدولة الموزمبيقية. وحركة «السنة والجماعة»، تتشابه مع جماعة «بوكو حرام» النيجيرية؛ حيث تمثلت نشأة كلتيهما فى إطار العمل الدعوى المؤمن بفكرة «الحاكمية» الرافض إلى هيمنة الثقافة الغربية وتلاشى التقاليد الدينية، لتصطدم مع الدولة، ثم تنتقل لاحقًا إلى تشكيل فصائل عسكرية، ومن ثم الدخول فى حرب العصابات، ويتوزع وجود الحركة (يتراوح عدد أعضائها ما بين ١٣٠٠ و١٥٠٠ فرد) فى عدد من معسكرات التدريب بمنطقة «كابو دلجادو» التابع لمنطقة «موكيمبو دا برايا وماكوميا ومومنت بويز»؛ حيث تتخذ شكل الخلايا الصغيرة على طول المنطقة الساحلية شمالى موزمبيق، لكن العدد المحدود لأعضاء الحركة مرشح للزيادة فى ضوء رخاوة الدولة فى مواجهتها، فضلًا عن الأوضاع المتدنية التى يعانى منها مسلمو موزمبيق. فمن المناطق الشمالية تَشُّن الحركة هجماتها ضد منشآت الدولة، وقد تأثرت فى ذلك بالأساليب التى تتبعها التنظيمات المتطرفة فى أماكن أخرى (مثل «داعش» التى تبالغ فى الوحشية بعملياتها)؛ فمنذ منتصف مايو من العام ٢٠١٧ شنت الحركة عدة هجمات أسفرت عن مقتل ٣٥ شخصًا، تنوعت فيما بين قطع الرؤوس، وحرق المنازل، ما أثار الذعر بين السكان، والذى كان من توابعه رفض العاملين بشركة «أناداركو» (العاملة بقطاع النفط والغاز) الذهاب إلى عملهم خوفًا من هجمات هذه الجماعة المتطرفة، كما طالبت السفارة الأمريكية رعاياها بمغادرة الدولة.ولم تقتصر أعمال الجماعة على استهداف المدنيين؛ ففى أكتوبر من العام ٢٠١٧ هاجمت الحركة ٣٠ شرطيًّا بمراكز للشرطة فى منطقة «موكامبو دى برايا»، فقتلوا اثنين، وسرقوا الأسلحة والذخيرة، واحتلوا المدينة، لكنهم انسحبوا لاحقًا ليقيموا معسكرًا فى منطقة الغابات التابعة للمدينة.كما شهدت موزمبيق عملية قطع رءوس ١٠ أشخاص فى ٢٧ مايو من العام الحالى ٢٠١٨، وفى ٥ يونيو من نفس العام أكدت شرطة موزمبيق أن العصابات استخدمت السواطير فى قتل ٧ أشخاص؛ حيث صوبت أصابع الاتهام نحو حركة «السنة والجماعة».التنسيق مع التنظيمات الأخرىلا تتوقف خطورة حركة «السنة والجماعة» على نشاطها الإرهابى فى منطقة معينة، بقدر ما يتصل الأمر بقدرتها على تشكيل شبكة علاقات مع التنظيمات المتطرفة فى أماكن أخرى بالقارة الأفريقية؛ ويشير أحد التقارير الصادرة عن معهد الدراسات الاجتماعية إلى تواصل هذه الحركة بجماعة «الشباب الصومالية»؛ حيث جاء معظم قادة الأخيرة لتدريب عناصر الأولى فى شمالى موزمبيق، وهو ما يفتح الباب مستقبلًا أمام نسج علاقات شبيهة بالتنظيمات الفرعية التابعة لتنظيم القاعدة مثل «المرابطون». ويقتصر موقف الدولة بموزمبيق فى مواجهة هذا الخطر، على المقاربة الأمنية لمواجهة تهديدات الإرهاب، فقد قامت السلطات بالقبض على مئات الأشخاص من الرجال والنساء، كما تم إغلاق بعض المساجد وتدمير البعض الآخر، كما لجأت الدولة لمنع المسلمين من ارتداء الزى الدينى.
مشاركة :