انتهت قبل أيام أزمة الأطفال، الذين حوصروا في أحد الكهوف في تايلند إثر هطول امطار غزيرة سدت منافذ النجاة في الكهف ذي الممرات الوعرة، وقد تحصنوا فوق صخرة كبيرة داخل الكهف لمدة سبعة عشر يوما، ولكن عناية الله حفظتهم ولم يلحق بهم اذى، ويشكل هؤلاء الأطفال التايلنديون فريقاً لكره القدم يتكون من اثني عشر فتى مع مدربهم، كانوا في نزهة داخل الكهف قبل هطول الأمطار، وقد تمكن الغواصون التايلنديون والأجانب من إنقاذهم بعد محاولات خطرة راح ضحيتها أحد الغواصين. وقد تابع العالم أنباء محنة هؤلاء الفتية، ودعوا لهم بالنجاة، وتعاطف معهم الجميع، وساد الارتياح بنجاتهم، وهذا هو شعور طبيعي يوحد الإنسانية، لا سيما انهم أطفال أبرياء. وفي المقابل، هناك آلاف الأطفال الأبرياء كذلك يتعرضون للهلاك في بلادنا بفعل أعمال البشر، الذين يلقون عليهم البراميل المتفجرة تمزق أجسادهم، ومنهم أطفال رضع، يقصفونهم بالمواد الكيماوية الحارقة منذ سبع سنوات وما زالوا. وبعضهم قضى نحبه وأهاليهم غرقى في مياه البحر الأبيض المتوسط، هربا من المآسي في بلادهم وطلبا للنجاة، ويكون مصيرهم الهلاك، وأمام كل هذه المآسي والنكبات يقف المجتمع الدولي عاجزاً، يكتفي بالاحتجاج والإدانة والشجب. وللأسف حتى الدول الكبرى، التي من المفترض ان تسعى الى إنهاء هذه المآسي والحروب، نجد بعضها على العكس من ذلك يشارك السلطات المحلية بزيادة الكوارث واستمرارها بالمشاركة في القصف والتدمير وإشعال الفتن. انظروا الى عالمنا المعاصر كيف ينظر الى احداث العالم بمنظارين مختلفين، فان محنة أطفال الكهف التايلنديين العابرة، التي استغرقت سبعة عشر يوماً فقط، وكتب الله لهم النجاة، تفاعل العالم معهم وتابع أخبارهم أولا فأول، وابدى لهم العطف والحنان ونحن معهم نشاركهم نفس الشعور، لأنهم بشر وأطفال، من دون النظر الى جنسيتهم او ديانتهم، وهذا شعور طبيعي ومطلوب. اما اطفالنا الذين ما زالوا منذ سبع سنوات يتعرضون للإبادة مع عائلاتهم، فبدل العطف والحنان يتلقون القصف والنيران، وكل ذلك كان بسبب تفرقنا وتنازعنا فضعفنا وطمع عدونا بِنَا، فتداعت علينا الامم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، لتدمير بلادنا التي تتميز بموقع استراتيجي مهم، وتتوافر بها الثروات المتنوعة، وأصبحت مسرحاً لتصفية حسابات الكبار، وميداناً للصراعات المحلية والإقليمية والدولية، السياسية منها والطائفية، وعمت في بعض أوطاننا العربية اعمال العنف، التي أضعفتها واشغلتها بنفسها بما يسمى الربيع العربي وهذه هي أهداف أعدائنا. فعلينا جميعاً أن نواجه هذه المصائب، التي حلت بنا بأن ننهي خلافاتنا ونعود الى رشدنا، كي تسود المحبة والتعاون بيننا، ونفوت على أعدائنا الاستمرار في تدمير بلادنا واستغلال ثرواتنا، ونحن في هذه الأوقات العصبية التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية أحوج ما نكون الى وحدة الصف والكلمة والمواقف، وان نكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا يصعب اختراقه، وذلك لحماية أنفسنا والأجيال القادمة، التي نسأل الله أن تتوافر لها ظروف أفضل وتنعم أوطاننا وتتمتع شعوبنا بالخير والأمن والاستقرار. إنه سميع مجيب. محمد سعود يوسف البدر* *سفير متقاعد
مشاركة :