تبدو الرسوم الجمركية على قطاع السيارات التي يهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرضها، سلاحا ذا حدين للولايات المتحدة، إذ إنها فعالة سياسيا لكنها تنطوي على مجازفة كبيرة اقتصاديا.وستكون هذه القضية في صلب اللقاء بين ترمب وجان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية، وهي ليست حاليا سوى مجرد تهديدات وما زالت تدرس في وزارة التجارة الأمريكية، إلا أنها تشكل وسيلة قوية للضغط على شركاء الولايات المتحدة الأوروبيين والأمريكيين الشماليين.وفقا لـ "الفرنسية" يقول أستاذ السياسة التجارية في جامعة كورنل ايسوار براساد "إن الحديث عن رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة يوجه إلى الشركاء التجاريين للولايات المتحدة "رسالة واضحة" حول تصميم الرئيس الأمريكي على أن يبقى "ثابتا" قي سياسته الحمائية.لذلك وللدفاع عن قطاع السيارات الألماني الذي يمكن أن يخسر كثيرا في هذا النزاع، عبرت المستشارة أنجيلا ميركل عن "استعدادها" للتفاوض مع الولايات المتحدة حول خفض عام للرسوم الجمركية في هذا القطاع.وأشار رئيس اتحاد بائعي السيارات بيتر ويلش أخيرا إلى أن مثل هذه الرسوم يمكن أن تؤدي إلى فقدان 715 ألف وظيفة في الولايات المتحدة وستين مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي الأمريكي خصوصا بسبب تراجع المبيعات وارتفاع تكلفة القروض للسيارات.وقبل العاملين في قطاع السيارات بفترة طويلة، حذر المزارعون من الأضرار الجانبية التي قد يتعرضون لها.وأفرجت إدارة ترمب الثلاثاء عن مساعدة عاجلة بقيمة 12 مليار دولار للتعويض عن خسائر عائدات منتجي الصويا والفاكهة والأرز والحليب، معترفة ضمنا بأضرار لحقت بهذه القطاعات نتيجة الحمائية.وأكدت سيسيليا مالمستروم المفوضة الأوروبية للتجارة التي ترافق يونكر في زيارته "نتوجه إلى هناك بأفضل النوايا" على أمل "خفض التصعيد".وتفرض الولايات المتحدة رسوما جمركية ضئيلة جدا على السيارات المستوردة، بينما يطبق الاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية والصين إجراءات تتضمن قيودا أكثر.والتهديد بفرض رسوم جمركية إضافية على السيارات المستوردة هو أيضا وسيلة للي ذراع أوتاوا ومكسيكو في إعادة التفاوض حول اتفاقية التبادل الحر لأمريكا الشمالية "نافتا".وينتج البلدان اللذان يدخلان حاليا بحرية إلى السوق الأمريكية، الجزء الأكبر من السيارات المصدرة إلى الولايات المتحدة "4.27 مليون سيارة"، متقدمين على اليابان "21 في المائة من الواردات" وألمانيا "11 في المائة" وكوريا الجنوبية "8 في المائة".وقال براساد "إن ما يمكن أن يزيد من تشدد البيت الأبيض هو أن هذا القطاع الذي يشكل "رمز الصناعات التحويلية للولايات المتحدة" هو المسهم الرئيس في الاقتصاد الأمريكي".ويعكس القطاع وحده الخلل التجاري الذي يدينه الرئيس الجمهوري باستمرار.في 2017، استوردت الولايات المتحدة 8.27 مليون آلية وصدرت 1.98 مليون، حسب أرقام وزارة التجارة. ومنذ عام 2000، ارتفعت الواردات بنسبة أكبر من الصادرات "بزيادة 42.7 في المائة للواردات، و33.7 في المائة للصادرات".في المقابل، بين كانون الثاني (يناير) وأيار (مايو)، تراجعت حصة السيارات المنتجة والمبيعة في الولايات المتحدة إلى 50.1 في المائة، مقابل 51.1 في المائة للفترة نفسها من 2017، حسب المكتب الاستشاري "أدوموندز.كوم".ويقول المختص الاقتصادي تشارلي شيسبروج من مجموعة "كوكس اوتوموتيف"، "خلال الطفرة الاقتصادية في مرحلة ما بعد الحرب، كانت صناعة السيارات قطاع التوظيف الرئيس، ولم تكن المنتجات المستوردة تشكل سوى جزء صغير من حصة السوق". ويريد الرئيس الأمريكي بشكل واضح العودة إلى هذا العصر الذهبي لصناعة السيارات الأمريكية.لكن فرض رسوم على قطاع السيارات ستكون له عواقب بالتأكيد، كما يرى المختصون في هذا القطاع. ويرى شيسبورج أن عولمة هذه الصناعة أعادت خلط الأوراق، وقطع السيارات باتت يتم إنتاجها في كل مكان في العالم.وتقول المحللة ماريان كيلر من مجموعة "إم كي آند إيه أوتوماتيف"، "لا يمكن لأي شركة منتجة للسيارات أن تغير مصانع إنتاجها بين ليلة وضحاها"، داعية إدارة ترمب إلى أن تتذكر كلمتي "سموت وهولي"، في إِشارة إلى قانون هولي- سموت الذي أقر في 1930 في الولايات المتحدة على الرغم من تحذيرات عدد كبير من المختصين الاقتصاديين.وفرضت حينذاك رسوما جمركية نسبتها 60 في المائة على أكثر من 20 ألف منتج زراعي وصناعي مستورد. ورد الشركاء بقيادة كندا بفرض رسوم على صادرات الولايات المتحدة التي تراجعت حينذاك 61 في المائة بين 1929 و1933.
مشاركة :