دبي: محمد رُضا اليوم هو آخر أيام الدورة الـ11 لمهرجان دبي السينمائي الدولي. وفي حين يمكن تناول المحصلة الأخيرة لما قام عليه المهرجان ولنتائجه في الغد، نستطيع القول من الآن إن مهرجان دبي خرج من التحديّات التي واجهها والمنافسات التي خاضها منتصرا ومتقدّما. وإذا كان أحد أهم شروط التقييم هو النظر إلى أفلامه، فإن هذا العنصر تحديدا كان مقبولا بل وجيدا. جهود مديره الفني (مسعود أمر الله آل علي) ومعاونيه أتاحت عرض 118 فيلما كثير منها فوق المستوى بمسافات. لكن ماهية هذا المستوى هو ما يختلف عليه النقاد والحضور بصفة عامة، فالبعض يرى أن نسبة الجيد هي الغالبة والبعض الآخر يراها معتدلة وهكذا. المؤكد أن ما طرح على شاشاته في الأيام الثمانية الماضية كان جديرا بالإعجاب ومثيرا للنقاش على نحو أو أكثر. العرض العالمي الأول لفيلم المخرج المصري داود عبد السيد هو من بين الأفلام المنتظرة والمثيرة للنقاش. كان منتظرا لأن المخرج، وسط الظروف الحالية، مقل. وكان منتظرا بسبب أنه أحد الأسماء الكبيرة في السينما المصرية اليوم منذ أن كتب وأخرج فيلمه الروائي الأول «البحث عن السيد مرزوق» سنة 1991. كما عنوان ذلك الفيلم، كتب المخرج عملا يبحث فيه عن تناقضات الشخصيات من خلال موظف على قدر من السذاجة (كما لعبه نور الشريف). وكل أفلامه بعد ذلك (منها «أرض الأحلام» و«أرض الخوف» و«مواطن ومخبر وحرامي» و«رسائل البحر») دارت حول موضوع البحث ومن يقوم به ومن يلتقي به خلال بحثه. في فيلمه الجديد «قدرات غير عادية» (مع خالد أبو النجا ونجلاء بدر مع اشتراك محمود الجندي وحسن كامي وكريم المصري وعباس أبو الحسن) هناك البحث ذاته منصب على فكرة تناول موضوع أولئك المتميزين بقدرات غير عادية مثل توقع أن يحدث شيء فيحدث، أو مثل النظر إلى الشيء البعيد فيقترب أو تحريك الأشياء في الهواء وسواه. حتى البداية فيه رنة من بعض الأعمال الماضية. في الدقيقة الأولى يُطلب من يحيى (أبو النجا) أن يواصل العمل على بحث كتبه حول الأشخاص الذين يتمتعون بتلك القدرات الفائقة غير الطبيعية، مما يذكّرك بمطلع «مواطن ومخبر وحرامي» عندما يُمنح بطله وقتا غير محدد للغياب عن العمل والنزول إلى الشارع ليستكشف أمر الناس وينقل معلومات عنهم. كذلك هناك عنصر المراقبة من بعيد. أول ما يفعله يحيى بعد أن أخبره مديره أن عليه أن يأخذ إجازة «وما تورنيش خلقتك لشهر» هو النزوح إلى بنسيون يقع على مقربة من مدينة الإسكندرية حيث يستأجر غرفة فيه ليعيش (ونظريا لكي يقرأ ويدرس). هناك يكتشف أن صاحبة البانسيون (الجميلة والجيدة نجلاء بدر) وابنتها فريدة (مريم تامر) تملكان قدرات غير عادية. الأولى، مثلا، تستطيع أن تتنبأ بقدومه إلى الإسكندرية وملاقاته فيها حتى من دون موعد متّفق عليه. الثانية تستطيع أن تحرّك الأشياء من مكانها. هذا ما يدخل صميم بحثه، لكن بحثه ليس علميا. يترك يحيى نفسه ينساب إلى عالمهما من دون كوابح. يصبح جزءا من حالة عامّة ويكتشف أنه تحت المرصاد وأن هناك رجل أمن على قدر كبير من التأثير في مجريات الأمور اسمه عمر (عباس أبو الحسن) كان يموّل أبحاثه ويدير الجهاز الذي يريد التعرّف على من يمتلكون مثل تلك الطاقات العجيبة. وهذا يعترف لاحقا أنه وكّل إلى الطفلة فريدة مسألة مساعدته في التحقيق مع متّهمين مختلفين في مسائل أمنية. لكن يحيى الذي يبدأ بالتعرّف على تلك الطاقات في الآخرين، وبقرار غير حكيم من الكاتب - المخرج، يبدأ بالتساؤل عما إذا كان هو من يملك هذه القدرات وهو من سيّر الأم وابنتها منذ البداية. قرار غير حكيم لأن الفيلم يبدو، وبطله، تائها منذ البداية وما يفعله المخرج هو أن يزيده توهانا عبر عدم قدرة بطله على الوثوق في شيء، خصوصا وأنه يعود فيؤمن بأن الأم وابنتها مخلوقتان موهوبتان على النحو المذكور وليس هو. ثم يزيد هذا التوهان عندما يبدأ بالحديث عن احتمال أن تكون الأم وليس الابنة هي الأنثى ذات القدرات غير العادية، وهذا من بعد أن قاد الفيلم نفسه، وجمهوره، في فحوى مفاده أن الابنة هي صاحبة هذه القدرات. يلامس الفيلم هنا خطوط أفلام أخرى. يوحي بـ«غير قابل للكسر» و«الحاسة السادسة» للأميركي م. نايت شيامالان و«كاري» (في نسختيه السابقة سنة 1976 و2013) ولما تقوم عليه سلسلة «رجال إكس». ليس أننا نرى الطفلة تنظر إلى خالد أبو النجا وتقول له: «أرى أمواتا»، لكن على نطاق الطرح المستمر لأسئلة موحية بالغرائبيات. لكن شيامالان أجاب على تلك الأسئلة في حين أن عبد السيد يبقيها نصف مجابة ويترك أيضا الثغور بينها. لا أقول إن المخرج نقل من هذه الأفلام (وهو أبعد بكثير من أن يصنع فيلما لاهيا مثل أفلام «رجال إكس») بل هناك قدر من الأحداث التي تجعل المرء يتذكّر منزعجا. النقطة السلبية الأخرى هي في أداء خالد أبو النجا. ليس خطؤه أن الدور صعب بل خطؤه والمخرج في أنه يحافظ على مستوى واحد من التعبير حتى مع اختلاف الظروف وردّات الفعل. من ناحية ثانية هذا هو أيضا وضع الفيلم من حيث حرصه على المحافظة على منوال معيّن من السرد وإيقاع لا يمكن الهروب من استخدام كلمة «رتيب» في وصفه. الكثير من الشجن وأكثر منها من الأفكار التي أحيانا ما تصعد إلى أعلى ما يمكن للفيلم بلوغه من إنجاز (الفصل الذي تدور فيه مشاهد نزول يحيى إلى الحفلات الدينية وحالة الغربة التي يعيشها روحيا ومدنيا). تصوّر فقط لو ترك هذه المشاهد من دون تعليق. لو ترك للكاميرا أن تعبّر. بل لو كان الفيلم بكامله من دون تعليقات. ساعة من يحيى وساعة من المرأة التي أحب (الأم) كما لو أن المخرج لم يختر مرجعية الشخصية المراد أن تقود. من ناحية أخرى هناك فيلم سوداني (مفاجأة) في عروض المهرجان الرسمية بعنوان «على إيقاع الأنتوف» يتناول موضوعا لم يتطرّق إليه فيلم سابق. كلنا نعرف الحرب التي دارت ولا تزال بين الشمال والجنوب السودانيين. لكن القليل يذكر عن الحرب التي يشنها الشمال على منطقة النيل الأزرق وجبال النوبة شرقا. «على إيقاع الأنتوف» للمخرج حجوج كوكا، هو فيلم تسجيلي جيّد من ناحية معلوماته حول الموضوع والآراء التي يبثّها لمثقفين وعاديين فيه، وأكثر جودة من ناحية كيفية تصوير تعامل أهل المنطقة (وهم مسلمون أفارقة) مع الحرب الدائرة عليهم. من البداية ينجز المخرج تصوير الحالة. ها هم أهل إحدى القرى يشاهدون اقتراب الطائرات لقصفهم. يهرعون إلى ما حفروه من ملاجئ. تنقض الطائرات. تقصف. تهدم. تمضي ثم يخرج المختبئون تحت الأرض لا ليولولوا وليبكوا وينحبوا، بل ضاحكين سعداء وليهرعوا إلى أدواتهم الموسيقية يعزفون عليها ويرقصون على أنغامها. في التفسير أنهم سعداء بنجاتهم من الغارة. لكن في التراث شعب يريد الحياة ويعبّر عنها دوما بالرقص والغناء. لمن يتساءل عن أصل «البلوز» الأميركي سيجده (أو سيجد بعضه على الأقل) في هذا الفيلم. وفي منطقة عربية في جغرافيتها على الأقل، هي الجبال اليمنية الشاهقة قدّمت المخرجة خديجة السلامي أول أفلامها الروائية «أنا نجوم بنت العاشرة ومطلّقة» استيحاء من حادثة تبدو واقعية عندما تقدّمت فتاة في العاشرة من العمر (أو نحوها) من قاضي إحدى المحاكم في صنعاء طالبة الطلاق من الرجل الذي تم تزويجها إليه غصبا، ومن دون أخذ رأيها (طبعا). السبب يكمن في أن والدها اختار ذلك لأسباب ماديّة. كان يعيش في تلك القرية الجميلة الهانئة في أعالي الجبال جنبا إلى جنب التقاليد المتوارثة عندما استغل ابن أحد جيرانه غيابه واغتصب ابنته. حين فشل الأب في الأخذ بالثأر وفي إجبار الشاب على الزواج لستر الفضيحة، قرر أن يترك القرية إلى المدينة وما يلبث أن تخلّص من ابنته الصغيرة بتزويجها لقاء مهر. الحالة الآن أمام القاضي يستمع إلى وجهات النظر ويقضي في النهاية بما يراه مناسبا. الموضوع المهم تم تفتيته إلى فصول تقع بين الحاضر (الفتاة التي طلبت من القاضي الطلاق والمحاكمة التي تلت) والماضي (عبر مشاهد استرجاعية لكل ما حدث قبل المحاكمة). تهلك المخرجة موضوعها عبر الإكثار من الانتقال بين الأزمنة وأحداثها ثم ليس لديها القدرة الكاملة على الابتعاد عن التنميط الحاصل في السرد. عن تسديد ما هو متوقع من الأحداث والنتائج في كل فصل. بذلك يقف الفيلم على حافة السقوط كاملا في أكثر من مكان لا ينقذه سوى الموضوع المهم والرغبة في مؤازرة المرأة ونقد المجتمع والتصوير البديع للأماكن الطبيعية التي تنطلق منها الأحداث. * نتائج مسابقة الأفلام القصيرة والإماراتية * شارك في لجنة التحكيم في مسابقة كل من الأفلام الإماراتية ومسابقة الأفلام القصيرة المخرجة الفلسطينية - الأميركية شيرين دعيبس والكاتب السينمائي الإماراتي محمد حسن أحمد. احتوت مسابقة «المهر الإماراتي» على 8 أفلام من الصنع المحلي واحد منها طويل (هو «عبود كنديشن»: كوميديا اجتماعية من إخراج فاضل المهيري، و7 أفلام قصيرة هي «عبء» لسقراط بن بشر و«للفرص نهايات» لعلي بن مطر و«الاعتراف» لمحمد سويدان و«الدرب» لمريم النعيمي و«فوق الخفايا» لشهد الشحي و«حب إكس لارج» لخالد علي، بالإضافة إلى «البعد الآخر» لعائشة الزعابي. هذا الأخير فاز بالجائزة الأولى تلاه «الاعتراف» بجائزة لجنة التحكيم الخاصّة. الأول عن كيف تدور الدوائر على من آذى الآخرين ليجد نفسه في أحد الأيام وقد صار محط الأذى، والثاني حول امرأة تدخل ديرا للاعتراف لتكتشف أن من اعترفت له سقط قتيلا. حال مسابقة المهر للأفلام القصيرة كان أفضل كمستوى، بحيث دار النقاش طويلا بين من يفوز بالجائزتين الأولى والثانية. في النهاية كان لا بد، وعلى نحو إجماعي، بتتويج «وتزوج روميو جولييت» للتونسية هند بوجمعة بالجائزة الأولى، ومنح الثانية، مع بعض التردد لقوّة الأفلام الأخرى المنافسة، لفيلم إماراتي - بلجيكي بعنوان «صياد سيئ» للمخرج سهيم عمر خليفة. هناك تنويهان لفيلمين آخرين هما «في الوقت الضائع» لرامي ياسين (وهو إنتاج أردني - فلسطيني) و«ومع روحك» لكريم رحباني (لبنان). نتائج مسابقة «المهر الطويل» باقية للغد كونها منحت ليل يوم أمس (الثلاثاء) وهي برئاسة لجنة تحكيم يديرها المخرج الأميركي لي دانيالز.
مشاركة :